إدخال المساعدات الأممية إلى سورية: إشكاليات متكررة

10 يوليو 2024
معبر باب الهوى، 1 يونيو 2024 (رامي السيد/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **إشكالية التمديد وآلية إدخال المساعدات**: انتهاء التفويض الأممي لإدخال المساعدات إلى سورية يثير تساؤلات حول مدة التفويض وبنود قرار التمديد. منذ 2014، تقلصت المعابر إلى باب الهوى بسبب اعتراضات روسية وصينية. في 2023، وافق النظام السوري على دخول المساعدات لمدة ستة أشهر إضافية دون قرار من مجلس الأمن، مما أثار تساؤلات حول ارتباط إدخال المساعدات بقرار النظام.

- **التعافي المبكر وصندوق الائتمان**: روسيا أصرت على تضمين "التعافي المبكر" في قرارات التمديد، مشيرة إلى إعادة تأهيل البنى التحتية. الأمم المتحدة أعلنت عن إنشاء صندوق ائتماني للتعافي المبكر بتمويل من دول الخليج، مع توقعات بتمركزه في بيروت. النظام السوري والدول الحليفة استخدمت مسألة التعافي المبكر كوسيلة ابتزاز لتحقيق مكاسب سياسية.

- **آليات إدخال المساعدات وتحدياتها**: هناك ثلاث آليات لإدخال المساعدات الأممية إلى سورية: داخل مناطق النظام، عبر مناطق سيطرة مختلفة، وعبر الحدود دون موافقة النظام. النظام والروس يسعيان لإنهاء الآلية أو حصر إدخال المساعدات عبر خطوط التماس، مما يزيد من معاناة النازحين. حقوقيون يحذرون من مخاطر اختلاس وسرقة المساعدات من قبل النظام السوري.

مع اقتراب انتهاء التفويض الأممي لإدخال المساعدات الأممية إلى سورية طُرحت أسئلة حول "إشكالية" التمديد، التي حضرت مع كل إجراء مماثل سابقاً، لا سيما حيال مدة التفويض وبنود قرار التمديد، بالإضافة إلى مسألة "التعافي المبكر"، المصطلح الذي بات حاضراً في قرارات التفويض الأخيرة من دون تفسيرات واضحة حول نطاقه، لا سيما أن الأمم المتحدة أقرت في الأشهر القليلة الماضية إنشاء الصندوق الائتماني للتعافي المبكر الخاص بسورية، وسط عدم الوضوح بشأن مركزية وآلية عمل هذا الصندوق. وجاءت هذه التطورات عشية انتهاء التفويض الأممي لإدخال المساعدات الأممية إلى سورية، غداً الخميس، من المعبر الحدودي الوحيد المخصص لها، وهو معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا من جهة محافظة إدلب في الشمال الغربي من البلاد. في المقابل، فإن موعد انتهاء تفويض معبري الراعي وباب السلامة هو في منتصف أغسطس/ آب المقبل، وهما معبران مخصصان لدخول المساعدات الإنسانية الخاصة بمتضرري الزلزال، على خلاف معبر باب الهوى المخصص لدخول المساعدات الإنسانية العابرة للحدود.

آلية إدخال المساعدات الأممية إلى سورية

وكان مجلس الأمن الدولي قد بدأ في عام 2014 العمل بآلية إدخال المساعدات الأممية إلى سورية عبر أربعة معابر حدودية واقعة على الحدود مع تركيا والأردن والعراق. ومع مرور الوقت، وبسبب الاعتراضات الروسية بدعم صيني، بدأ تقليص عدد المعابر الحدودية حتى اقتصرت على معبر باب الهوى. وفي مطلع العام الحالي، وافق النظام السوري على دخول المساعدات الأممية إلى سورية من باب الهوى نحو المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، شمال غربي البلاد، لمدة ستة أشهر إضافية، وذلك ضمن الآلية المعتمدة من الأمم المتحدة منذ عام 2014، بتفويض من مجلس الأمن الدولي، لكن دون قرار من مجلس الأمن. وكذلك فعل في منتصف العام 2023، بعدما عارض فكرة إدخال المساعدات لسنوات نظراً لكونها، بحسب زعمه، خرقت سيادة الدولة السورية، وهو ما أدى إلى طرح أسئلة حول ما إذا أصبحت مسألة إدخال المساعدات الأممية إلى سورية مرتبطة بقرار من النظام.

