بين فتح "إبراهيم النابلسي" وفتح "محمود عباس"

23 اغسطس 2022
+ الخط -

اختزل احتفاء الشعب الفلسطيني باللقطات التي كشفت عن مواجهة الشهيد إبراهيم النابلسي للاحتلال ببسالة قبيل استشهاده ومجمل سيرة الشهيد توق الشعب الفلسطيني نحو المقاومة والتصدي للاحتلال، وجاء ترميز الراحل النابلسي وإعجاب الفلسطينيين عبر العالم بقصة نضاله وبطولته استفتاء واضحا على خيار المقاومة ورفض ما تبقى من أوسلو وما تبعه من مشاريع مشبوهة أخطرها على الإطلاق مشروع دايتون الذي رمى لإنتاج فلسطيني جديد، فلسطيني وظيفي يعمل دون أن يعلم لصالح مشروع إسرائيل ونظام فصلها العنصري.

إبراهيم الذي ينتمي لحركة فتح، وحصل على السلاح من حركة الجهاد، وأشاد في تسجيلات صوتية بحركة حماس، جسد وحدة حقيقية ظلت عصية على التحقق لعقدين من الزمان، وحدة على برنامج ببند واحد: المقاومة حتى النصر أو الاستشهاد.

إبراهيم فلسطيني حتى النخاع، وهو الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وليس منظمات وحركات تعتاش على تاريخ طمسه قادتها أنفسهم وحرفوا وحرّفوا تاريخا ناصعا لبطولات سطرها قادة وشهداء مؤسسون.

إن الشهادة أسمى نضال، لا تعرف الفصائل ولا الفصائلية هي فداء الوطن بالروح، إبراهيم شهيد فلسطين، استشهد وبندقيته في الوجهة الصحيحة

لقد نجح الشهيد النابلسي بوضوح وجهة بارودته في توحيد الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، فيما أخفقت كل الفصائل على مدار عقدين من الانقسام في تحقيق الوحدة واستهلكت قواها في معارك داخلية، ولسنوات انتقل الصراع من صراع مع الاحتلال إلى صراع وانقسام داخلي، فاقمه تحول أقلية من الشعب الفلسطيني لاختزال مشروع الشعب الفلسطيني في الحفاظ على سلطة تحت الاحتلال، تعمل وفق قوانينه، وتنسق معه، تحولت بشكل أو بآخر لجزء من الفضاء الأمني له، منتهية أداة من أدواته في مواجهة الشعب الفلسطيني وسعيه نحو التحرر من نير الاحتلال.

لقد كانت آخر وصايا الشهيد  إبراهيم النابلسي عدم ترك البارودة، كلمات عبرت عن خيار الشعب الفلسطيني، وبرنامجه الوطني للتحرر، رسمها الشهيد بدمه وكأنه يوقع بيان الثورة من جديد، يطرح هذا سؤالا منهجيا على قادة حركة فتح المختطفين للقرار الوطني، سؤالا عن عبثية أوسلو، وفشل مشروع محمود عباس للسلام، وتحول قادة السلطة لأقلية مخالفة للإجماع الفلسطيني، بل مضادة للخيار الفتحاوي لقادة فتح الشباب الذين مثلهم الشهيد الراحل.

لقد احتفى قادة فتح والناطقون باسمها بالشهيد الراحل، فيما خطاب الحركة وبرنامج رئيسها يتعارض تماما مع ما آمن به إبراهيم واستشهد وهو يوصي به، فكيف يمكن فهم هذا التناقض، بين خطاب رئيس السلطة رئيس حركة فتح محمود عباس الذي يجرم المقاومة ويعتبرها عبثا، وتنسق أجهزته الأمنية مع إسرائيل في اعتقال ناشطيها، وبين الاحتفاء بإبراهيم الذي رفض هذا الخط واستشهد وهو يحمل بندقيته في وجه الاحتلال ويعيب على من تركها.

كيف يمكن أن تحتفي فتح بإبراهيم الفتحاوي الانتماء، المؤمن بالبندقية، فيما يرأسها منظّر لعبثية المقاومة، وداع مبكرا لتسليم كل البنادق، بل سلم عمليا البنادق والسكاكين، وتحولت السلطة الفلسطينية للأسف لوكيل للاحتلال يلعب دور الوسيط  بينه وبين الشعب الفلسطيني.

إن الشهادة أسمى نضال، لا تعرف الفصائل ولا الفصائلية هي فداء الوطن بالروح، إبراهيم شهيد فلسطين، استشهد وبندقيته في الوجهة الصحيحة، لم تنحرف، ولم تضل، يا ليت فتح تحديدا تعيد تقييم مسارها، وتتوقف طويلا وتمعن النظر في وصية الشهيد، وفي مجمل قصته، أم أن هناك فتحين: فتح إبراهيم النابلسي، وفتح محمود عباس!

دلالات
C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد أمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.