مخاوف صينية من توسع "ناتو" في المحيطين الهادئ والهندي

10 يوليو 2024
من مكان انعقاد اجتماع ناتو في واشنطن، 9 يوليو 2024 (ماندل نغان/فرانس برس)
+ الخط -

يتفاعل في الأوساط الصينية، ولا سيما في وسائل الإعلام، موضوع اعتزام حلف شمال الأطلسي (ناتو) توسيع مجموعة شركائه من منطقة المحيطين الهادئ والهندي ذات الأهمية الاستراتيجية، بحسب ما اقترحه مسؤول أميركي كبير أثناء مشاركته في قمة الحلف بمناسبة انعقادها في واشنطن التي بدأت أمس الثلاثاء في الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيسه. وقال مايكل كاربنتر، المدير الأول لشؤون أوروبا في مجلس الأمن القومي: "من المؤكد أن هناك المزيد من الشركاء الذين يشكلون قيمة كبيرة لحلف شمال الأطلسي، وسنسعى إلى توسع "ناتو" وضم شركاء آخرين في المستقبل"، واصفاً شركاء "ناتو" في منطقة المحيطين الهادئ والهندي بأنهم "مهمون بشكل لا يصدق".

وأضاف كاربنتر، الذي يعمل أيضاً مساعداً خاصاً للرئيس الأميركي جو بايدن، وينسق سياسات الأمن القومي للبيت الأبيض في ما يتعلق بالشؤون الأوروبية، أن "هذا وقت مهم للتعاون في قضايا مثل الأمن السيبراني، ومحاربة التضليل، وبناء قواعدنا الصناعية الدفاعية، لأن حلف شمال الأطلسي وحلفاءه في منطقة المحيطين الهادئ والهندي لديهم الكثير من المصالح المشتركة". ولفت إلى أن توسع "ناتو" لا يجري في منطقة المحيطين، لأن قدرات الدفاع والردع تقع جميعها في المناطق الأوروبية الأطلسية.

طوكيو: التعاون الذي أصبح أعمق بين روسيا وكوريا الشمالية، أكد حاجة اليابان لتعميق العلاقات مع حلف ناتو

وفي ما يتعلق بالتهديد الصيني الروسي، قال كاربنتر: "يتعين علينا أن نتعاون، وأن نتحدث قدر الإمكان، وأن نتقاسم تصورات التهديد. ومن المؤكد أن روسيا تشكل تهديدا أساسيا لحلفاء ناتو. كما أن جمهورية الصين الشعبية تقدم الدعم المباشر للقاعدة الصناعية الدفاعية الروسية". وأكد أن مساعدات بكين لموسكو تشكل مصدر قلق كبير ليس فقط لدول حلف شمال الأطلسي، بل ولشركائها في منطقة المحيطين الهادئ والهندي أيضا. وأردف: "لذا أتخيل أننا سنجري محادثة قوية حول هذا الأمر".

وفي هذا السياق، قال رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، يوم أمس الثلاثاء، لوكالة رويترز، إن التعاون الذي أصبح أعمق بين روسيا وكوريا الشمالية قد أكد حاجة اليابان لتعميق العلاقات مع حلف ناتو مع تقاطع التهديدات الأمنية الإقليمية. وأضاف كيشيدا أن "التحديات الأمنية في منطقة اليورو – أطلسية، وفي منطقة الهادئ الهندي، تتقاطع، ولا يمكن فصل بعضها عن بعض، وأن عدوان روسيا على أوكرانيا وتعاونها مع كوريا الشمالية يذكّران دوماً بذلك.

