المرأة وعنف الرأسمالية وتحديد النسل (2)
أصبح الزواج بين النسوية والرأسمالية أكثر متانة في ستينيات القرن الماضي، وخاصة بعد قيام الثورة الجنسية. بعد هذه الفترة، جرى التعريف والتوعية بأهمية تحديد النسل، وخاصة استعمال موانع الحمل وتحطيم القيود ووصمة العار التي بصمت العلاقات الجنسية خارج نطاق الزواج. هذا جدير بالملاحظة على وجه التحديد، لأنّ الحركة النسوية، خصوصاً في موجاتها الاخيرة، بدأت تشجّع النساء على إعطاء الأولوية لمسيرتهن المهنية على الارتباطات الزوجية والأسرية. وبهذا شجعتهن على الاستمتاع بحياتهن الشخصية باسم التحرّر والاستقلالية.
ومع حلول الثمانينيات، بالتزامن مع انهيار الأيديولوجية الشيوعية، أصبحت فكرة السوق الحرّة بارزة ومعها برز المفهوم العالمي والنيوليبرالي الجديد للمرأة. حتى إنّ بعض الشركات بدأت في تشجيع موظفاتها على الاستمتاع بحياتهن الخاصة وتأجيل فكرة إنشاء الأسرة.
في الواقع، الآن، تقوم غالبية النساء الغربيات بذلك على أساس أنّه أولا يقع في نطاق فرديتهن وحريتهن الشخصية في الاختيار. فالأسرة، فعلاً، لم تعد أولوية مقارنة مع تحقيق ذواتهن واستقلاليتهن المادية عن الرجل. وهكذا، فإنّ الموظفات يجرى إظهارهن والتعريف بهن على أنهن متمكنات وقويات ومستقلات عن النسق التي رسخها النظام الأبوي التقليدي، الذي يُزعم ويُلام على أنه هو المسؤول عن إدامة النسق التي كانت تتعارض مع مشيئة المرأة المعاصرة.
تظل شركات التكنولوجيا الكبرى المستثمر الرئيسي في مشاريع ومختبرات تجميد البويضات لأنّ العاملات لديهن يتصدرن قائمة المستفيدات من مثل هذه الخدمات
وصل الحد ببعض الشركات إلى أن تخفّف من مخاوف النساء اللواتي ينتابهن القلق من فقدان خصوبتهن بحلول الوقت الذي يقرّرن فيه تكوين أسرة، وذلك عبر الاستثمار في الشركات والمؤسسات المتخصّصة في تجميد وتخزين البويضات الأنثوية. وبالتالي، الآن يمكن بالفعل تأجيل الأمومة أو فكرة إنشاء أسرة. لهذا في وقتنا الحالي، يجرى تشجيع النساء على الاستمتاع بمسيرتهن وحرياتهن الفردية؛ فتكوين أسرة هو شيء يمكنهن تحقيقه لاحقا، على عكس مسيرة مهنية بارزة.
تظل شركات التكنولوجيا الكبرى المستثمر الرئيسي في مشاريع ومختبرات تجميد البويضات لأنّ العاملات لديهن يتصدرن قائمة المستفيدات من مثل هذه الخدمات. وغني عن الذكر أنّ صناعة تحديد النسل وتجميد البويضات، هي قطاع صناعي ضخم غالبًا ما يظل بعيدًا عن الأضواء العامة والمساءلة. بصرف النظر عن الاستثمارات التي تتوافد عليه من الشركات الأخرى، تدر النساء المستفيدات من مثل هذه الخدمات دخلاً هائلاً على هذا القطاع.
وفي النهاية، نجد على أنّ الشركات الكبرى قد تمكنت من التحكّم في السيولة المالية لصالحها، إذ حافظت على تموضع الكرة في ربعها بشكل مباشر أو غير مباشر. وهذه حقيقة رأسمالية إذ إنّ الكرة لا تتدحرج خارج ملعب الرأسماليين.