بعد توقيع اتفاق خاص حول الدعم المعنوي للمرضى ومرافقيهم، بدأت إدارة الشؤون الدينية التابعة لرئاسة الوزراء التركية بالتعاون مع وزارة الصحة بتقديم تلك الخدمات في عدد من المدن التركية الكبرى.
هذا البروتوكول الذي وُقّع في يناير/ كانون الثاني الماضي، والذي بدأ العمل به في فترة تجريبية قبل نحو تسعة أشهر من اليوم، يمثّل استكمالاً للدور المتنامي لإدارة الشؤون الدينية في المجتمع عبر المؤسسات الحكومية. يأتي ذلك من خلال "مشروع الخدمات الدينية ذات المحتوى الاجتماعي" الذي بدأ بتقديم خدمات الدعم المعنوي والإرشاد الديني إلى الراغبين في السجون بالتعاون مع وزارة العدل، وفي دور الأيتام ودور العجزة بالتعاون مع وزارة العائلة والسياسات الاجتماعية، وكذلك من خلال عدد من المشاريع بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة.
خلال الفترة التجريبية، تولى مهام تقديم خدمات الدعم المعنوي عشرون موظفاً من إدارة الشؤون الدينية، حاصلين على شهادات ماجستير ودكتوراه في اختصاصات مختلفة، منها علم النفس الديني والتعليم الديني وعلم الاجتماع الديني والتوجيه والإرشاد الديني. يُذكر أنّ هؤلاء لم يباشروا عملهم في المستشفيات إلا بعد تلقي مائتي ساعة من التدريبات على مدى خمسة أشهر.
نهال إيشبيلان (32 عاماً) من العاملات في مجال تقديم الدعم المعنوي، توضح أنّ ما تقوم به ليس بديلاً عن دور المتخصصين في علم النفس أو الطبّ النفسي أو حتى العاملين في مجال الخدمات الاجتماعية. وتقول معلمة القرآن الحاصلة على شهادة ماجستير في علم النفس الديني، "نقدّم الخدمات بناءً على رغبة المريض أو ذويه، ومهمتنا الأساسية هي إنشاء جسر بين المعتقد الديني والشخص وليس القيام بعمليات تشخيص أو وصف أدوية. نحن نعمل على مساعدة المريض في لحظات الألم والخوف، وكذلك على تغيير الإدراك السلبي للمرض ليتحوّل إدراكاً إيجابياً. مهمتنا ألا ندع المريض يشعر بالوحدة، فنعمل على الاعتناء به ونسعى إلى أن نصبح أشخاصاً يثق بهم ويفتح لهم قلبه".
عن الطرق المعتمدة لتقديم الدعم المعنوي، تقول إيشبيلان التي تعمل اليوم في "مستشفى باشاك شهير" الحكومي في إسطنبول، "نستخدم الطرق الدينية المساندة مثل ممارسة الدعاء والتوكّل على الله وكذلك التفكر في خلقه. على سبيل المثال، كان لدي مريض تعرّض لحادث سير وفقد ابنته. لم يكن يقوى على التواصل إلا عبر تحريك كفَّيه. لمواجهة الاكتئاب الذي كان يعاني منه، عملت على إعادة ربطه بالحياة عبر تذكيره بابنته الثانية والحديث المستمر عنها وعن حاجتها إلى وجوده، واخترت العمل معه عبر قراءة فصول من كتاب المثنوي لجلال الدين الرومي". تضيف: "كتاب المثنوي هو كتاب صوفي يخاطب الإنسان بغضّ النظر عن دينه أو انتمائه. كذلك، نستخدم أمثلة من القصص القرآنية، عبر ربطها بحال المريض لتقويته، وتختلف الأمور بين مريض وآخر. أحياناً، نقرأ له كتباً ونتناقش معه، فالدين ليس مرجعيتنا الوحيدة في العمل. نحن نقدّم خدماتنا أيضاً إلى الملحدين واللادينيين والمسيحيين من دون أي تمييز. دائماً، ثمّة نقطة مشتركة ننطلق منها. لا دين للمريض. بالنسبة إلينا المريض هو إنسان يحتاج إلى المساعدة".
