الحلم العربي المشوّه
يبدو كلٌّ من بايدن وترامب ذاهبيْن بثقة نحو إعادة لجولة عام 2020 من الانتخابات الرئاسية الأميركية، فلا منافس لبايدن في حزبه، وهو الرئيس الحالي، وسجلت نيكي هيلي فشلا متتاليا فيما يبدو استمرارا لشعبية ترامب وقبولا واسعا لأسلوبه في الحكم في أوساط الجمهوريين، فقد عجز الحزب الجمهوري عن إنتاج نسخة مختلفة قادرة على الوقوف في وجهه غير هيلي، وهي نموذج ملتبس بخلفيتها الهندية، ولكونها امرأة فهي لا تطابِق الصورة الصلبة المطلوبة حالياً من رئيس الولايات المتحدة في المخيال الشعبي، مع أنها برهنت على أنها جمهورية تقليدية بانتمائها إلى ولاية كارولينا الجنوبية ذات الهوية الجمهورية منذ عام 1976. حققت بهذه الهوية نجاحاً محلياً وهزمت رجلا أبيض في الانتخابات النيابية عن ولايتها، ففازت بالولاية مرتين متتاليتين، قبل أن يختارها منافسها الحالي ترامب عام 2017 لتكون ممثلته في الأمم المتحدة. ولكن لم يبدُ أن لديها فائضا "جمهوريا" كافيا لتقف على قدم المنافسة أمام محافظ قارح ذي ميولٍ غريبة يستميل الشارع بشكل لافت.
تبقى التصفية النهائية بين ترامب وبايدن، حيث يرغب ترامب في أن يبرهن على أن فوز بايدن في عام 2020 لم يكن مستحقّا، وقد سرق منه مجدَه لتحقيق الولاية الثانية، وهو قادمٌ اليوم بزخم قوي، ولكن بالبضاعة ذاتها التي نجح معها في 2016 عندما هزم هيلاري كلينتون بفارق ضئيل، وأشيع حوله كلام عن علاقة غامضة مع روسيا، وأنها ساعدته بشكلٍ ما في الانتخابات. ومن جهته، جامل بالفعل الرئيس بوتين أكثر من مرّة، لكن ذلك لم يؤثّر على شعبيته وسط الجمهوريين، فيما ظهر أنه سبب في انقسام الأميركيين بشدة خلال عهده، ما حدا بمجموعة متطرفة جمهورية إلى احتلال مبنى الكونغرس بعد إعلان خسارته الانتخابات، ولحقت به تبعات قانونية، لم تكن كافية لإيقاف تقدّمه مرة أخرى إلى منافسة بايدن، الذي ظهر خلال سنوات حكمه تقليديا متمسكا بتراث الديمقراطيين، فعاقب روسيا لغزوها أوكرانيا من دون أن يحقق حسماً، ودعم إسرائيل بغير حدود في هجومها على غزّة، رغم نزول شعبيته، وعانى من وهن في أدائه الاقتصادي وضياع كاريزما الرئاسة، بعد عدة هفوات في التعبير وركاكة ارتكبها علناً.
ترامب انسحب من عدة معاهدات كان يعتبرها غير ذات عائد وتُلزم الولايات المتحدة بمصاريف كبيرة، كاليونيسكو، وأنهى مشاركته في الميثاق العالمي للهجرة، وفي اتفاقية باريس للمناخ، وانسحب من مجلس حقوق الإنسان
في انتخابات 2020، كان كلا الرجلين أصغر بأربع سنوات، وما زالا يحتفظان بمثابرة على المنافسة، وكلٌّ منهما يتمتع بخبرة سياسية. ترامب بسنواته الأربع السابقة في منصب الرئاسة، ويملك بايدن مثلها مع تاريخ طويل من الخدمة السياسية، توّجت بثماني سنوات نائبا لرئيس شاب. الفارق الأساسي كان في برنامج الرجلين؛ ترامب بنهج أصولي وغريب إلى حدّ ما، يرغب في الالتفات إلى أميركا، مع النظر إلى بقية العالم بوصفه مصدرا محتملا للدّخل، لذلك انتهج سياسة خاصة تجاه السعودية، وكان واضحا في تعامله المادي معها، كما انسحب من عدة معاهدات كان يعتبرها غير ذات عائد وتُلزم الولايات المتحدة بمصاريف كبيرة، كاليونيسكو، وأنهى مشاركته في الميثاق العالمي للهجرة، وفي اتفاقية باريس للمناخ، وانسحب من مجلس حقوق الإنسان، ووقّع على وثيقة الانسحاب من المعاهدة الدولية لتجارة الأسلحة التقليدية، ومن اتفاقية الأجواء المفتوحة مع روسيا ودول أخرى، وأعلن عن نهاية علاقة بلاده مع منظمة الصحة العالمية في أثناء أزمة كورونا. وأراد ترامب من كل تلك الانسحابات الكبيرة أن يثبت أنه لا يؤمن إلا بأميركا في المرتبة الأولى.
مجموع أعمار الرجلين الآن 158 عاما، واختبر الجمهور الأميركي كلاً منهما في الرئاسة مرّة، لكن الانتخابات المقبلة سترتكز غالباً على الميل الشخصي للناخب، وهناك ولاياتٌ معروفةٌ نتائجها سلفاً، فيبقى الرهان على بضع ولايات متأرجحة، نتيجةُ تصويتها مرهونةٌ بالحملة الانتخابية الجارية. لذلك، قد نشهد تصريحات مبتكرة يمارَس فيها التأثير النفسي والسلوكي، ونشاطات تركّز على طريقة ظهور كلا المرشّحيْن، والحظ سيكون حليف صاحب الحملة الأبرع.