وللديمقراطية خداعها

03 فبراير 2015

بصمة في الانتخابات البرلمانية التونسية (23 أكتوبر/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -
يفترض في الديمقراطية أن تكون في صالح الأحزاب، نظراً لما توفره لها من شروط اكتساب القوة والشرعية، وإمكانية الوصول إلى السلطة بوسائل قانونية وسلمية. ولهذا، رحبت الأحزاب التونسية بالسقف العالي للحريات التي مكّنت الجميع من حقوق التنظيم والتعبير وممارسة كل أشكال التعبئة والتواصل، من أجل كسب الأغلبية، والوصول إلى البرلمان والرئاسة. وبفضل هذا المناخ الديمقراطي، تمكنت حركة النهضة من تجاوز الضعف الذي كانت تعاني منه.
كما منح هذا المناخ فرصة نادرة للباجي قايد السبسي لتأسيس حزب نداء تونس الذي استطاع، في مجال زمني قياسي، أن يعدّل من موازين القوى، ويصبح حزباً يحكم. كما أن الجبهة الشعبية التي لم تكن موجودة على الخارطة الحزبية، قبل ثلاث سنوات، أصبحت تعتبر القوة الثالثة الصاعدة سياسياً.
ويكتشف المتأمل في التجربة التونسية أن الديمقراطية يمكن، أيضاً، أن تتحول نقمة على الأحزاب، وتعرضها إلى مخاطر، ساحقة أحيانا. فالحزب الجمهوري كان يهيئ نفسه، بعد الثورة، لمهمة إدارة البلاد، فإذا به اليوم لا يملك سوى نائب وحيد في البرلمان. أما حزب التكتل من أجل العمل والحريات الذي كان أمينه العام يترأس المجلس الوطني التأسيسي، وشريكاً في حكومة الترويكا، فإذا بزلزال الانتخابات التشريعية يضعه خارج مجلس نواب الشعب.
اليوم، وبسبب تشكيل الحكومة، تعرضت الأحزاب الكبرى لهزات قوية، كادت تهدد تماسكها الداخلي. ويعتبر حزب نداء تونس مثالاً ساطعاً على ذلك. فالأسابيع الأخيرة كشفت عن حدة الاختلافات التي تشقه، والتي جعلته ينتج حكومة ميتة، فيضطر إلى الإحجام عن عرضها على التصويت، وأن يعيد حساباته. وفي الأثناء، بدا الحزب وكأنه بدون قيادة، تنسخ تصريحات مسؤوليه بعضها البعض. يتبادلون الاتهامات والتهديدات، ويقدمون لوسائل الإعلام معلومات متضاربة، ويتحدث بعضهم عن أن رئيس الجمهورية أصبح معزولا في القصر ومقطوع الصلة عن الحزب. كما تبين أن الحزب لا يملك مكتبا سياسياً، كما وقع ستون عضواً من الهيئة التأسيسية على عريضة وجهوها إلى رئيس الحزب، السبسي، يحتجون فيها على ما اعتبروه تهميشا لهم. وانقسمت الكوادر العليا في الحزب حول مشاركة حركة النهضة في الحكومة، بين من اعتبرها كارثة ومن وصفها من ضرورات تقتضيها مصلحة الحزب والبلاد، ما جعل كثيرين لا يستبعدون احتمال انقسام الحزب في المرحلة المقبلة.
يتعلق المثال الثاني بحركة النهضة التي بعد نجاحها الواسع عام 2011، تراجع حجمها مع نهاية 2014، وبدأت تخسر بعض كوادرها الوازنة، مثل حمادي الجبالي. ومنذ دخولها في مفاوضات عسيرة لتضمن مشاركة محدودة في الحكومة، ولو أن ذلك لن يعكس وزنها السياسي، والأخبار تتواتر عن أزمة تتفاقم داخل هياكلها الرئيسية، وبالأخص مجلس الشورى. وعلى الرغم من أن الحركة عرفت بتقاليدها المقدسة، خصوصاً بالنسبة لكتمان خلافاتها الداخلية، إلا أن الفترة الأخيرة دفعت بعض كوادرها إلى وسائل التواصل الاجتماعي، للتعبير عن نقد وتبليغ من انتخبوهم لمجلس الشورى بمعلومات يعتقد أنها لا تصل إلى القواعد، بسبب حجبها من القيادة. وبلغ الأمر بنائب رئيس الحركة، عبدالحميد الجلاصي، المسؤول السابق عن إدارة مختلف الانتخابات أن يستقيل من المكتب التنفيذي. وهذه الوضعية هي التي جعلت جزءاً واسعاً من قواعد "النهضة" تصوت بكثافة للمرشح السابق لرئاسة الجمهورية، المنصف المرزوقي، خلافاً لتعهدات القيادة، وهو ما جعل الأخيرة في حالة خوف من أن تفقد جزءاً من جمهورها.
الديمقراطية، خصوصاً في مرحلة التأسيس، ليست وادياً تسير مياهه في اتجاه واحد، بل هي حبلى بالمفاجآت، قد ترفع بعضهم في محطة، وقد يجد نفسه في قاع بئر في محطة أخرى. وما يخشى، حالياً، أن الخارطة الحزبية التي كشفت عنها الانتخابات الأخيرة قد تكون مؤقتة في انتظار موجة قادمة تعيد خلط الأوراق.
266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس