الوصية

25 اغسطس 2023
+ الخط -

وصيّتي لمن كانوا حولي قبل الموت.

محاولاتي كقارئ أو ككاتب، في إثارة شهوة القراءة والتفكّر في نفوس الآخرين، ليست إلا حالةً مرضيّة فكريّة أعاني منها. هي حالةٌ أنانيّة بحت، أحاول فيها أن أخلقَ أشباهًا لي، فأنا أحبّ أن أرى أشباهي في كلّ مكان، ما أجملهم حين يضعون بصماتهم الفكرية حولي، ويفردون أفكارهم أمامي!

أيضًا أشعرُ بالوحدة في هذا العالم العميق الموحش، والشعور بالوحدة وحده محرّك أساسي وفعّال لتوجيه الإنسان إلى تكوين أشخاص حوله، أشخاص يشبهونه بالضرورة. 

كما أنّني أشعرُ كثيرًا باللانتماء لهذا الوجود الإنساني "العظيم"، وهذا الشعور كفيل بأن يضعني على خاصرة الأفكار التي من شأنها أن تقودني إلى صناعة الشخوص المشابهة لي؛ كي أشعر، ولو بشيء قليل، بالانتماء.

يا أصدقاء، إنّ الجهل بالأشياء يجعل الحياة ممكنة ومعقولة، من خلالها يمكن أن تتعثّر قدماك بأيّ شيءٍ يمكنه أن يجعلك سعيدًا، حتى لو كان نكتةً سخيفة. أمّا المعرفة، فهي تجعل من الإنسان لقمةً سائغة في فم أفكاره الكثيرة والشرسة في أغلب الأحيان؛ ما يجعله قادرًا على أن يكون مقتولًا أو مسخوطًا بين فكيّ أفكاره. أيضًا، لا يمكن لأي شيءٍ أن يدهش العارف ويبهره، حتى لو كان من "القضايا الكبرى". كما أنّه، بعد المعرفة، يحتاج إلى شيءٍ هائلٍ كي يحقّق له أدنى مستويات السعادة، فلا يرضى بقليل، ولا يستطيع أن يتلاءم مع واقعٍ بسيط.

أتمنى ألّا تأخذوا هذه الحالة المرضية الأنانية التي أعاني منها باستمرار على محمل الجد، واستمتعوا بالجهل؛ فهو دواءٌ رائعٌ للحياة. 

هذه وصيتي لكم، لكنّي أحثّكم على المعرفة والقراءة، إذا أردتم أن تعيشوا حياة الإنسان الحقيقي الذي يمتلك رفاهية المعرفة بين ما يريده وما لا يريده، ويمتلك أسباب رغباته وسلوكياته.

الريماوي
محمد الريماوي
كاتب ومدوّن. خريج جامعة بير زيت. له اهتمامات في اللغة العربية والكتابة الإبداعية والشعر وكتابة الأبحاث والمقالات، ويقدّم محتوى مرئيًا ومسموعًا على منصات التواصل الاجتماعي.