السودان ينزف... أين التفاعل الرقمي؟

26 مايو 2023
+ الخط -

انطلاقاً من مقولة غسان كنفاني: "إن الإنسان في نهاية الأمر هو قضية"، يمكن القول إنْ حقوق الإنسان تُشكّل اليوم القضية الأساس في هذا الوجود، وترتبط بالهوية الكونية لشخص الإنسان، فهي لا تتعلّق البتّة بالحدود السياسية وجغرافيات الدول، كما أنها ليست حكراً على جنسيات دون أخرى، بل هي تعبير عن الكائن الإنساني بتجلّيه الكوني خارج حدود أطياف الدولة ومتعلّقاتها. وهي تستند في الأساس إلى مبدأ المساواة بين جميع البشر والدفاع عن مظلوميتهم أينما وُجدوا.

إنّ ما يمرّ به السودان في الوقت الراهن من نزاع مسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع يُنذر بكارثة إنسانية واسعة، ترتبط بتفاقم الأزمات الاقتصادية والصحية والاجتماعية التي تشهدها البلاد، حتى قبْل اندلاع الصراع المسلح. فالوضع الإنساني في السودان وما حوله مأساوي، حيث هناك نقص في الغذاء والماء والوقود وأدنى متطلبات الحياة، كما باتت غالبية المستشفيات خارج الخدمة، في حين تواجه تلك التي لا تزال تعمل وضعاً "لا يمكن تحمّله" بسبب نقص التجهيزات.

وفي جانب آخر، متعلّق بالوضع الإنساني الصعب حسب تقديرات الأمم المتحدة، انتقل 75 ألف شخص إلى مناطق أخرى في السودان، وعَبَر 20 ألفاً على الأقل نحو تشاد، وستة آلاف نحو جمهورية أفريقيا الوسطى، وغيرهم إلى إثيوبيا وجنوب السودان. وكانت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أبدت خشيتها من أن تدفع المعارك إلى فرار ما يصل إلى 270 ألفاً نحو تشاد وجنوب السودان.

كما كشف مسؤول كبير في اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنّ اللاجئين السودانيين يتدفقون إلى تشاد بوتيرة سريعة جدًا، لدرجة يستحيل معها نقلهم جميعًا إلى أماكن أكثر أمانًا قبل بدء موسم الأمطار في أواخر يونيو/ حزيران، مشيرًا إلى خطر وقوع كارثة، خاصة أنّ النساء والأطفال يشكلون نحو 80% من اللاجئين، كما انفصل الكثير من هؤلاء الأطفال عن آبائهم أثناء فرارهم من إقليم دارفور، الذي امتدّ إليه العنف بين طرفي الصراع من العاصمة الخرطوم في الأسابيع الأخيرة، مع ورود تقارير تؤكد تعرّض عدد من اللاجئين الذين يفترشون الأرض للدغات الثعابين والعقارب.

نقص في الغذاء والماء والوقود وأدنى متطلبات الحياة، كما باتت غالبية المستشفيات خارج الخدمة

 

منذ بداية الصراع الدموي في السودان، لم يُلحظ التفاعل الجدّي والمسؤول على الشبكات الاجتماعية في الوطن العربي حول الأزمة الإنسانية التي تواجهها البلاد نتيجة الصراع الدائر، بالرغم من قساوة المشهد الإنساني هناك وحالات الاغتصاب والسرقة وانتهاكات حقوق الإنسان على كافة المستويات. كما لم نشهد حملات رقمية يُعتد بها لدعم الانسان في تلك البلاد، وإعلاء الصوت لمحاولة تشكيل رأي عام ضاغط يُحفّز الحكومات والجهات الضاغطة، عربياً ودولياً، للتدخّل في إيقاف حمام الدم من جهة، وإغاثة الشعب السوداني ودعمه من جهة أخرى.

المشهد مؤسف، ولا بدّ من تشكيل فعاليات رقمية للمناشدة الإنسانية، بدلاً من الغرق في الخطابات الكيدية والطائفية والعنصرية بين الشعوب والمناكفات هنا وهناك. المسؤولية الإنسانية تُحتّم علينا توظيف الساحة الرقمية للعمل الإنساني ودعم الانسان أينما كان.

وفي هذا السياق، ندعو المتفاعلين والمؤثرين الرقميين والصحافيين والناشطين لبدء حملات رقمية ونشر محتوى حول الوضع الإنساني في السودان، لعلّنا نتمكّن من دعم الشعب السوداني الطيّب الجريح، وإيصال صوته وآلامه إلى كلّ المحافل العربية والدولية.