هل يجعلنا فيسبوك أكثر سعادة؟

17 فبراير 2015
+ الخط -

لا يزال "فيسبوك" يستقطب ملايين المستخدمين في كل يوم، ويؤكد، في كل ثانية ودقيقة، ريادته وتفوقه على شبكات التواصل الاجتماعي الأخرى التي عبثا تحاول منافسته. فها هي آخر الاحصائيات الخاصة بشهر يناير/كانون الثاني من العام الجاري 2015، تفيد بأن عدد أفراد هذا المجتمع الافتراضي قد وصل إلى 1.393 مليار نسمة. هذا الصعود في الانتساب، رافقه صعودٌ لافت في اهتمام الأكاديميين به، وتزايدٌ واضح في إجراء دراسات علمية كثيرة، اتخذت من هذا الموقع موضوعا لها، تحاول استجلاء جوانبه المختلفة، وتسلط الضوء على دوافع الاقبال عليه، والآثار المختلفة التي يخلفها على أعضائه.
لا شك أن الأمر يستحق، حيث إن مجتمعا ضخما كهذا، هو حتما حقل خصب لنشوء المشكلات التي تتطلب البحث والتقصي، للتنبيه، أو للتشجيع، أو لاقتراح الحلول. لكن، دعونا نختزل المسألة في سؤال بسيط وواضح؛ أليس من طبيعة البشر ميلهم إلى ما يجدون فيه راحة البال والرضى النفسي، ويحققون، من خلاله، سعادتهم المرتجاة؟ أليس هذا سبباً كافياً يبرر الدخول إلى "فيسبوك" أفواجا؟ ألا يوفر هذا الفضاء الازرق لأعضائه مساحة للإحساس بالسعادة؟
طبعاً، ليس من المعقول أن يقرر أحدهم التسجيل في "فيسبوك" ليكون وحيدا وتعيسا. لكن، للأسف هذا ما أكدته دراسات أكاديمية عديدة؛ إذ كشفت إحداها، أخيراً، في دراسة استمرت أكثر من عام، وشملت فريقاً من الأكاديميين في جامعة ميتشغان الأميركية، أن "فيسبوك" تحديداً يؤدي إلى سوء الحالة المزاجية لمستخدميه بشكل كبير، حيث توصل البروفيسور كروس وزملاؤه إلى أن المستخدمين يصبحون، مع الوقت، أقل سعادة وأقل رضى عن أنفسهم، ويصيرون أكثر إحساساً بالعزلة والاغتراب والاكتئاب.
النتائج نفسها أكدتها دراسة أخرى حديثة، أجراها فريق من مدرسة علم النفس في جامعة كوينزلاند الأسترالية، تحت إشراف البروفيسور ستيفاني توبين؛ ووجدت أن "فيسبوك" يلعب دورًا سلبيًا في الحياة النفسية للفرد، مع أنه جاء، في الأصل، لجعل الحياة أفضل، فضلًا عن منح المستخدمين القدرة على التواصل مع الآخرين، ومشاركة اللحظات السعيدة. فبحسب الدراسة، إن تعرض المستخدمين للتجاهل على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل "فيسبوك"، قد يكون له أثار عكسية على صحتهم النفسية. ووجدت الدراسة بعنوان "التهديدات التي يتعرض لها الذين ينتمون إلى فيسبوك، الاختباء والنبذ"، أن عدم حصول المستخدم على "إعجاب" لمنشوراته، ونقص التفاعل هذا قد يؤدي إلى التقليل من مستوى ثقة المستخدم بنفسه، ومن ثم إصابته بالكآبة.
لا تستغربوا أبداً، من أن يتسبب عدم الإعجاب بمنشور ما لأحدهم في السياق الغربي (الرهيف) بتعاسته وحزنه وكآبته، ولكن الاستغراب، كل الاستغراب، أن لا يحس أحدنا في سياق بيئتنا المحلية بالأمر نفسه، وهو يصادف، كلما فتح عينيه داخل هذا المجتمع الافتراضي، أكواماً من منغصات العيش ومسسببات الإحباط؛ تتوزع على أخبار الموت وصور الدماء وأشلاء الضحايا، ومنشورات الكراهية والازدراء والنميمة، وكل الأمراض النفسية التي فاضت عن الواقع الحقيقي، ووجدت لها حقلا خصبا للتكاثر بشكل أوسع وأفظع. وكأن لهم فيسبوكهم، ولنا فيسبوكنا.

avata
avata
باديس لونيس (الجزائر)
باديس لونيس (الجزائر)