التمكين... هل من عاقل يفهمنا ماذا تعني هذه الكلمة؟

30 نوفمبر 2017
+ الخط -
بدلاً من المضي قدماً في تنفيذ استحقاقات المصالحة التي هلل لها الشعب الفلسطيني وتفاءل بها في الثاني عشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فقد دب الخلاف بين الفرقاء على تعريف مصطلح التمكين وحقيقة دلالاته وكم تحقق منه منذ تاريخ التوقيع.

ولإن كانت حركة "حماس" تؤكد على تسليمها كل المقرات والوزارات لحكومة رامي الحمد الله، فإن الأخيرة تشكك في هذا الأمر، فيما ينبري قادة فتح للحديث عن أن جوهر المسألة يكمن في "التمكين" وليس التسليم.

ويحار المراقب في استيعاب قدرة حركة فتح على ابتكار مصطلحات جديدة وإدخالها إلى القاموس السياسي الفلسطيني، لكن نظرة على تاريخ الحركة تكشف قدرتها الإبداعية تاريخياً على توليد مثل هذه المصطلحات، فهي من أبدعت مصطلح "سلام الشجعان" وغيره من الأوصاف والمصطلحات التي دخلت على الفكر السياسي الفلسطيني في ليلة وضحاها، وارتبطت بالرغبة في تمرير مشاريع أو تبرير أخرى، واليوم يأتي مصطلح التمكين لتبرير التملّص من استحقاقات المصالحة، فلماذا تسعى فتح إلى التملّص؟ إذا كانت هي من قرر المضي قدماً في المصالحة؟ ولماذا تراجعت عقب أقل من شهرين من الاتفاق، ومن ضربها على يدها كما يقال لتوقيعه؟


يمكن فهم هذا التلكّؤ بالعودة إلى السياقات التي تم فيها إبرام الاتفاق، فلقد كان واضحاً أن قرار السلطة وحركة فتح بخصوص المضي قدماً في توقيع اتفاق المصالحة جاء تلبية لضغط خارجي، تمثّل تحديداً بالضغط المصري الذي أجبر كل الأطراف بتقديري على توقيع الاتفاق، وكان واضحاً أن واشنطن هي من طلبت من القاهرة إحداث اختراق في هذا الملف من شأنه أن يخلق نوعاً من التنفيس في المنطقة من جهة، ومن جهة أخرى يعبّد الطريق لعودة السلطة لقطاع غزة، تمهيداً للخطوة المقبلة وهي فرض حل دولي للقضية الفلسطينية قائم على ما يعرف بصفقة القرن وبالتالي، والحال هذه، فإنه يصح وصف سلوك القيادة الفلسطينية في مقاربتها مع المصالحة بـ "مجبر أخاك لا بطل"، فحركة فتح والرئيس عباس غير مقتنعين كما يبدو أصلاً بالمصالحة، ولكن الضغوط أجبرتهم على التوقيع.

إلا أن الضغط الأميركي الذي أجبر الطرفين على التوقيع، يقابله تشكيك إسرائيلي في جدواها وضغط على الرئيس عباس والسلطة لتلبية احتياجات إسرائيل الأمنية من هذه الاتفاقية قبل السماح بتنفيذ أي بند من بنودها، وهذا هو السبب الرئيسي بتقديري الذي يمنع السلطة الفلسطينية وحركة فتح من المضي قدماً فيها، وهو أمر لا تستطيع أو لا تريد فتح الحديث عنه صراحة، فيتم اللف والدوران حول قضية "التمكين" وأنها العقبة الرئيسة، فيما السبب الحقيقي هو وضع إسرائيل فيتو على إنجاز المصالحة، ورغبتها بتحقيق أهداف أمنية منها لا أكثر ولا أقل، وتحويل المصالحة وسيلة للتنسيق الأمني.

من جهة أخرى، تبدو حركة "حماس" أيضاً في وضع لا تحسد عليه، فالسيد يحيى السنوار الذي تعهّد "بدق رأس من يفسد المصالحة" يبدو أنه راهن على المجهول، فعلى الرغم من كل ما قدمه والشيك على بياض الذي وقّع عليه لم يحصد مقابله أي شيء يذكر وبات اليوم في مرمى سهام الانتقاد.

أخيراً، وفي ظل الحديث عن الدور المصري في المصالحة، لا يبدو مفهوماً كيف يمكن أن تلعب القاهرة دور الوسيط وترسل وفداً أمنياً ليقوم بدور القاضي والحكم، فيما هي ذاتها متورطة في إحكام الحصار على قطاع غزة برفضها فتح معبر رفح، فكيف يمكن أن تكون حكماً وجلّاداً في الوقت ذاته، هذه هي إحدى غرائب هذه المصالحة.
C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد أمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.