أعاجيب الانتخابات البرلمانية

01 يناير 2018
+ الخط -
في أواخر القرن العشرين كان ثمة رجل يدعى "عبدو مصطفى قيطانة". هذا الرجل كان يرشح نفسه لعضوية مجلس الشعب، ويسقط بجدارة، ثم تأتي الدورة التالية بعد أربع سنوات، فيرشح نفسه، ويسقط، وهكذا.

وكانت انتخابات مجلس الشعب تشكل مرتعاً خصباً للمزاح واللهو والتنكيت، وكان الناس يحملون في جيوبهم أقلام الفلوماستر ويتفننون في تشويه صور المرشحين، فيجعلون للمرشح الأصلع شعراً كثيفاً، وللمرشح الحليق شاربين يلعب عليهما النسر.

في إحدى المرات لصق "عبدو قيطانة" ما يزيد عن عشرة آلاف نسخة من صورته الشخصية على حيطان المدينة.. وعلى أعمدة الكهرباء والهاتف ومقويات الخليوي الذي احتكره بشار الأسد لنفسه بالاشتراك مع ابن خاله رامي مخلوف.


ولأن عبدو مصطفى قيطانة كان مشغولاً بحساب الأصوات التي يمكن أن يحصل عليها، والأصوات التي يمكن أن تُحْجَبَ عنه، والأضواء الخضراء التي يجب أن يحصل عليها من الجهات الأمنية والحزبية، والصناديق التي تأتي بعد الانتخابات وتسمى (الصناديق الجوالة) وتحتوي على ما يشبه بيضة القبان من الأصوات التي توضع في صحيفة الراسب فينجح، وتُحْجَبُ عن الناجح فيرسب،.. فقد عهد بتوزيع صوره "الديجتال" إلى مجموعة من الفتيان الداشرين في الشوارع والأزقة،.. وقد أخذ بعضُ أولئك الفتية المسألةَ على وجه الجِد فلصقوها، حيث يجب أن تُلصق في أماكن مناسبة ومحترمة، وأخذ بعضُهم الآخرُ المسألةَ على محمل الهزل فلصقوها على إشارات "ممنوع الاتجاه".. وعلى الصاج الخاص بالخبز بفليفلة والفطائر بزعتر، وعلى الدرَجات المائلة التي توضع على الأرصفة لكي تمرر من فوقها الموتوسيكلات، وعلى سحاحير البندورة والكوسا والقرع اليقطين الذي يسميه أهل اللاذقية (الخفيف)، ويقول أصحابُ الدعابة منهم في الدعاء: "يا لطيف تجعل الكوسا خفيف!"،.. وعلى أبواب الأماكن المخصصة للتبول في الكاراجات والاستراحات المنتشرة على الطرقات العامة!

وكان صاحبنا "عبدو مصطفى قيطانة" قد كتب في أعلى الصورة بالقلم الشنيار الأسود عبارة "انتخبوا مرشحكم المستقل عبدو مصطفى قيطانة"، وكتب تحت الصورة بالقلم الأخضر عبارة "أبو اصطيف"! ومما لا شك فيه أن لدى عبدو اعتقاداً جازماً بأن هذا التوضيح سيرفع نسبة الأصوات التي سيحصل عليها منا نحن ـ الناخبين ـ، وأن معدل أصواته سيتضاعف بعد أن أوضح للناخبين أنه أبو صطيف، فلو كان أبا محمود أو أبا عبد لما انتخبه أحد!

كنا، في أيام انتخابات مجلس الشعب، نرى الأعاجيب. ذات مرة قرأنا على لافتة قماشية دعاية لأحد المرشحين مقدمة من ذويه تنص بالحرف الواحد على ما يلي: الأسرة الفلانية تضع ولدها البار فلاناً الفلاني أمانة بين أيديكم! ومرة شاهدنا صورة لمرشح لا يوجد عليها أي وصف لمستواه التعليمي، أو إنجازاته الاجتماعية والسياسية، وقد كتب تحت الصورة عبارة: هذا أنا والحكم لكم!

تجدر الإشارة، أخيراً، إلى أن من ينجح في انتخابات مجلس الشعب هم الأشخاص الذين يرشحهم فرع المخابرات والحزب ضمن ما يسمى قائمة الجبهة، وأما الأشخاص الذين يرشحون أنفسهم فيصنفون في خانة الحمقى والمغفلين.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...