وجوهنا على الأرصفة

05 اغسطس 2015
رسّامو الرصيف (Getty)
+ الخط -
هل نرغب أو نحلم أن يجعلنا الرسّام أجمل من حقيقتنا؟ أم أننا نتباهى أمام أنفسنا بقيمة جديدة تضيفها أصابع هذا المبدع إلينا؟ أم هي حاجتنا لأن ينتقل جزء من أرواحنا إلى اللوحة مع ملامحنا؟ وأن ينتقل جزء من روح المبدع ونظرته إلينا؟ فنحن نعرف أنّ اللوحة هي ملامح حيّة أما الكاميرا فهي، رغم دقّتها المذهلة، آلة خرساء وعمياء؟ لكنّ السؤال الأهمّ: "هل نقبل وبكلّ حبّ ورضا أن ندفع لهذه الأصابع المغمورة ثمن أرواحنا وروحها التي ستنقلها إلى اللوحة؟ أم أنّنا كعادتنا لا ندفع إلا للاسم المشهور مثلما لا ندفع إلا للماركة المشهورة؟".

رسامو الشوارع نعبرهم ولا نعرف عنهم شيئاً، أما هم فيعرفوننا جيّداً حين يقرأون ملامحنا التي ينقلونها إلى الورق بقلم فحم؟ يرسموننا ويحرّرون أحلامنا لكنّ أرواحهم هم تبقى صامتة في داخلهم، حبيسة أحلام كانت كبيرة جدّاً على مقاس الحياة. يجلسون على الرصيف، بعضهم يحمل معه مرسمه الخشبي الصغير والقليل من ألوان الباستيل الرخيصة وبعضهم يكتفي بورق الكانسون وقلم الفحم. منهم من يرسم لك المدينة بالأبيض والأسود لتشتري، أنت السائح، لوحة تضفي على الأيام التي قضيتها طعم الخلود، ومنهم من يرسم لوحات بتشكيلات مدهشة ومختلفة كان يحلم يوماً أن يعرضها في أهمّ معارض العالم. إذ كان يرى نفسه طالباً يدرس الفنون الجميلة وبعدها رساماً شهيراً، لكنّ الحياة كعادتها تخون أحلام الفقراء والبسطاء.

شباب أو كبار في السنّ هم، يعملون بصمت على هامش الحياة. يسكنون الأرصفة لساعات طويلة طامعين فقط أن تستطيع أصابعهم الموهوبة تقديم ما يكفي لأجسادهم كي تكمل هذه الطريق الوعرة.

اقرأ أيضاً: جسور الحبّ: رشوة القدر؟ أم شراء الأمل؟


يأتي إليهم العاشق و معه صورة عشيقته فيطلب من أحدهم إعادة رسمها كي يقدم لها شيئاً فريداً غير الصورة. شيء مثل الحب يجعلها ترى نفسها أجمل. وقد يأتي إليهم الطفل يمسك يد والدته ويجلس قبالة الرسام حالماً أن يستطيع هذا الفنان نقل الفرح والأحلام التي تعيش في ملامحه إلى الورق. أما المرأة فتأتيهم كي يضيفوا إلى ملامحها بعضاً من جمال كاد يجفّ.

جزء كبير منهم تعلم الرسم بمفرده إذ لم يمتلك يوماً القدرة وربما الأهل كي يدخلوه المدارس والجامعات. وبعضهم حاول ارتياد بعض المعاهد عوضاً عن حلم الجامعة و كلية الفنون. وهناك القليل منهم خرّيج جامعيّ لكن لا يمتلك ثمن العلاقات والمعارف التي تجعله يدخل عالم الفنّ دون مواربة. لذا لا مكان له غير هذه الأرصفة ليمضي عليها حياته ويبيعها مثل لوحاته بسعر أقلّ بكثير مما تستحقّ.

التاريخ أيضاً يذكر أسماء كانت ترسم يوماً على الأرصفة ثم أصبحت علامة من علامات الفنّ. فالرسام الإسباني، ابن مدينة اشبيليا، الشهير موريللو، الذي بقي يرسم البورتريهات السريعة أكثر من ثلاث سنوات ويبيعها في سوق اشبيليا إلى جانب الخضر والفواكه الرخيصة والخردوات المستعملة، وبعد تعب طويل، بات أشهر رسام في إشبيليا ويقف تمثاله الآن في بابها متحدّياً الرصيف حيث تسوّل ثمن لوحاته.

الرصيف درّب يده وأعطاه قدرة مميزة على رسم الحركة في الوجوه وعلى نقل تفاصيل معاناة أصحابها، بحسب قوله لاحقاً.

اقرأ أيضاً: متحف البرادو.. دهشة الألوان والظل تختصر تاريخ الفن
دلالات
المساهمون