واستطاع كونيرت خلال فترة قصيرة، وحتى إقفال باب الانتساب يوم 6 فبراير/شباط الحالي، حثّ عدد من مناصري الاشتراكي للإقدام على الانضمام للأطر التنظيمية للحزب، ما أدى إلى انتقادات واسعة لهشاشة الوضع داخل الاشتراكي من قبل البعض، معتبرين أنه مقابل اشتراك شهري بقيمة 5 يوروهات، يمكن لجماعة أن تقرّر مستقبل ألمانيا. وكان لافتاً ما أثارته صحيفة "بيلد"، الثلاثاء الماضي، حول تسجيل كلبة ضمن أسماء المنتسبين الجدد في الحزب، وبالتالي إمكانية "تصويتها" على قيام ائتلاف حكومي متجدد مع الاتحاد المسيحي.
أعضاء الاشتراكي يستولون على حقٍ دستوري
هذا الواقع وآلية التصويت المعتمدة من قبل الاشتراكي، وفقاً لنظامه الداخلي، ودور أعضاء الحزب في أخذ البلاد رهينة الاستقرار من عدمه، انتقدها مستشارون قانونيون في ألمانيا، مؤكدين أنّ "التفكير في ما خصّ النظام السياسي، يجب أن يكون بشكل مختلف، بحيث تكون هناك طريقة للعرض والقدرة على الحكم عن طريق التسوية، والحرص على حكومة اتحادية قابلة للحياة وكنتيجة أساسية للانتخابات العامة، لأنه في الديمقراطيات تشارك الشعوب في تشكيل الحكومة قبل الانتخابات، باختيار أحزابها ونوابها، وبعد ذلك يعود الدور لهؤلاء. أمّا في الديكتاتوريات، فتجعل الهيئة التنفيذية القرارات خارج إطار العمل البرلماني، ويصبح البرلمانيون بمثابة دمى، وألمانيا لا تعيش في ديكتاتورية وممثلو الشعب بمكوناتهم يقررون من يحكم".
ورأى القانونيون أنّ "التصويت على اتفاق الائتلاف والدور الذي يتطلّع إليه أعضاء الاشتراكي غير دستوري، ويمكن وصف كونيرت بالمستولي على القرار، لأن ألمانيا فصلت وبوضوح بين بنى هياكلها الديمقراطية، وبالتالي فإن الدور المنوط الآن بأعضاء الاشتراكي لا يستحقونه لأن الأشخاص الوحيدين الذين لهم الحق في التصويت على اتفاق التحالف، هم أعضاء البوندستاغ، الذين يصوّتون على القوانين والقرارات المصيرية التي يجب على الوزراء الاتحاديين اتباعها، وهم ليسوا مندوبين أو أعضاء جمعيات، إنّما أعضاء برلمان منتخبون. والبوندستاغ في القانون الأساسي، هي المؤسسة الاتحادية لصنع القرار، هذا إضافة إلى الدور التوفيقي الذي يلعبه رئيس البلاد.
وعليه، فإن كونيرت وشبيبة الاشتراكي ليسوا أصحاب سلطة لمنع تحالف يؤمّن الاستقرار لبرلين، وتشكيل الائتلاف يتم على ضوء نتائج الانتخابات وليس من قبل مؤتمر حزبي خاص، بحسب وجهة نظرهم.
وتوقّف المستشارون القانونيون عند ما أثير أخيراً في صحيفة "بيلد" الواسعة الانتشار، من أنه تمّ الاستحصال على عضوية داخل الاشتراكي لكلبة تدعى "ليما"، ونشرت صورتها مع تعليق "لهذه الكلبة الحق في التصويت على غروكو". وكانت الصحيفة قد تقدّمت بطلب لانتساب الكلبة بتوقيع مزيّف، وحددت عمرها 21 عاماً، مشيرةً "إلى أنها أرادت اختبار مدى نجاح الآليات الوقائية للحزب في منع تسلل الأعضاء المشكوك فيهم، وتسليط الضوء من خلال ذلك على تصويت غروكو المثير للجدل داخل البلاد". وتحوّل الأمر بعدها إلى قضية سياسية علّق عليها متحدث باسم الاشتراكي بأن الأمر "يتعلّق بعضوية وهمية، ويتم التحقّق من إمكانية إلغاء عضويتها لأنه من الواضح أنها خدعة".
