هواجس الجدار الترابي بين تونس وليبيا

13 يوليو 2015
تشكّك أطراف تونسية وليبية في جدوى بناء الجدار (الأناضول)
+ الخط -
بعد إعلان تونس "حالة طوارئ"، مشدّدة من إجراءات الأمن في الداخل عقب سلسلة الاعتداءات التي تعرضت لها، سارعت أيضاً إلى الشروع في بناء جدار عازل على الحدود الليبية ــ التونسية، معتبرةً أنّ الخطوة ستساهم في إغلاق أي منافذ لتسلل المتشددين إليها أو محاولة الفرار من قبضة السلطات عبر الحدود بين البلدين الممتدة على قرابة 500 كيلومتر التي هي طول الحدود التونسية ــ الليبية.
لكن منذ إعلان رئيس الوزراء التونسي، الحبيب الصيد، الثلاثاء الماضي 7 يوليو/ تموز عن شروع تونس في بناء "جدار ترابي وخندق على طول الحدود مع ليبيا لمنع تسلل الإرهابيين ومهربي السلاح"، لم يتوقف الجدل في الداخل التونسي والليبي، على الرغم من أن القرار ليس وليد الأمس. وسبق لوزير الأمن التونسي، رفيق الشلي، أن أكده في حوار مع "العربي الجديد" منذ شهرين. وتشير المعلومات إلى أنّ العمل على إنجاز الجدار والخندق بدأ منذ 10 أبريل/ نيسان الماضي، أي بعد حادثة متحف باردو بأسابيع قليلة.

ويأتي بناء الجدار وفقاً لقناعة تونسية ترسّخت منذ فترة، بأن "ليبيا أصبحت مشكلة كبرى" بحسب الصيد، وهي أساساً مصدر القلق الأمني الكبير لتونس، باعتبار أنّ كل الأحداث التي جرت، انطلقت من هناك. واعتبر الصيد أنّه كان لا بد من وضع حد للنزيف، عبر حل جذري لا يذهب باتجاه إغلاق الحدود، وإنما يحدّ من مسالك التهريب للأسلحة والمتطرفين عبر إقامة مناطق عسكرية مغلقة وخنق المنافذ الأخرى باستثناء المعابر الرسمية، بن قردان وذهيبة.

وقد أعلن وزير الدفاع الوطني، فرحات الحرشاني، يوم السبت الماضي، في زيارة تفقدية للوقوف على أعمال تنفيذ الجدار، عن قرار زيادة طول الحواجز التي تضم خنادق وستائر رملية إلى ما بعد منطقة الذهيبة بـ40 كيلومتراً، لتصبح المساحة الإجمالية 220 كيلومتراً بدلاً من 186 كيلومتراً، كانت مقررة سابقاً. وأوضح الحرشاني عبر وسائل الإعلام، أنّ 9 شركات خاصة ساهمت في هذا العمل بهدف التسريع في إنجازه، مرجّحاً استكماله نهاية العام الحالي. وكان رئيس كتلة حزب الاتحاد الوطني الحر (أحد مكونات الائتلاف الحاكم)، محسن حسن، قال في تصريحات سابقة، إن "كلفة الجدار قد تصل إلى 150 مليار تونسي (حوالي 75 مليون دولار)".

من جهته، أشار وزير التنمية والاستثمار، ياسين إبراهيم، يوم الجمعة، خلال ندوة صحافية عقدتها مجموعة من الوزراء، إلى أن تونس تنسّق مع "مجموعة السبع" (التي تضم فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأميركية وكندا) للتسريع في تنفيذ مشروع الجدار العازل بين تونس وليبيا، الذي أصبح ضرورة ملحّة في ظل "الخطر الإرهابي المتفاقم في ليبيا، جراء غياب الدولة في هذا البلد، واحتدام الصراعات الداخلية وتنامي البؤر الحاضنة للجماعات الإرهابية داخله"، على حد قوله. وأضاف إبراهيم أنّ مهمة الساتر الترابي منع تسلل العربات والأفراد والمعدات والأجهزة التي لا تستطيع قوات الجيش والديوانة والحرس مراقبتها ورصدها بما يتوفر لديها من وسائل تقليدية.

وبالإضافة إلى الجدار والخندق، ستتعزز منظومة مراقبة الحدود بأنظمة إلكترونية وكاميرات مراقبة في عدد من النقاط الحدودية. غير أن الجدار يثير ردود فعل مختلفة داخلية وخارجية، ما دفع بوزير الدفاع إلى الرد، بأنّ "الجدار ليس عازلاً" كما يروّج له.