بدورها، أشارت منظمات إنسانية محلية إلى أنه خلال التفويض الحالي، تقلص حجم دخول المساعدات إلى شمال غربي سورية، أي المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو ما زاد معاناة ملايين النازحين، وسط معاناة المنظمات المحلية في تلك المناطق من نقص في التمويل. ووفق بيان لـ"فريق منسقو استجابة سوريا"، المعني برصد الأوضاع الإنسانية في شمال غربي سورية وتقييمها، فقد بلغ عدد الشاحنات الأممية التي دخلت إلى شمال غربي سورية 241 شاحنة منذ منتصف عام 2023. وقدمت المنظمة الدولية للهجرة 37 شاحنة، والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين عشر شاحنات، ومنظمة الأغذية والزراعة 13 شاحنة، وصندوق الأمم المتحدة للسكان ثلاث شاحنات، وبرنامج الأغذية العالمي 113 شاحنة، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة 37 شاحنة. ودعا الفريق في البيان إلى ضمان خطة للسماح بإدخال المساعدات الأممية إلى سورية لمدة 12 شهراً، بغرض منع روسيا من التحكم في الملف الإنساني في سورية، إضافة لمنع النظام من التحكم في آلية التفويض، ومنع عمليات السرقة والنهب التي نفذتها منظمات تابعة للنظام السوري. ومنعت آلية التفويض لمدة 12 شهراً النظام السوري من سحب أجزاء كبيرة من المساعدات الإنسانية لبيعها في الأسواق المحلية والاستفادة المادية منها، وحدت من حدوث انهيار اقتصادي في شمال غربي سورية.


قاسم يازجي: قد يتم التمديد لفترة قصيرة من قبل النظام من دون الرجوع لقرار من مجلس الأمن

وحذّر "فريق منسقو استجابة سوريا" من عواقب إيقاف حركة المساعدات الأممية إلى سورية أو تقليصها، لأن ذلك يزيد عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية بسبب تركيز المنظمات الإنسانية على الفئات الأشد حاجة، مع التغاضي عن الحالات الأخرى. كما تحدث موجات نزوح جديدة للسكان إلى المخيمات للتخلص من الأعباء المادية الجديدة المترتبة عليهم ونتيجة عدم الحصول على المساعدات والعجز عن التوفيق بين الاحتياجات الأساسية والدخل والارتفاع في أسعار المواد والسلع الغذائية بسبب لجوء المستفيدين من المساعدات إلى شراء المواد لتغطية النقص لديهم.

وقال قاسم يازجي، المدير السابق لوحدة المعلومات في وحدة تنسيق الدعم "A.C.U"، وهي إحدى الجهات التي تنسق عمليات توزيع المساعدات في شمال غربي سورية، إنه لا يوجد تصور واضح حول التجديد المقبل لآلية إدخال المساعدات. وتوقع في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن يتم التمديد لفترة قصيرة من قبل النظام من دون الرجوع لقرار من مجلس الأمن، على غرار التمديدين الأخيرين. ووضع يازجي أيضاً احتمال أن تنعكس التطورات الأخيرة، بالإشارة إلى إمكانية التقارب بين النظام وتركيا وإبرام تسويات معينة، على ملف المساعدات الأممية. وحول حجم المساعدات خلال التفويض الحالي، أشار يازجي إلى أن "حجم المساعدات التي دخلت كان أقل بكثير من الاحتياج"، لافتاَ إلى أن الدعم الأممي لا سيما الحصص الغذائية المقدمة من قبل برنامج الأغذية العالمي، كان قليلاً للغاية في الفترة الأخيرة.

ملف التعافي المبكر

أما بشأن التعافي المبكر، فقد أصرّت روسيا على تضمين هذا المصطلح في عمليات التمديد الأخيرة للتفويض الأممي، شاملة إعادة تأهيل البنى التحتية والمرافق المدمرة في سورية، والتي بمعظمها دمرها قصف النظام أو الروس في العديد من المحافظات. وبرز أخيراً الحديث عن إنشاء صندوق خاص بمبالغ ضخمة، مع كشف منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سورية آدم عبد المولى، في مقابلة مع صحيفة "الوطن" المقربة من النظام، في مارس/ آذار الماضي، أن الأمم المتحدة ستطلق قبل حلول الصيف برنامجاً للتعافي المبكر في سورية لخمس سنوات، ويتضمن إقامة مشاريع في عدد من القطاعات بينها الكهرباء. وقال إن "تمويل مشاريع هذا البرنامج سيتم من خلال إنشاء صندوق خاص يوفر لبعض المانحين غير التقليديين كدول الخليج، التي عادة تفضل أن تقدم المساعدات مباشرة إلى الحكومة ولا تستطيع أن تعمل ذلك الآن بسبب نظام العقوبات، يوفر لها الصندوق آلية آمنة وشرعية تحت مظلة دولية بأن تقدم مساعدات للشعب السوري".

وعبّر حينها عبد المولى عن أمله بأن "تقدم دول الخليج أقصى ما تستطيع، لأن للأزمة السورية تداعياتها التي قد تؤثر على استقرار المنطقة وعلى استقرار العالم إذا استمرت من دون معالجة"، مشيراً إلى أنه "لتلبية الاحتياجات نحتاج إلى ما يربو على عشرة مليارات دولار، وهذه الأموال ينبغي أن نحصل عليها من المانحين التقليديين، والمانحين غير التقليديين، ونقصد بهم دول الخليج بشكل خاص". وكشف أيضاً أن حجم المساعدات "حتى الآن أقل بكثير مما كنا نتوخاه"، إذ إن "ما حصلنا عليه حتى الآن من تمويل يقدر بنحو 800 ألف دولار من أصل متطلبات خطة الاستجابة الإنسانية البالغة 4.7 مليارات دولار". وفي حين روج النظام السوري لتمركز صندوق التعاون في العاصمة دمشق، فإن عبد المولى أشار في حديث صحافي في إبريل/ نيسان الماضي، إلى أن أمانة الصندوق يجب أن تكون خارج سورية، حمايةً له من أي تسييس. وعلمت "العربي الجديد" من مصادر أممية أن هناك توجهاً لجعل مركزية الصندوق في العاصمة اللبنانية بيروت بشكل أولي، لكن من دون اعتماد رسمي لهذا الأمر حتى الآن.


