"العنف والمرأة".... دور المرأة في الاحتجاجات (8)
الثامن من آذار أو اليوم العالمي للمرأة هو يومٌ لا يشبه الشارات الوردية التي نحملها ولا ألوان الزهر والبنفسجي. إنه ذكرى نضال شاق سعت من خلاله النساء منذ عام 1908 لمواجهة قيود المجتمع، إذ خرجت في هذا التاريخ أكثر من 15 ألف امرأة في مسيرة احتجاجية بشوارع مدينة نيويورك الأميركية، وطالبن بتقليل ساعات العمل وتحسين الأجور والحصول على حق التصويت في الانتخابات.
وبعد مرور ستة عقود تقريباً على خروج المرأة إلى الشارع لتطالب بحقوقها، يمكن القول إنّ الثامن من آذار ذكرى لمسار نضالي متواصل مع الأثر الكبير الذي أثبتته المرأة من خلال انخراطها في الحياة السياسية عبر مشاركتها في الاحتجاجات حيث دُمجت مطالبها بمطالب الحراك العام السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
انتفاضة نسائية عارمة اندلعت في إيران، بعد مقتل الشابة مهسا أميني في أيلول/سبتمبر من العام الماضي، هذه الانتفاضة رغم أنها مختلفة عن الحالات السياسية النسائية في موجة الحركات الاجتماعية الأخيرة منذ اندلاع الربيع العربي وحتى ثورة السودان 2019، إلا أنها تشكل نموذجاً لقدرة الحركة النسائية على إرباك الأنظمة السياسية وإثارة موجات احتجاجية تعمّ البلاد، وهذا ما حصل على الساحة الايرانية.
أما عربياً، فقد عانت المرأة العربية من التقييد والقمع وحصر دورها في المهام المنزلية والواجبات الزوجية، كما تنظر لها بعض المجتمعات. إلا أنّ أحداث السنوات الأخيرة سمحت للمرأة بالانتفاض على واقعها والخروج إلى النشاط السياسي وقيادة دور مؤثّر مجتمعياً حتّى باتت في استحقاقات عديدة أيقونة ثورية وصانعة للتغيير. فبرز مصطلح "كنداكة" على شابة وصفت بأيقونة الثورة في السودان بعدما انضمت في عام 2019 إلى عشرات الآلاف من الشبان، هاتفة ضد نظام عمر البشير. وتمّ استخدام المصطلح في إشارة إلى صمود المرأة وقدرتها على المواجهة وتحقيق الانتصار.
ومنذ عام 2010، وما إن انطلقت ثورات الربيع العربي حتى رأينا النساء يتصدرنَ مشاهدَ الاحتجاجات الشعبيَّة السلميَّة في المظاهرات والاعتصامات في الميادين، ففي تونس لعبت المرأة دورًا أساسيًّا في إنجاح ثورة الياسمين وإسقاط نظام بن علي، حيث شاركت بقوة في موجة الاحتجاجات. فاحتشدت كلّ من المدوّنات في الفضاء الرقمي والصحافيات والناشطات وطالبات الجامعات ونزلن جميعاً إلى الشارع للمطالبة بتغيير النظام وتحقيق الحرية. كما كانت المرأة أيضًا جزءًا أساسيًّا في ميدان التَّحرير في مصر، ولم تفارقه ناقلةً صوتها إلى العالم كلِّه، حيث اتَّحدت التَّوجُّهات الفكرية كلُّها واجتمعت على إرادة إسقاط النظام وكان الحضور النسوي جزءًا أساسيًا منها.
مشاركة المرأة في الاحتجاجات تشكل نموذجًا لقدرة الحركة النسائية على إرباك الأنظمة السياسية
وكان حضور المرأة العراقية في ثورة تشرين من عام 2019 علامة فارقة لكلّ المراقبين والمتابعين للشأن العراقي في كلّ دول العالم. شاهدنا صورًا لم نشهدها من قبل، لعبت فيها المرأة العراقية دورًا مصحوبًا بتحدّي كلّ الظروف الصعبة والترهيب الذي مارسته السلطة الحاكمة، وهي تسقط من عزمها بالترهيب والإشاعات والخطف والقتل والاعتداءات وتعمّد إلحاق الضرر بكلّ من يشتركن بهذا الحراك الذي سعى له الشعب من أجل التغيير وبناء الحياة على مستوى يليق بالإنسانية من جهة، وتمكين المرأة العراقية وتحريرها من بعض القيود المجتمعية التي تحكمها.
وبعد أن كان خروج المرأة في الجزائر إلى المظاهرات شيئًا محظورًا "مجتمعيًا" للخوف عليها، أصبح الرجل مصرًّا على أن ترافقه زوجته وأمه وأخته وابنته خلال الحراك الشعبي الذي شهدته البلاد في فبراير 2019، هو يصرخ في وجه الفساد فتزغرد هي بأنشودة الحرية. وأصرت الجزائريات منذ حراك فبراير/ شباط على الخروج في المسيرات السلمية، ليعبّرن أيضًا عن آرائهن السياسية، على اعتبار أنّ "الثورات لم تكن لتنجح في أي من تجاربها بالعالم لولا المرأة"، ففي كل المراحل التي مرّت بها المليونيات في الجزائر، كانت للنساء بصمة فيها.
تمكّنت المرأة في ميادين مختلفة بقوّتها وصلابتها وثقافتها من صناعة التغيير والتأثير في المجتمع الذي تعيش فيه بالرغم من كل القيود والنظرة المجتمعية إليها، لقد حطمتها في أماكن كثيرة وما زالت بصمودها وقوّتها وحضورها عنصرًا فاعلًا في تونس والعراق ومصر والجزائر وغيرها، إلى أن تنتج أنظمة تمنحها حقوقها وحقوق المجتمع من خلالها.