معتز نادر

أفكر في الأطفال كثيراً.. بالطريقة التي يفكرون بها ويتوقعون من خلالها حدوث الأشياء، أتمعن عفويتهم السليطة وإحساسهم بفرحهم وحزنهم، بمكرهم الخالي من جوهر العنف وغير الخالي من الأذية لكونهم بشراً..

يغيظني أن الإنسان محكوم بتاريخه البيئي وصدفته الجينية حتى لو كان محكوماً أيضاً بنزقه العظيم. أسأل نفسي عن البشري في الحياة؟ ما الذي يفعله بإرادته الكاملة للعالم ولنفسه؟!..

لماذا على عقل المرء أن يهتدي بأن المستقبل البشري سيكون على ما يرام بينما هو في الواقع كثير الشوائب والمحن والمآسي، لماذا كل هذه الثقة بسمو عقليتنا وبقدرتها على إيجاد خلاصها بينما تضمر أنفسنا تعقيداً لا مثيل له؟!

لا شك في أن الذات البشرية تنضوي على مئات الإرهاصات والحسابات السلوكية المبرمجة لغرض حماية الذات من أي انزياحات محتملة تؤدي لنهاية قاسية وغادرة غير محتملة.. نحن نتحدث هنا عن نزعة متأصلة للحماية والشعور بالأمان..

ليست فقط النتيجة المادية ما يقرر بداية الثورة ونهايتها، ولكن أيضاً النظرة المعنوية تساهم بهذا الأمر، تصديق أننا ما زلنا موجودين وأحياء إنما هذا يمثل حقيقة وواقع أيضاً يشبه حقيقة أن السلميين في الثورة السورية يعيشون حالة تهميش كبيرة.

نحن الجادون لا نعرف أن نأخذ الحياة من جانبها الخفيف السلس وبذات الوقت لا نندم كثيرا لكوننا جادين وجذريين، فنحاول التعامل مع أساس الفكرة، ولكن طلبنا للبهجة من خلال ذاك التعاطي ينضوي على مخاطرة ذاتية كبيرة وشديدة الإغراء..

من اللافت نوعاً ما أن تكون ثمة منظمات إنسانية في عالم إنساني محكوم من الإنسان، إذ إن المنطقي بالموضوع هو ألا يحتاج المجتمع الإنساني لمنظمات سِمتها الرئيسية أنها إنسانية تطالب بحقوق البشر، لأنه من المفترض أن تكون الحقوق موجودة مسبقاً..

عندما يقتل نظام دمشق أبناء شعبه من معارضيه كي يثبت لمؤيديه أنه وطني، أو لأنه أسقط طائرة لعدو، فإن هذا لا يعني أنه يدافع عن قضايا الشعب وإنما يعني أنه يدافع عن فكرته الديكتاتورية لقمع مؤيديه بصورة متزايدة..

هذا ليس عنوانا لعمل أدبي أو رواية مسرحية، أو مجرد تعبير رمزي عن حالة ظلم تراجيدية تقليدية يفرضها ظرف معين، "سورية تستشهد"، عبارة قالها البابا فرنسيس في ساحة القديس بطرس أمام الآلاف، مضيفا أن ما يحدث في سورية: "غير إنساني".

أظن أن في منطقة الشرق الأوسط تحديداً واستناداً للمخاض البشري السياسي الاجتماعي الثقافي الذي تعيشه دول المنطقة بأسرها يأخذ التفكير في البحث عن هوية العدل ومفهومه أبعاد تضرب جذورها في أخلاقيات وطبيعة التركيب النفسي لأبناء تلك المنطقة الممتلئة بؤساً..