06 نوفمبر 2024
وثائق قضية فلسطين
أمضيت الأسبوع الأخير في قراءة معظم صفحات المجموعة الأولى من "الوثائق الرئيسية في قضية فلسطين من أرشيف الأمانة العامة للجامعة العربية" التي أعادت مؤسسة الدراسات الفلسطينية (بيروت) إصدارها هذا العام، وصدّرتها بتقديمٍ ضافٍ كتبه المؤرخ وليد الخالدي، وقد أعدّ الوثائق وأشرف على تحريرها المحامي والمناضل السياسي الفلسطيني أمين عقل. وتغطي هذه المجموعة الفترة ما بين الأعوام 1915- 1946. وهي كما يؤكد الزميل صقر أبو فخر "أخطر مراحل التاريخ الفلسطيني والعربي".
كان الدافع المباشر لهذه القراءة، هنا والآن، تواتر مقالات في عدة وسائل إعلام إسرائيلية في مناسبة حلول ذكرى ثورة البراق أو "أحداث 1929" التي نجمت، وفقًا لمقدمة الخالدي، عقب انفجار الوضع في مدينة القدس، في إثر تظاهرةٍ استعراضيةٍ، قامت بها وحدات من مليشيا يمينية صهيونية أمام حائط البراق، وهو السور الخارجي الغربي للحرم القدسي الشريف الذي يعتبره اليهود جزءًا من الحائط الذي كان، في نظرهم، يحيط بهيكلهم (حائط المبكى). وأثارت التظاهرة المخاوف، فوقعت صداماتٌ عنيفةٌ أدّت إلى مقتل عشرات اليهود على أيدي العرب، وإلى مقتل عشرات العرب على أيدي السلطة البريطانية.
و"أعادت" معظم تلك المقالات الإسرائيلية إلى الأذهان أن تلك الأحداث كانت بمثابة "برهان على أن العرب لا يميّزون بين صهيونيين وغير صهيونيين، وكل هدفهم هو قتل اليهود ليس إلا"، وهي نزعةٌ متأصلةُ ما تزال مستمرة، وفيها أيضًا ما يفسّر وقائع كثيرة تشهدها فلسطين ومنطقة الشرق الأوسط عمومًا خلال الأعوام الأخيرة.
في مجموعة الوثائق التي بين أيدينا يتم التطرّق إلى تلك الأحداث، من خلال أكثر من وثيقة. أولى هذه الوثائق خلاصة توصيات "لجنة شو" البرلمانية البريطانية التي تقصّت وقائع أحداث 1929، وأذيع تقريرها في مارس/ آذار 1930، والملحقة بالوثيقة رقم 29 ("الكتاب الأبيض الذي أصدره وزير المستعمرات البريطانية مستر تشرتشل في يونيو/ حزيران 1922"). وكان جلّ هذه التوصيات لصالح العرب، حيث وردت، في سياقها، الدعوة إلى مراقبة الهجرة اليهودية المنفلتة إلى فلسطين، ووضع حدّ لوقف إجلاء المزارعين الفلاحين العرب عن الأراضي التي يزرعونها.
وفيها فقرة تقول: "... ونحن نعتقد أن مشاكل الحكومة [البريطانية] تزيدها خطورة حالة الاستياء التي يشعر بها العرب من جرّاء عجزهم على الدوام عن الحصول على درجةٍ من درجات الحكم الذاتي".
وتُضاف إلى هذه التوصيات وثيقتان (تحملان رقمي 30 و31). تؤكد الأولى عزم بريطانيا على صيانة ما تسميها "مصالح الطوائف غير اليهودية في فلسطين"، وتشمل الثانية "الكتاب الأبيض لسنة 1930"، والذي أكد الخالدي أنه رجّح الكفة العربية على الكفة الصهيونية في كل ما يتعلق بنظرة لندن نحو فلسطين، ولو من حيث جعل الكفتين متساويتين فحسب.
بطبيعة الحال، ثمّة أهمية بالغة، وقد تكون أخطر، لوثائق لاحقة في هذه المجموعة تظهر انقلاب بريطانيا على مواقفها التي جاءت لصالح العرب مباشرةً بعد ثورة البراق، وانحيازها للحركة الصهيونية منذ عام 1930 فصاعدًا. لكن، في الوقت عينه، ليس في هذه الوثائق ما يلغي كل الذي سبقها من وقائع وبينات.
لا بُدّ من أن نشير، بالاستناد إلى وثائق أخرى، إلى أن ثورة البراق التي عدّتها تعليقات إسرائيلية مكرورة "إثباتًا" على تعطش العرب لدم اليهود لمجرّد كونهم كذلك، جعلت المؤرخ اليهودي هانس كوهن (1891- 1971)، وهو أول سكرتير لرابطة "بريت شالوم (تحالف السلام)" التي نشطت داخل الحركة الصهيونية، وتبنت المقاربة ثنائية القومية لحل قضية فلسطين، يؤكد أن طريق الصهيونية كلّها خاطئة.
