وسوى الروم

21 اغسطس 2020
(عمل للفنانة إيمان حرام)
+ الخط -

صارت وسائل التواصل، وهي نافذتك الوحيدة للشعور بالانتماء إلى هذا العالم، أو للإحساس بالحياة، كابوساً، ولا مهرب لك من أن تظلّ على اتصال بها؛ فـ كورونا تحاصرك من كل جانب، وما كان يُحسب أنه مجرّد مشوار في الزمن، يمكن أن يتخطّاه البشر، وأنت واحد منهم، قبل بضعة أشهر، استطال وازداد حضوره في المكان، ولا يبدو أنه قد يغادر في وقت قريب.

كورونا هنا في الداخل السوري خطر مضاعَف في ظل أرقام مرعبة تنشرها وسائل التواصل عن الموتى من جهة، وصمت مريب، وإعلانات "مطمئنة" تنشرها إدارات الدولة من جهة ثانية. وفي كل صباح، ستفتح إحدى تلك الوسائل، مرغَماً مكرَهاً، لأنَّ أحداً ما اتّصل بك وقال لك: هل سمعت؟ ولن يكون بوسعك إلّا أن تذهب إلى التلفزيون، أو إلى المواقع الإخبارية أو إلى الفيسبوك أو غيره. لا تستطيع أن تبقى بلا معرفة أو اطّلاع لأن الزمن ليس في مصلحتك. أو لأنك لا تعلم متى يمكن أن ينتهي الحصار الذي كان عزلة يُعتقد أنها عابرة.

تسمع ما طُلب منك أن تسمعه: ثمّة دولة عربية جديدة تعقد صلحاً مع "إسرائيل".

"كان بن غوريون ينصح السياسيّين الإسرائيليّين بعدم الإشارة إلى حدود الدولة الصهيونية، لأن الجيش الإسرائيلي وحده هو الذي سيعين الحدود". وقد بدأ بنفسه تطبيق هذا المبدأ إمّا باجتياح ما استطاع اجتياحه من الأراضي الفلسطينية، أو باتباع سياسة قضم الأراضي واحدةً بعد أُخرى فيما بعد. هذا ما يسمّونه اليوم سياسة الضمّ، بعد أن اختار الإعلام العربي هذه المفردة الخفيفة بدلاً من مفردة القضم التي تتضمّن حرف القاف الثقيل. وهي مفردة تمكّن السياسي من استخدامها بسهولة، دون أن يشعر القارئ أو السامع أو المشاهد بالذعر. تأجيل عملية الضم، والحقيقة هي أن الإسرائيلي مستمر بعمليات، لا عملية، القضم. بلدة بعد أُخرى، أرضاً بعد أرض، شبراً وراء شبر، يقضم الجيش الإسرائيلي، المكلَّف من قبل بن غوريون ترسيم الحدود، الأراضي الفلسطينية. 

ليس لك غير العالم الافتراضي لجمع التواقيع وإعلان المواقف

وفي عام 1970 صرّح مؤسّس الدولة الصهيونية نفسه بأن أسوأ ما يمكن أن يفاجئه به العرب هو: أن يوافقوا على عقد الصلح. ولكن التاريخ كذّبه هذه المرّة، وكان سلاحه ـ سلاح التاريخ في التكذيب ـ العرب أنفسهم، بل قادة العرب كي لا نظلم هذه الأُمّة التي لم تعُد تعرف من أين تأتيها المصائب والنكبات، حيث لم يوافقوا على عقد الصلح، بل كانوا هم، لا ننسى أنور السادات طبعاً، الذين عرضوا على "إسرائيل" عقد الصلح.

تسمع النبأ، وتستعيد التاريخ، كم مرّةً سمعتَ مثل هذا الخبر في حياتك؟ لم يكن كورونا موجوداً في المرّات السابقة حين عقدت دول عربية أخرى "صلحاً" مع "إسرائيل"، وكان بالوسع أن تعثر على من يمكن أن يساهم في التضامن معك، في العالم الواقعي، غير أن كورونا يحرمك اليوم ذلك، وليس لك أو للعربي أو الفلسطيني غير العالم الافتراضي لجمع التواقيع وإعلان المواقف، ولسان الحال يردّد: "وسوى الروم خلف ظهرك روم".

موقف
التحديثات الحية
المساهمون