محمد ألتن (67 عاماً) من الذين تلقوا الدعم المعنوي أثناء مكوثه في العناية المركزة بسبب قصور رئوي وكذلك كلوي. كان يعاني من اكتئاب شديد بعدما توفيت زوجته. يقول: "بعد وفاتها شعرت بأنني فقدت كلّ شيء. لم أعد قادراً على إصلاح نفسي. أدعو الله ألا يخبر أحد ما عرفته". يضيف: "عشنا معاً 47 عاماً. كنّا كالأطفال، ولم يكن لي أحد غيرها. أحياناً، كنت أفكّر بأنني لن أتمكّن من لقياها مجدداً، فأشعر بحزن شديد. لم يبقَ لي الكثير لأحياه، ولا أحد يستطيع ملء الفراغ الذي تركته زوجتي". ويتابع أنّ "سؤالاً كان يخطر لي بإلحاح، دائماً. هل سوف ألتقي زوجتي في العالم الآخر؟ وقد ساعدني على تجاوز الأمر حديثي مع الإخوة في الدعم المعنوي. أخبروني أنني سوف أفعل، بحسب ديننا. وعلمت بأنّ فراقنا هذا هو فراق مؤقت، الأمر الذي ساعدني كثيراً".
من جهته، يعمل صباح الدين كايغوسوز (46 عاماً) في وحدة الدعم المعنوي. هو حاصل على شهادة ماجستير في التعليم الديني من جامعة مرمرة، وقد كان على مدى 26 عاماً إماماً وخطيباً في تركيا وكذلك في أوروبا. لكن بعد ممارسة هذا العمل، تحوّل من متحدّث إلى مستمع. يقول: "قبل كلّ شيء، نعمل على تحديد احتياجات المريض ونضع استراتيجية للتعامل معه، سواء عبر استخدام الدين أو عبر علم النفس، فذلك يتغيّر بحسب الظروف". يضيف: "أيضاً، نقدّم الدعم إلى ذويه الذين يعانون من متلازمة الاحتراق النفسي، نتيجة القلق والضغوطات النفسية على خلفيّة مرافقتهم مريضهم في المستشفى".
في السياق، يشير الطبيب عبد الله ولي أوغلو وهو مسؤول وحدة الدعم المعنوي، إلى أنّها استطاعت تقديم خدمات مهمة خلال الفترة التجريبية. ويوضح أنّ "العاملين في الوحدة تعاملوا خلال الفترة الماضية مع أكثر من 450 مريضاً بكفاءة عالية تجاوزت توقعاتنا. فقد بذلوا جهداً كبيراً لمساعدة المرضى، بالتعاون مع الممرضات والأطباء".
أمّا البروفسور إحسان بكر وهو رئيس اتحاد المستشفيات الحكومية في منطقة جكمجة في إسطنبول، فشدّد على أهمية عمل وحدة الدعم المعنوي، قائلاً إنّ "منظمة الصحة العالمية تعترف بحقّ المريض في تلقّي الدعم الديني والمساعدة في أداء واجباته الدينية. ونحن نقدّم للمرضى خدمة العلاح وكذلك خدمة الدعم النفسي وأيضاً خدمة الدعم المعنوي الديني. وقد ساهمت وحدة الدعم المعنوي في التخفيف عن المرضى وذويهم، وهذا أمر في غاية الأهمية لجهة نجاح العلاج". يضيف أنّ "بحسب الأبحاث العلمية، المرضى الذين يدخلون غرفة العمليات بمعنويات عالية، يقلّ تعرضهم لمضاعفات ما بعد العمل الجراحي".