وكانت هذه الثورة، وخصوصًا ردة الفعل من الحركة الصهيونية وبريطانيا عليها، السبب المباشر وراء استقالة كوهن من الحركة الصهيونية، معللًا ذلك بأن تطبيق الصهيونية لا يمكن إلا أن يكون مقرونًا بممارساتٍ أقل ما يُقال فيها إنها مرفوضةٌ من ناحية أخلاقية.
كان الدافع المباشر لهذه القراءة، هنا والآن، تواتر مقالات في عدة وسائل إعلام إسرائيلية في مناسبة حلول ذكرى ثورة البراق أو "أحداث 1929" التي نجمت، وفقًا لمقدمة الخالدي، عقب انفجار الوضع في مدينة القدس، في إثر تظاهرةٍ استعراضيةٍ، قامت بها وحدات من مليشيا يمينية صهيونية أمام حائط البراق، وهو السور الخارجي الغربي للحرم القدسي الشريف الذي يعتبره اليهود جزءًا من الحائط الذي كان، في نظرهم، يحيط بهيكلهم (حائط المبكى). وأثارت التظاهرة المخاوف، فوقعت صداماتٌ عنيفةٌ أدّت إلى مقتل عشرات اليهود على أيدي العرب، وإلى مقتل عشرات العرب على أيدي السلطة البريطانية.
و"أعادت" معظم تلك المقالات الإسرائيلية إلى الأذهان أن تلك الأحداث كانت بمثابة "برهان على أن العرب لا يميّزون بين صهيونيين وغير صهيونيين، وكل هدفهم هو قتل اليهود ليس إلا"، وهي نزعةٌ متأصلةُ ما تزال مستمرة، وفيها أيضًا ما يفسّر وقائع كثيرة تشهدها فلسطين ومنطقة الشرق الأوسط عمومًا خلال الأعوام الأخيرة.
في مجموعة الوثائق التي بين أيدينا يتم التطرّق إلى تلك الأحداث، من خلال أكثر من وثيقة. أولى هذه الوثائق خلاصة توصيات "لجنة شو" البرلمانية البريطانية التي تقصّت وقائع أحداث 1929، وأذيع تقريرها في مارس/ آذار 1930، والملحقة بالوثيقة رقم 29 ("الكتاب الأبيض الذي أصدره وزير المستعمرات البريطانية مستر تشرتشل في يونيو/ حزيران 1922"). وكان جلّ هذه التوصيات لصالح العرب، حيث وردت، في سياقها، الدعوة إلى مراقبة الهجرة اليهودية المنفلتة إلى فلسطين، ووضع حدّ لوقف إجلاء المزارعين الفلاحين العرب عن الأراضي التي يزرعونها.
وفيها فقرة تقول: "... ونحن نعتقد أن مشاكل الحكومة [البريطانية] تزيدها خطورة حالة الاستياء التي يشعر بها العرب من جرّاء عجزهم على الدوام عن الحصول على درجةٍ من درجات الحكم الذاتي".
وتُضاف إلى هذه التوصيات وثيقتان (تحملان رقمي 30 و31). تؤكد الأولى عزم بريطانيا على صيانة ما تسميها "مصالح الطوائف غير اليهودية في فلسطين"، وتشمل الثانية "الكتاب الأبيض لسنة 1930"، والذي أكد الخالدي أنه رجّح الكفة العربية على الكفة الصهيونية في كل ما يتعلق بنظرة لندن نحو فلسطين، ولو من حيث جعل الكفتين متساويتين فحسب.
بطبيعة الحال، ثمّة أهمية بالغة، وقد تكون أخطر، لوثائق لاحقة في هذه المجموعة تظهر انقلاب بريطانيا على مواقفها التي جاءت لصالح العرب مباشرةً بعد ثورة البراق، وانحيازها للحركة الصهيونية منذ عام 1930 فصاعدًا. لكن، في الوقت عينه، ليس في هذه الوثائق ما يلغي كل الذي سبقها من وقائع وبينات.
لا بُدّ من أن نشير، بالاستناد إلى وثائق أخرى، إلى أن ثورة البراق التي عدّتها تعليقات إسرائيلية مكرورة "إثباتًا" على تعطش العرب لدم اليهود لمجرّد كونهم كذلك، جعلت المؤرخ اليهودي هانس كوهن (1891- 1971)، وهو أول سكرتير لرابطة "بريت شالوم (تحالف السلام)" التي نشطت داخل الحركة الصهيونية، وتبنت المقاربة ثنائية القومية لحل قضية فلسطين، يؤكد أن طريق الصهيونية كلّها خاطئة.
وكانت هذه الثورة، وخصوصًا ردة الفعل من الحركة الصهيونية وبريطانيا عليها، السبب المباشر وراء استقالة كوهن من الحركة الصهيونية، معللًا ذلك بأن تطبيق الصهيونية لا يمكن إلا أن يكون مقرونًا بممارساتٍ أقل ما يُقال فيها إنها مرفوضةٌ من ناحية أخلاقية.