اقرأ أيضاً تونس: مخاوف من استمرار نمو الخلايا الإرهابية

وجاء الرفض القاطع للجدار من قوات "فجر ليبيا" التي اعتبرت في بيان لها، أن "البدء في التعدي على الأراضي الليبية عبر بناء ترسيم الحدود الليبية ــ التونسية من طرف واحد ومن دون الاستدعاء الرسمي أو الدبلوماسي أو مخاطبة الجهات الشرعية الليبية، يعتبر تعدياً صارخاً على السيادة الليبية". وحذّرت "فجر ليبيا" الحكومة التونسية من "مغبة المضي قدماً في بناء الجدار قبل الرجوع إلى السلطات الليبية والتنسيق معها في عملية ترسيم الحدود، وإلّا فستعتبره تهديداً وتعدياً على الأراضي الليبية، يرقى إلى درجة الاحتلال، وسيكون لدينا الحق الكامل في تقرير كيفية مواجهته كيفما شئنا، وفي أي وقت ومكان وبأي طريقة".

وتزعم جهات ليبية أن مخطط تونس من وراء بناء الجدار يكمن في الدخول كيلومترات عدة داخل الحدود الليبية، وأنّ هدفها الأول هو التوغل باتجاه بدر وتيجي في ليبيا من ناحية محافظة تطاوين التونسية، حيث تم اكتشاف حوض غاز ضخم قبل الثورة في هذه المنطقة. وتعتقد هذه الجهات أن السلطات التونسية تسعى للسيطرة على الحقل، بالإضافة إلى "التوغل أقصى ما يمكن باتجاه مثلث الحدود اللييية ــ الجزائرية، حتى تتمكن من حفر آبار وتستطيع بذلك الوصول إلى منطقة حوض غدامس للنفط والغاز، الذي يصدر منه الغاز إلى إيطاليا في الوقت الحالي".
وأوردت تقارير إعلامية أن "تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش) في ليبيا، الذي يسمي نفسه "ولاية برقة"، هدّد بهدم الجدار العازل. وقال التنظيم في تغريدة منسوبة إليه عبر "تويتر"، يوم الجمعة، "قسماً لنهدمن الساتر ولنردمن الخندق ولنزيلن الأسلاك ولنمسحن الحدود عن الخارطة".

الاعتراضات على الجدار لم تقتصر على أطراف ليبية وتنظيمات جهادية، إذ شكّك عدد من الخبراء التونسيين في قدرة الجدار على منع أي هجمات قد تتخذ من ليبيا منطلقاً لها باتجاه تونس، معتبرين أنّ المتطرفين يمكنهم تخطّيه، وخصوصاً أنّه يمتد على 200 كيلومتر من إجمالي 500 كيلومتر التي هي طول الحدود التونسية ــ الليبية. إلّا أنّ التونسيين يتابعون باهتمام كبير تقدم الأشغال من دون الاكتراث إلى كلفتها، لعل الجدار يضع، حسب ما يرون، حداً للمآسي التي تتجه نحوهم بفعل تدهور الوضع في الشقيقة الجنوبية.

من جهته، اعتبر الأمين العام لحركة الشعب (حركة قومية)، زهير المغزاوي، أنّ "الجدار العازل غير كافٍ للحماية من الاٍرهاب"، مشيراً في حديث إذاعي إلى أنه "لا يمكن مقاومة الإرهاب، كما أنّ الشباب التونسي يتدرب في ليبيا من دون وجود جهات استخباراتية تمد تونس بالمعلومات". وطلب المغزاوي، من الحكومة التونسية وحكومات دول الجوار، عقد قمة ترتكز على نقطتين، الأولى للبحث "في سبل الوقاية من أخطار الإرهاب الآتي من ليبيا، والنقطة الثانية ترتكز على دعوة دول الجوار الليبي إلى التدخل في عملية المصالحة بين الأطراف الليبية المتخاصمة".
بدوره، اعتبر مدير ديوان الرئيس السابق منصف المرزوقي وعضو "حراك شعب المواطنين"، عدنان منصر، أنّ الجدار يعكس "العقل الأمني البائس الذي عفا عليه الزمن، إذ تعتقد الحكومة أنّ باستطاعتها مواجهة الإرهاب، باعتباره سلعة مستوردة". ودعا منصر إلى متابعة "تطورات الظاهرة الإرهابية وفهمها بشكل جيد لمواجهتها، والتعامل مع مأساة رمادة (هروب 33 مواطناً تونسياً إلى ليبيا للالتحاق بداعش) خارج السياقات العقيمة". واعتبر أنّ "الإرهاب منتوج محلي، يصعد إلى السطح عندما تعجز الدولة عن بيع الأمل لمواطنيها"، مضيفاً أن "الأيديولوجيا والسلوك البوليسي البائس لا يقاومان الإرهاب، بل يدعمانه ويغذيانه بمبررات جديدة كل مرة".

اقرأ أيضاً: مجلس "ثوار ليبيا" يحذر تونس من بناء الجدار الحدودي

المساهمون