روسيا: الكرملين يراهن على تهميش الدولار

15 فبراير 2015
لوحة أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الروبل الروسي(أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -


يراهن اقتصاديو الكرملين على الانتقال إلى العملات المحلية والاستغناء عن وساطة الدولار في التعاملات التجارية مع البلدان التي ترتبط معها روسيا بعلاقات اقتصادية وتجارية. مقابل ذلك، تشدد الولايات المتحدة وأوروبا عقوباتها على روسيا، ويدعو الأوروبيون إلى حرمان جارتهم الأوراسية من نظام سويفت المصرفي (المسؤول عن تسهيل المدفوعات الخارجية عبر المصارف)، الأمر الذي اعتبرته الإدارة الروسية بمثابة إعلان حرب على روسيا، وتوعدت

بردود قاسية في الاقتصاد وخارجه، فإلى أين تسير الأمور؟

إعلان حرب

تسعى السلطات الروسية إلى حماية مصارف البلاد من إمكانية تعرضها لمشاكل في حال حرمان روسيا من خدمة سويفت، علماً بأن البرلمان الأوروبي دعا دول الاتحاد الأوروبي في سبتمبر/أيلول 2014 إلى الاستعداد لعقوبات جديدة ضد روسيا بما فيها فصل روسيا عن نظام سويفت.

وقد نقل موقع "لينتا.رو"، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عن رئيس بنك التجارة الخارجي الروسي، أندريه كوستين، تعليقه على الدعوة الأوروبية، قائلاً: "حسب رأيي الشخصي، فإن إقرار مثل هذه العقوبات سيعني إعلان حرب".

فوفقاً له، القطاع المصرفي، هو القطاع الأكثر حساسية في الاقتصاد الروسي، كونه يقوم على الدولار واليورو.

وقد حذر كوستين بأنه سيكون على سفير الولايات المتحدة في روسيا مغادرة موسكو في اليوم نفسه الذي سيتم فيه فصل المصارف الروسية عن نظام سويفت.

كما نقلت صحيفة "فيدوموستي" الروسية تعليق رئيس الوزراء الروسي، ديمتري ميدفيديف، قبل أسبوعين، على مسألة فصل روسيا عن نظام سويفت، بالقول: "في حال اتخاذ مثل هذا القرار فإن ردة فعلنا الاقتصادية، بل ردة فعلنا عموما ستكون بلا حدود".

ومن الجدير بالذكر أن نظام سويفت يتيح بسهولة تبادل المعلومات بين المصارف: لمن يجب التحويل، والمبلغ المطلوب تحويله، وبالتالي إجراء العمليات المالية بين المصارف ببساطة ويسر بناء على رغبة الزبائن، ويضمن هذا النظام مراقبة الرسائل المالية وتدقيقها لتفادي الاحتيال.

وقد اكتسب نظام سويفت أهميته بسبب سهولة استخدامه في التعاملات بين المصارف، ويتراوح عدد المصارف التي تتعامل به بين 9 و10 آلاف مصرف في أكثر من 200 بلد، ولكل منها رمزه الخاص (عنوانه) في هذا النظام. فيكفي تحديد المرسل والمستقبل ليقدم النظام السلسلة الأقصر والأنسب لإجراء التحويل.

ويرى الاقتصاديون الروس أن فصل روسيا عن هذا النظام لا يعني توقف مصارفها عن إجراء معاملات مع المصارف الخارجية، إنما يعني أن الاتصالات وخطوط تبادل المعلومات وإجراء التحويل ستغدو أعقد وتستهلك وقتا أطول، وسينعكس ذلك على الاقتصاد الروسي سلبا، ولكن ليس بصورة قاتلة. فلماذا إذن ردة الفعل تلك من كوستين ومدفيديف؟

عدد هائل من المعاملات المصرفية يجري اليوم بوساطة الدولار أو اليورو، فنظام سويفت السهل يجبر الصين، مثلاً، على تحويل اليوان إلى الروبل عبر الدولار.

وقد سبق أن قُطع نظام سويفت عن إيران في إطار "العقوبات" ضد طهران، وعن ليبيا وسورية والعراق. واليوم تقوم إيران بسلوك طرق أخرى للتحويل، لكن العمليات محدودة جدا

وهناك كثير من عمليات التسديد يصعب إنجازها.