حملة ترويجية لـ"غروكو" متجدّد
حتّم الوضع داخل الاشتراكي على قادته أخذ مواقف الشبيبة على محمل الجد، وصار هناك نقاش في المضمون والاستراتيجية بعدما كان هناك تجاهل للمواقف، وبدأت حملة ترويجية لـ"غروكو" متجدّد، قبيل انطلاق عملية التصويت يوم 20 فبراير/ شباط والمستمرة حتى 2 مارس/ آذار، على أن تعلن النتائج يوم 4 مارس/ آذار المقبل. ويقود حملة مؤيدي "غروكو" من قادة الاشتراكي، مسيّر أعمال الحزب حالياً، نائب الرئيس، أولاف شولز، ورئيسة كتلة الاشتراكي في البوندستاغ، أندريا ناليس، المرجح انتخابها لزعامة الحزب في المؤتمر المقرر انعقاده يوم 22 إبريل/ نيسان المقبل. وتلقى الحملة بعض الصدى الإيجابي، مع انطلاق المؤتمرات الإقليمية السبعة المقررة في عدد من الولايات، حيث تحصل الاجتماعات بكثير من الود والانفتاح والرد على كل الآراء، منها ما يتعلّق بالوظائف والرعاية، بحسب ما يعبّر مسؤولو الحزب. ويقول المسؤولون إنهم استشفّوا أن لدى أعضاء الاشتراكي مسؤولية تفوق التفكير في حزبهم وحسب، وخصوصاً في موضوع تشكيل حكومة مستقرة، لأن الأمر يتعلّق بأوروبا، ولو على حساب بعض المطالب الداخلية. وهو ما حاولت ناليس التعبير عنه صراحة بالقول إنها "لا تريد حثّ الناس إنما إقناعهم"، مبرزة أنّ "قرار الائتلاف نصنعه معاً، وهو ليس قراراً للقيادة الحزبية بمفردها".
محاولة حشد من قبل الشبيبة ضد "غروكو"
في المقابل، يستمر كونيرت بحملته المناهضة لغروكو، ويقوم بعقد لقاءات قد تشمل 25 مدينة ألمانية. ويستند في تحريضه إلى سقطات عدة للقادة الحزبيين داخل الاشتراكي، متسلحاً بعدم مصداقية هؤلاء تجاه التوجهات العامة للحزب وآلية تجديده، وتفكيرهم فقط بمصالحهم الخاصة على حساب ديمومة الحزب. ويؤكّد كونيرت في خطاباته أنّ رفض "غروكو" هو "رفض للنمط السياسي للحزب، والحل التوفيقي بين الاتحاد المسيحي والاشتراكي في ملف لمّ شمل أسر اللاجئين غير كاف لبعض الاشتراكيين"، ووصل به الأمر في حديث لمجموعة "فونكه" الإعلامية، لاتهام مفاوضي الحزب بالفشل في الوفاء بمهمة مؤتمر الحزب حول هذه النقطة، وأنه لم تحصل أية تحسينات حاسمة لأن الحزب طالب بتنظيم بعيد المدى للملف، علماً أنه لا يزال هناك حال من التردد من قبل العديد من الحزبيين للتصويت مع أو ضد "غروكو".
وكان هناك موقف لكونيرت بخصوص الشعارات التي أطلقت، وما تردد من أن شبيبة الحزب تطالب خصوم غروكو بجعل الحزب حزبهم وتأكيدهم على التغيير الذي يريدون، والذي ترافق مع الحملة التي أطلقت في ولاية شمال الراين وستفاليا، والتي أعطت خياراً للراغبين بالانضمام للحزب لشهرين، مقابل رسم عضوية بعشرة يوروهات. ونأى كونيرت في حديث صحافي مع "راينشه بوست" أخيراً، بنفسه عن هذا التصرف، وقال إنه لا يؤمن بأعضاء جدد ينضمون إلى الاشتراكي فقط من أجل منع الائتلاف الكبير، مضيفاً أنّ همّه "كسب الحزب لأعضاء جدد مقتنعين بمبادئه ويشاطروننا القيم الأساسية". وأوضح أن "الحملة ستكون طويلة الأجل، لأن تجديد الحزب سيستغرق وقتاً ولن ينتهي بمجرّد رفض الائتلاف".
