‫"إيبولا".. إيدز القرن الحادي والعشرين يصل أميركا

16 أكتوبر 2014
إجراءات في 5 مطارات أميركية (مارك رالستون/ فرانس برس)
+ الخط -
بعد الإعلان أمس عن الإصابة الثانية بفيروس "إيبولا" ضمن الفريق الطبي الذي كان يعالج توماس دانكن، أول مصاب بالإيبولا في الولايات المتحدة، والذي قتله المرض مؤخرا، ومع الاشتباه في إصابة الكثيرين. أصبح المرض يشغل المسئولين بالولايات المتحدة ويثير المخاوف لدى مواطنيها.
وفي هذا الخصوص يقول مدير المركز الأميركي للسيطرة على الأمراض (سي دي سي)، توم فريدن: "نعتقد أن مرض إيبولا، الذي يتفشى في غرب أفريقيا بصورة خاصة، هو أخطر وباء عرفه العالم منذ ظهور الأيدز (مرض نقص المناعة المكتسبة) في مطلع ثمانينيات القرن الماضي". ويضيف: "أمامنا معركة طويلة لمكافحته".

من جهتها تقول مديرة قسم العلاقات العامة في مركز السيطرة على الأمراض (سي دي سي)، باربرا رينولدز لـ "العربي الجديد": "لقد تساءل العالم بعد انتشار الأيدز، ما الذي كان يمكننا أن نفعله آنذاك كي نمنع انتشاره، ونمنع بالتالي تحوله إلى خطر عالمي. وعلينا اليوم أن ننظر إلى التصريحات بخصوص إيبولا، في السياق نفسه".
وتضيف: "لا نريد أن نقف بعد عقود، ونطرح الأسئلة نفسها، التي طرحناها حول الأيدز. ما زال أمامنا وقت، حتى في غرب أفريقيا، لكي نسيطر ونوقف انتشار إيبولا. هو أمر صعب لكن الأصعب والأخطر بكثير على السلام العالمي، أن نسمح للفيروس بتهديد السلامة الوطنية".

قلق من إصابات الممرضين
وكان جو من الحيرة والقلق قد ساد في الولايات المتحدة، عندما أعلن مسؤولون في مستشفى برسبتريان في ولاية تكساس، عن إصابة ممرضة تعمل هناك بفيروس "إيبولا". وبذلك تكون هذه هي الحالة الثانية المؤكدة في الولايات المتحدة، والأولى التي تحدث عن طريق العدوى على أراضيها.
وكانت الممرضة المصابة من الطاقم الذي اعتنى بتوماس دانكن، أول مريض أصيب بالمرض خارج الولايات المتحدة، وتوفي الأسبوع الماضي في مستشفى برسبتريان.


وبحسب المركز الأميركي للسيطرة على الأمراض (سي دي سي)، فإنّ "إحدى الطرق الرئيسية التي تنتقل العدوى عن طريقها، هي لمس جسد المريض المصاب والاحتكاك بسائل منه". ولم يتمكن المستشفى من إعطاء تفسير جازم عن كيفية انتقال العدوى للممرضة.
لكنّ فريدن، يقترح في تصريح صحافي له أنّ الممرضة ربما تكون قد لمست وجهها وعينيها بعد خلعها للبذلة الواقية، بطريقة غير صحيحة أو من دون القدر الكافي من الحذر. وأثارت هذه التصريحات حفيظة الكثير من الطواقم الطبية في الولايات المتحدة. كما طرحت تساؤلات جوهرية، حول مدى استعداد الطواقم الطبية في جميع المستشفيات لمواجهة انتشار الفيروس. وتطالب عدة جهات بحملات توعية أوسع، وأكثر شمولية، للطواقم الطبية.

في غضون ذلك، من المتوقع أن يعلن عن الإصابة بحالات جديدة داخل الولايات المتحدة. فعدد الذين يخضعون للمراقبة والفحص اليومي ممن عالجوا أو اتصلوا بدانكن، يتجاوز الخمسين.

