الجزائر: 1.5 تريليون دولار على خطط زادت الفقر

27 أكتوبر 2014
الفقر سيد الموقف في الجزائر( ريزا/getty)
+ الخط -
منذ العام 2000 بدأت الجزائر تتعافى من معارك دموية خلّفت أكثر من 200 الف قتيل، وخسائر اقتصادية ناهزت الـ25 مليار دولار. ومنذ ذلك الحين، بدأ الاستقرار الأمني يعود تدريجاً، تزامناً مع تسجيل أسعار النفط ارتفاعاً محسوساً نتيجة الانعكاسات الاقتصادية والجيوسياسية النفطية العالمية. واقعُ مكّن البلاد من تحسين وضعها المالي لإعادة بناء اقتصاد يقوم على تفعيل الإنفاق الاجتماعي والتنموي، بالتزامن مع زيادة الاستثمار النفطي. إلا أن إنفاق مليارات الدولارات على خطط تنموية طوال 13 عاماً، لم يخفف من حدة البطالة التي تطال 1.151 مليون جزائري، وفق احصاءات الحكومة. والمشاريع الاجتماعية والاقتصادية لم تلغ وجود 7 ملايين أميّ، و10 ملايين فقير وفق تقرير للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الانسان في منتصف الشهر الحالي.

موازنات وارقام 

فقد انطلق أول مخطط لدعم الإنعاش الاقتصادي للفترة الممتدة بين عامي 2001 و2004. "القضاء على البطالة ورفع القدرة الشرائية للمواطن وتحسين البنى التحتية والخدمات العامة"، مشاريع تطلبت تغطية مالية أولية بكلفة 7 مليارات دولار. إلا أن هذا المبلغ ارتفع في نهاية مرحلة المخطط الى حوالي 16 مليار دولار.
بعد المخطط الأول، جاء البرنامج الخماسي التكميلي لدعم النمو لفترة 2005-2009. رُصد له ايضاً 114 مليار دولار، ليصبح المبلغ في نهاية الفترة حوالي 130 مليار دولار.
ثم تلاهما البرنامج الثالث، والذي سمي ببرنامج توطيد النمو الاقتصادي من 2010 الى 2014، خصصت له أكبر ميزانية وصلت الى 286 مليار دولار، من اجل تنويع الاقتصاد الجزائري وتحفيز الآلة الإنتاجية.
واليوم، تستعد الحكومة الجزائرية لإقرار مشروع البرنامج الخماسي للاستثمارات العمومية 2015 إلى 2019 الذي حددت مسودته المالية بمبلغ يزيد عن 262 مليار دولار.
وبقراءة بسيطة يتبين أن قيمة البرامج الاقتصادية الأربعة بلغت حدود 694 مليار دولار. وإذا ما أضيفت إليها قيمة الموازنات العامة للدولة منذ 2001 الى 2014، يكون حجم الكتلة المالية التي انفقتها الدولة خلال هذه الفترة حوالي 1.5 تريليون دولار. مبلغ ضخم جداً، لم ينجح بنقل اقتصاد الجزائر الى مرحلة النمو الاقتصادي والاجتماعي، خارج الإيرادات النفطية. مبلغ يمكنه إعادة إعمار بلد مثل سوريا 7.5 مرة، على اعتبار أن كلفة اعمار سورية تقدر اليوم بـ 200 مليار دولار.
ويعتبر أستاذ العلوم الاقتصادية في جامعة الجزائر الدكتور حمد حشماوي، أن الجزائر ضخت أموالاً ومبالغ ضخمة منذ 2001، لكنها لم تحقق كل الاهداف التنموية التي كانت مرجوة. ويشرح أن "العديد من المشاريع تم تنفيذها خلال هذه الفترة في جميع القطاعات، خاصة في قطاع الأشغال العمومية والخدمات والتربية وقطاع التعليم العالي، وقد حققت معدلات نمو متفاوتة. وبالنظر الى هذه الاموال المرصودة كان يمكن للجزائر ان تكون دولة صاعدة خلال هذه الفترة الا ان معدل نموها بقي متوسطاً بشكل عام في حدود 3.5% من الناتج الداخلي العام".
ويضيف حشماوي "هناك أسباب عديدة لعدم تحقيق الاهداف المرسومة من الخطط التنموية، أهمها ضعف إدارة هذه الأموال. كما أن المشاريع التي كانت محل انجاز خلال هذه الفترة كانت غير ناضجة وتفتقر لدراسات جدية ومعمقة. لا بل نجد أن بعض المشاريع لم تحقق حتى 1% من الأهداف، نتيجة التوقعات الخاطئة بشأنها".
أما الخبير الاقتصادي الدكتور فارس مسدور، فيقولل إن هذا المبلغ الضخم الذي خصص للبرامج التنموية لم يوجه بطريقة صحيحة. ويشرح "لو أنفق هذا المبلغ على تهيئة القاعدة الصناعية، لساهم في تطوير الاقتصاد".
ويضيف مسدور لـ "العربي الجديد": "ما زلنا نعتمد على 10 مليارات دولار كعائدات تصدير القطاع النفطي نوجهها في ما يسمى بالمشاريع الكبرى، كان يمكن ان نوجهها لتطوير الصناعات الصغيرة والمتوسطة. وبدلاً من أن يكون لدينا نحو 600 الف مؤسسة عقيمة انشئت بمختلف الهياكل الداعمة للاستثمار في بلادنا، كان يمكن ان يكون عندنا أكثر من مليون مؤسسة صغيرة ومتوسطة منتجة فعلاً وقادرة على منافسة المنتج الاجنبي".
ويشرح مسدور: "كان يفترض ان تخرج هذه الكتلة المالية الضخمة اقتصادنا من الدائرة المغلقة، لكن الإخفاق كان كبيراً على مستوى تطوير النسيج الصناعي وتطوير القطاع السياحي".
ويعتبر أن ما حدث هو نتيجة البيروقراطية والفساد الذي جعل الفواتير تتضخم الى حوالي أربعة أضعاف الكلفة الحقيقية في كثير من المشاريع. ويخلص مسدور إلى أن الجزائر بحاجة الى منظومة متكاملة لمحاربة الفساد، "وإلا فإننا سنبقى ندور في دوامة لا تنتهي أبداً".
المساهمون