عمار عز الدين: النظام والدول الحليفة له استخدمت مسألة التعافي المبكر كوسيلة ابتزاز لتحقيق المكاسب

آليات إدخال المساعدات

من جهته، أشار المحامي عمار عز الدين، عضو "رابطة المحامين السوريين الأحرار"، إلى الآليات الثلاث المعتمدة في مسألة إدخال المساعدات الأممية إلى سورية، وهي: الأولى، المساعدات داخل مناطق النظام بموجب القرار 2585 لعام 2021. أما الآلية الثانية فمتعلقة بالمساعدات التي تقدّم من داخل سورية وتعبر بين مناطق سيطرة مختلفة (نظام ـ معارضة)، (نظام ـ معارضة ـ نظام). أما الآلية الثالثة فمتصلة بقرار مجلس الأمن للمساعدات عبر الحدود الذي سمح للأمم المتحدة والمنظمات الانسانية بإدخال المساعدات الأممية إلى سورية أو تنفيذ مشاريع في مناطق خارج سيطرة النظام من دون موافقة النظام.

ورأى عز الدين أن "النظام والروس يسعيان إلى هدفين أو أقله أحدهما. الأول إنهاء الآلية برمتها، أي عدم إدخال المساعدات بشكل كامل، بذريعة معارضة مبدأ سيادة الدولة، وبالتالي ضمان وضع النازحين والقاطنين في مناطق سيطرة المعارضة في وضع مأساوي صعب، يسهل من خلاله القبول بخيارات سياسية يفرضها النظام والروس. أما الهدف الثاني فهو حصر إدخال المساعدات بآلية عبر الخطوط، أي خطوط التماس بين مناطق النظام والمعارضة، وهو خيار ربما يكون أخطر من الأول، لحصر المساعدات وتوزيعها انطلاقاً مع مناطق النظام". وتوقع عز الدين في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن تتم الموافقة على تمديد الآلية لمدة ستة أشهر مثلما جرت العادة ضمن تفاهمات بين الدول الفاعلة في الملف السوري، على ألا تقوم هذه الدول بعرقلة مشاريع التعافي المبكر في مناطق سيطرة النظام السوري.

وحيال هذا الملف، أي التعافي المبكر، أشار عز الدين إلى أن النظام والدول الحليفة له استخدمت مسألة التعافي المبكر كوسيلة ابتزاز لتحقيق المكاسب، ففي يوليو/ تموز 2021، اشترط النظام تضمين التعافي المبكر ضمن قرار مجلس الأمن 2642 الصادر في التاسع من الشهر ذاته، مقابل موافقة حليفته روسيا على تجديد آلية تمديد المساعدات الأممية إلى سورية عبر معبر باب الهوى. وأضاف عز الدين أن الدول الحليفة للنظام السوري ضغطت منذ ذلك الحين للبدء بالعمل على إنشاء صندوق خاص للتعافي المبكر، مستخدمة أسلوب التهديد باستخدام حق النقض (الفيتو) لمنع إصدار قرار بإدخال المساعدات. وهناك معلومات مفادها أن الأمم المتحدة وخلال الأشهر المقبلة ستؤسس الصندوق في دمشق، مع إقرار وثيقة "استراتيجية التعافي المبكر 2024 ـ 2028"، التي تدعو إلى إنشاء صندوق ائتماني للتعافي المبكر، سيعمل تحت القيادة المباشرة للمنسق المقيم للشؤون الإنسانية للأمم المتحدة.

ولفت عز الدين إلى أنهم بصفتهم حقوقيين يؤكدون "الأهمية القصوى لمشاريع التعافي المبكر، فكل سورية تحتاج إلى مساعدات هذه المشاريع، ولا يجب الانتظار حتى إيجاد حل سياسي، و لكن يجب أن تقتصر على عدد قليل من القطاعات الاستراتيجية والتحويلية (الصحة والتعليم والمياه والصرف الصحي والكهرباء وسبل العيش)، ولكن هذه المعطيات لا تخلو من مخاطر عديدة تتمثل في استمرار سلوك النظام السوري وأجهزته الأمنية باختلاس وسرقة المبالغ المخصصة للمساعدات الإنسانية والمشاريع، كما أنه من الأساس لا يوجد تعريف واضح لمسألة التعافي المبكر التي تم طرحها حتى الآن".

تقارير عربية
التحديثات الحية