إلى ذلك، فروسيا اليوم من أكثر دول العالم استخداما لنظام سويفت، حيث ترسل عبره أكثر من 360 ألف رسالة في اليوم. وبالتالي، ففصل روسيا من هذه الخدمة وحرمانها من التحويل عبر العملات الاحتياطية سيسبب مشاكل كبيرة لمصارفها وقطاع الأعمال فيها.

ومن شأن هذا التهديد أن يجعلها تنتهج مع الصين سياسات أكثر عدوانية حيال الغرب لاستبعاد دور الدولار واليورو في تجارتها العالمية.

وفيما لو أتيح تجاوز نظام سويفت في التعاملات المصرفية فسيكون ممكناً إجراء تعاملات مباشرة بين البنوك بالعملات المحلية من دون وساطة الدولار، وذلك ما تطمح إليه روسيا مع عدد من الدول التي ضاقت ذرعاً بالغرب وأنظمته المالية التي تستخدم كأدوات لبسط السيطرة. ولذلك، فإن قطع نظام سويفت عن روسيا يمكن أن يتحول إلى محفّز جدي نحو خطوات أكثر فاعلية لتخليص المنظومة المالية العالمية من وساطة الدولار، مع كل ما ينطوي عليه ذلك من مغامرة، من غير المؤكد ما إذا كانت روسيا مستعدة لدفع ثمنها واقعياً.

كسر الدولار

ومن البدائل التي تعول عليها موسكو كثيراً لمواجهة هيمنة الدولار وسياسة العقوبات الغرب أطلسية، اللجوء إلى التعامل بالعملات المحلية بدل الدولار واليورو. وفي السياق، نقلت وكالة "ريا نوفوستي"، الأسبوع الماضي، تأكيد الرئيس فلاديمير بوتين، على استعداد روسيا لإجراء التعاملات التجارية مع مصر بالعملتين المحليتين (الروبل والجنيه)، حيث قال: "ألاحظ أننا بالفعل نستخدم العملات الوطنية في التجارة مع عدد من بلدان رابطة الدول المستقلة، والصين.

 وهذه الممارسة لها ما يبررها، ونحن مستعدون لتطبيقها في العلاقات مع مصر. والمسألة الآن تخضع للناقش على مستوى المؤسسات ذات الصلة عند كلا الجانبين".

ونقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن المدير التنفيذي لـ "دينيس بنك" التركي، هاكان آتش، قبل يومين، أن البنكين المركزيين، الروسي والتركي، يُعدّان للانتقال إلى التعامل بالعملتين المحليتين (الروبل والليرة التركية).

وقال آتش: "نحن مستعدون لفعل كل ما بوسعنا لتسهيل عملية الانتقال إلى التعامل بالعملتين

المحليتين. وهذا أمر ممكن تماما، ولكن القرار يجب أن يتخذه البنكان المركزيان في بلدينا".

وأفاد آتش بأن "دينيس بنك" لا يعاني اليوم أي مشاكل لكون ملكيته تعود بالكامل لمصرف التوفير الروسي "سبيربنك" المشمول بالعقوبات الأميركية. بل إن "دينيس" يوسع أعماله ويتطور.

ومن الجدير بالذكر، أن "سبيربنك" أتم صفقة شراء 99.85 بالمئة من "دينيس بنك" لدى شركة "ديكسيا"، مقابل 2.79 يورو، في سبتمبر/أيلول 2012. وتشمل الصفقة كل الشركات التابعة لـ "دينيس بنك" بما في ذلك فروعه في روسيا والنمسا والبحرين وقبرص.

علما بأن وزارة المالية الأمريكية فرضت قيودا، في سبتمبر/أيلول، 2014، على المصرف المذكور في إطار العقوبات على روسيا التي شملت "سبيربنك"، ثم ما لبثت أن رفعتها عن "دينيس بنك" بعد شهر من إقرارها.

فهل تنجح موسكو مع شركائها في تهميش دور الدولار وإيجاد منظومة تسديد بديلة تسحب بعضا من أوراق الهيمنة المالية الغربية على السياسات الاقتصادية وسواها؟

المساهمون