موقف بكين من توسع "ناتو"

من جهتها، أصدرت بكين تحذيراً صارماً في وقت يجتمع زعماء ومسؤولون كبار من التحالف الذي يضم 32 دولة، في واشنطن. وقالت إن توسع "ناتو" وخرق حلف شمال الأطلسي لحدوده، كانا المصدر الحقيقي للمخاطر التي تهدد السلام والاستقرار العالميين. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان، في إحاطة صحافية، أول من أمس الاثنين، إنه "يتعين على حلف الأطلسي أن يظل ضمن دوره تحالفاً دفاعياً إقليمياً، وأن يتوقف عن خلق التوترات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وأن يتوقف عن الترويج لعقلية الحرب الباردة والمواجهة بين الكتل. ولا ينبغي لحلف شمال الأطلسي أن يحاول زعزعة استقرار منطقة آسيا والمحيط الهادئ بعدما فعل ذلك في أوروبا".

جيانغ قوه: هناك مخاوف حقيقية لدى الصين من توسع الناتو شرقاً، لأن ذلك يخدم استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة

ومن المقرر أن يلتقي قادة ومسؤولون كبار من اليابان وأستراليا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية، غداً الخميس، بزعماء حلف شمال الأطلسي وشركاء الاتحاد الأوروبي في واشنطن. ومن المتوقع أن يناقش المجتمعون التهديدات التي تشكلها الصين والوضع الأمني في منطقة المحيطين الهادئ والهندي. ومن المرجح أن تشمل هذه المسائل سلوك بكين في بحر الصين الجنوبي والنزاعات البحرية مع جيرانها، بالإضافة إلى التوترات في مضيق تايوان، والقضية النووية الكورية الشمالية.

ومنذ غزو القوات الروسية لأوكرانيا قبل أكثر من عامين، كان لمجموعة الدول الأربع في منطقة المحيطين الهادئ والهندي (اليابان وأستراليا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية) حضور متكرر في قمم حلف شمال الأطلسي. وقد يسعى بعض الشركاء الحاليين في منطقة المحيطين إلى مشاركة أكثر انتظاماً في الحلف. وإلى جانب الولايات المتحدة ودول أخرى في حلف شمال الأطلسي، وقعت اليابان اتفاقية أمنية ثنائية مع أوكرانيا. وبحسب تقارير غربية، فإن كوريا الجنوبية تدرس الأمر نفسه، وهو الأمر الذي يثير مخاوف بكين.

مخاوف التوسع شرقاً

في تعليقه على سعي "ناتو" لاستقطاب شركاء جدد، قال الباحث في العلاقات الدولية في مركز النجمة الحمراء في العاصمة الصينية بكين، جيانغ قوه، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن هناك مخاوف حقيقية لدى الصين من توسع "ناتو" شرقاً، لأن ذلك يخدم في المقام الأول استراتيجية الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهادئ والهندي لاحتواء ما تسميه بالتهديد الصيني، الأمر الذي من شأنه أن يخل بالتوازنات الأمنية في المنطقة. وأوضح أن استقطاب شركاء جدد، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، يعني توسيع القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة ونشر المزيد من الأنظمة الدفاعية، على غرار منظومة ثاد المضادة للصواريخ التي تم نشرها في الأراضي الكورية الجنوبية عام 2017 وتسببت بخلافات حادة بين بكين وسيول.

في المقابل، رأى الخبير في الشؤون الآسيوية، تشون داي (يقيم في تايوان)، في حديث إلى "العربي الجديد"، أن انضمام مزيد من دول الشرق الآسيوي إلى حلف شمال الأطلسي هو تأكيد للمخاوف الأمنية لدى حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة من التهديد الصيني. ولفت إلى أنه للعام الثالث على التوالي، يشارك شركاء من منطقة المحيطين الهادئ والهندي في قمم حلف الأطلسي، الأمر الذي يعكس رغبة حقيقية لدى هذه الدول في الانضمام للحلف، وبالتالي فإن هذا التوجه لا علاقة له بتأثير الولايات المتحدة كما تُسّوق بكين، بقدر ما هو مرتبط بمخاوف مشروعة في ظل توسيع الصين لترسانتها العسكرية وفرض قواعدها الخاصة في مناطق النزاع مع جيرانها كما يحدث الآن في بحري الصين الشرقي والجنوبي.

المساهمون