في غضون ذلك، رأى مسؤولون مؤيدون لـ"غروكو" أنّ الاشتراكي "يريد أن يكون طرفاً تشاركياً وكل عضو هو موضع ترحيب، والأمل أن لا يكون الانتساب فقط من أجل التصويت بـ(لا) للائتلاف المتجدد مع الاتحاد المسيحي".
الوضع داخل الاشتراكي لن يستكين
مع تمكّن الحزب أخيراً من استقطاب أكثر من 24 ألف منتسب جديد، يرجّح أن تصوّت بأكثريتها ضد نسخة جديدة من الائتلاف بين الأسود والأحمر، لكون أغلبيتهم من الشباب، وتصل أعمارهم إلى 35 عاماً، فيما معدل أعمار أعضاء الحزب، البالغ عددهم 463723 شخصاً، يقف عند 59 عاماً. وهنا يلفت باحثون في الشأن السياسي الألماني إلى أنّ أعداد المنتسبين الشباب الجدد قد تكون مؤشراً لتنامي النقمة على المسؤولين الحاليين في الحزب. وعلى الرغم من ذلك، فمن الصعب أن تحدث موجة تغييرية، برأي الباحثين، الذين قللوا أيضاً من ضخامة الحملة الإعلانية التي لم تتمكّن إلّا من استقطاب بعض الآلاف من الأشخاص لصفوف الحزب. والسبب وراء صعوبة حصول تغيير هو أنّ التطوّر العام برهن، وبفعل التقدّم والتطوّر، أنّ الانخراط تنظيمياً في الأحزاب الرئيسية، بات أقلّ من ذي قبل، لأن هناك مزيداً من الأحزاب في العالم تحاكي تطلعات الناخبين، بعكس ما كان سائداً في فترات سابقة. كما أنّ هناك فرصاً أكبر بكثير للمشاركة في الأنشطة السياسية خارج الأحزاب مقارنة بالعقود الثلاثة الأخيرة، هذا إضافة إلى أنه، بالنسبة للشباب، هناك منافسة على الأنشطة الترفيهية غير السياسية، وبالتالي فإن مبدأ المشاركة السياسية لا يمكن تحقيقه بسهولة.
في المحصلة، فإن الوضع داخل الاشتراكي لن يستكين في حال رفض أو قبول "غروكو"، فللحزب مشكلة كبيرة بعد البلبلة التي أحدثها الزعيم السابق للحزب، مارتن شولتز، وزميله وزير الخارجية زيغمار غابريال، مع شخص اسمه كيفن كونيرت، والذي يبدو أنه طامح ليكون المستشار النمساوي سيباستيان كورز في ألمانيا، وعلى القادة مصالحته، لأنه إذا ما استمر على هذا النهج، فسيكون كحفّار القبور بالنسبة للاشتراكي أو بداية لحركة يسارية داخل صفوفه. علماً أن الحزب يعاني من الحضور القليل في ولايات شرق البلاد، 14.5 في المائة مقابل 22 في المائة للبديل اليميني الشعبوي، فضلاً عن الحملة التي تقودها مجموعة من ولاية شمال الراين وستفاليا، حيث صوّت ربع أعضاء الاشتراكي على شبكة الإنترنت لعدم التصويت للائتلاف الكبير.
تجدر الإشارة إلى أنّ الاشتراكي عندما صوّت على قرار الائتلاف عام 2013، كان يضم أكثر من 474 ألف عضو، صوّت منهم 78 في المائة. ولكي يكون التصويت لاتفاق الائتلاف صحيحاً، يجب أن يشارك 20 في المائة من الأعضاء.