وداعة فرانكشتاين

28 يوليو 2015
(نور بهجت المصري/ سوربة)
+ الخط -

هل سألنا يوماً ما هي مواصفات "الوحش"؟ إذ كثيراً ما تُصوّر الوحوش في هيآت مخيفة، أي يكفي أن تتخيّل أبشع صورة ممكنة كأن تكون على هيأة مسوخ بلا ملامح آدمية أو بوجوه مشوّهة تبثّ الرعب في النفوس. لكن هل مازالت الوحوش وفيّة لهذه الصورة؟

لقد حدث تحوّل في تصوّر "الوحش" في المخيال المعاصر، ويكفي أن نقتفي آثار الوحوش في السينما الغربية لنلمس ذلك التحوّل؛ فأفلام مثل:"فرانكشتاين"، و"دراكولا"، و"سويسايد سكوايد" (الذي سيظهر عام 2016) وسلسلة "بيني دريدفول" قد صاغت تصوّراً مختلفاً لما هو "وحش"، ومكمن هذا التحوّل هو تبدّل الأدوار بين الوحش والإنسان.

أن تكون وحشاً اليوم ليس أن تكون مشوّه الوجه أو مصاصاً للدماء يعيش في الأماكن المظلمة ويقتات من دماء ضحاياه، بل أن تكون ببساطة بشرياً كامل المواصفات.

في سلسلة "بيني دريدفول"، قال الخادم الأسود للشاب الأمريكي المستذئب: "لقد اكتشفتُ الحب في قلوب الوحوش"، وهذا فعلاً ما تصوّره السلسلة المثيرة التي جمعت كل شخصيات فانطازيا الرعب في عمل درامي واحد. سنكتشف أن الوحوش -أو ما يبدو أنهم وحوش- والتي كانت تبث الرعب في نفوسنا أصبحت أكثر إنسانية، بل على العكس تماماً، نجد أنّ البشر العاديين هم الذين يخفون وحوشاً ضارية في أعماقهم.

وليس غريباً إذن أن نجد فرانكشتاين عاشقاً للشعر، وقارئاً له، يتدفّق قلبه عشقاً لفتاة عمياء اكتشف في الأخير أنها خدعته فأودعته داخل زنزانة مظلمة ليكون فرجة للزائرين لمتحف والدها صانع المجسّمات الشمعية المخيفة. في حين نجد بشراً بقلوب قاسية، همها الوحيد جمع الثروة بأي ثمن.لقد انقلبت موازين الخوف، أصبحت الفتاة العمياء صاحبة الملامح الرقيقة والعيون الزرقاء هي من يخيف فرانكشتاين؟

إنّ هذا التحوّل في تمثيل صورة الوحش في الأعمال الفنية يعني تحوّلاً في فهمنا للشر، والسبب تبدّل للمواقع بين الوحشي والبشري، فليس هناك شر مطلق ولا خير مطلق، لا جمال مطلق ولا قبح مطلق، وبفعل نظام اجتماعي قائم على الجشع والمصلحة والمنافسة غير الشريفة والفردانية والحقد والحسد تبدّلت القيم بين عشية وضحاها.

صار الإنسان هو المرعب، حتى دون أن يكون بملامح فرانكشتاين أو دراكولا أو كازيمودو، أو دون أن يخرج على الناس في هيئة مسخ مستذئب، لأنّ أكثر الوجوه إثارة للخوف هي تلك التي تخفي الوحوش التي في داخلها، مثل الفتى "دوران غراي" البهي الذي أخفى الوحش الذي في داخله في لوحة زيتية هو وحده من يعرف مكانها.

المساهمون