وكان دانكن قد أصيب بالفيروس في بلده الأصلي ليبيريا. لكنّ إصابته بالمرض اكتشفت في
الولايات المتحدة بداية أكتوبر/ تشرين الأول الجاري. وتعرّضت المستشفى التي عولج فيها، قبل وفاته، لانتقادات شديدة. فقد توجه دانكن إليها، وأبلغ الممرضة المسؤولة أنّه كان في ليبيريا، لكن، ولسبب ما، لم يؤخذ الأمر بعين الاعتبار، وعمد الطبيب المعالج إلى تسريحه، بعد إعطائه مسكنات للألم ومضادات حيوية. وبعد أيام عاد دانكن مجدداً إلى المستشفى، وكان بحالة سيئة جداً، فقد ظهرت أعراض المرض عليه بشكل قاطع. فتمّ عزله في قسم خاص، وتوفي بعدها بأيام.

أما بخصوص الممرضة، فحال اكتشاف إصابتها ليل السبت الماضي، توجه فريق خاص من بلدية المدينة، إلى عنوان سكنها. وهناك قام بتعقيم البناية، وإخلاء الشقة التي تسكن فيها. كما عمد إلى تعقيم وعزل السيارة التي قادتها إلى المستشفى. وفي الحيّ وزعت فرق البلدية منشورات على السكان، من أجل توعيتهم، والتأكيد على الإستجابة لهم في الحالات الطارئة.

إجراءات استثنائية
من جهتها، بدأت خمسة مطارات مركزية في الولايات المتحدة، السبت، إجراء فحص لدرجة حرارة الركاب. وطلبت من المسافرين القادمين من دول غرب أفريقيا التي انتشر فيها الـ"إيبولا"، الإجابة على استمارة أسئلة في هذا الشأن.
ويرى المركز الأميركي للسيطرة على الأمراض (سي دي سي) أنّ الإجراءات المتبعة في هذا الصدد حالياً، كافية للوقاية. ويذكر، في هذا الإطار، أنّ معدل الذين يصلون يومياً من دول غرب أفريقيا إلى الولايات المتحدة، لا يفوق المائة وخمسين شخصاً، بحسب الإحصاءات الرسمية.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، قد صرح في أكثر من مناسبة أنّ إغلاق الحدود ووقف الطيران لن يؤدي إلى حل الأزمة، بل على العكس سيفاقمها. كما قال إنّه "يجب مد العون للسكان في تلك المناطق، بدلاً من عزلهم ومحاصرتهم".
أما الرئيس الأميركي باراك أوباما، فقد تعهد بإرسال أكثر من 3 آلاف جندي إلى ليبيريا والمناطق المتضررة. وقال إنّ الهدف من ذلك، المساعدة في بناء وتشكيل البنية التحتية، وتأمين الوقاية اللازمة، والحد من انتشار أكبر لفيروس "إيبولا".

كما تناولت الأمم المتحدة خلال اجتماعات الجمعية العامة، الشهر الماضي، في نيويورك، حزمة من الإجراءات بهدف الحد من انتشار "إيبولا". ومن بين الإجراءات زيادة الدعم المالي لمنظمة الصحة العالمية، التابعة للأمم المتحدة، ومكاتبها في غرب أفريقيا. وكذلك إعطاء المنظمة دورا رياديا في هذا المجال، بالإضافة إلى توحيد وتنسيق الجهود العالمية، وخطوات إضافية أخرى. يذكر أنّ ميزانية منظمة الصحة العالمية، شهدت تخفيضا كبيراً في السنوات الأخيرة.

من جانبهم، وجّه عدد من المتخصصين في الشأن الطبي والإغاثي، انتقاداتهم إلى الدول الغنية، ومن ضمنها الولايات المتحدة، في ما يخص تعاملها مع فيروس "إيبولا"، وردود الفعل البطيئة جداً على صعيد تقديم المساعدات.

ويرى البعض أنّ الزخم الإعلامي والمؤتمرات والتصريحات حول الموضوع، لا تترجم بالضرورة إلى خطوات حازمة وسريعة لاحتواء الفيروس والحد من انتشاره. وهو ما يهدد بازدياد عدد الإصابات بالمرض حول العالم، وبالتالي ازدياد عدد الوفيات فيه.
هذا وأعلن، حتى اليوم، عن إصابة أكثر من 8 آلاف شخص بالفيروس، ووفاة أكثر من 4 آلاف منهم. فيما تتركز معظم الحالات في دول غرب أفريقيا، وبخاصة ليبيريا وغينيا وسيراليون.
المساهمون