هل هو الحسم بين الرئاستين في تونس؟

07 سبتمبر 2018

السبسي والشاهد.. صراع وحالة اضطراب سياسي (25/6/2018/فرانس برس)

+ الخط -
جاء قرار رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، سريعا ومفاجئا وحاسما، وتضمن إقالة وزير الطاقة والمناجم والطاقات المتجدّدة، وإعفاء المدير العام للمحروقات، والرئيس المدير العام للشركة التونسية للأنشطة البترولية، والمدير العام للشؤون القانونية، من مناصبهم، وإلغاء وجود الوزارة نفسها، وإلحاقها بوزارة الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، في انتظار إعادة هيكلة الوزارة التي تم حذفها ومراجعة سياساتها.
لم يكشف بيان رئاسة الحكومة عن الأسباب الفعلية للقرار، لكن رئيس الحكومة خرج على الناس بتصريح قويّ وواثق، فحواه "لا توجد خطوط حمراء في الحرب على الفساد، وأنا لا أخاف إلا الله ومن الشعب التونسي"، ولينفتح الباب بعدها لجدل واسع بشأن طبيعة الفساد الذي تورّط فيه مسؤولون من الحجم الثقيل في وزارةٍ تشرف على ملفاتٍ تشوبها مؤشرات الفساد وسوء التصرف والمحسوبية والتنازل عن الثروة الوطنية لشركات أجنبية ووكلاء محليين.
الغريب أن الوزير موضوع الإقالة كان واليا على إحدى المناطق جنوب البلاد التي شهدت تحرّكات شعبية واسعة، على خلفية المطالبة بالكشف عن ملفات البترول، وتمكّن من إخماد التحرّكات، ليصعد بعدها إلى سدة الوزارة المكلفة بالملف بكل تعقيداته (وبتكليف من الشاهد)، وليكون خروجه لاحقا باتهاماتٍ حول فساد متوقع في إسناد رخص استغلال حقول بترولية من دون شفافية.
الحكومة التي تفننت في مواجهة حملة "وينو البترول" التي شنّها الشباب التونسي، للمطالبة بكشف ملفات الطاقة، وظلت تصرّ على ندرة النفط في تونس، فضلا عن أن تشوبه ملفات فسادٍ، وسوء استغلال، وجدت نفسها اليوم تستعيد مفردات الشباب المحتج نفسها، ما دفع مواقع التواصل الاجتماعي إلى السخرية من رئيس الحكومة، بالقول "يوسف الشاهد ينضم إلى حملة وينو البترول".
وجاءت ردود الفعل المتواترة على قرارات رئيس الحكومة، تأييدا أو رفضا، لتكشف عن جملة من الملفات المخفية عن الرأي العام، أولها تصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة بأن سبب الإقالة يعود إلى انتباه رئيس الحكومة إلى استغلال مستثمر تونسي امتياز بحث عن البترول في سواحل المنستير من دون رخصة، وهو تصريح يحيل إلى أمرين: أولهما أن رئيس الحكومة آخر من يدري بما يقوم به وزراؤه، أو أنه كان يعلم واستغل الملف في لحظة صراع سياسي، الأمران سيئان، ولا يكشفان عن فاعلية سياسية أو نجاعة في معالجة الملفات. من ناحية أخرى، كشف مؤسس حزب التيار الديمقراطي أن كاتب الدولة في وزارة الطاقة متورّط في طلب ساعة فاخرة من رجل أعمال عراقي، له علاقة بمجال الاستثمار في قطاع النفط. وفي مقابل هذه الاتهامات، كان موقف بعض القوى النافذة رافضا اتهام الوزير المُقال، واعتبار المسألة مجرّد تصفية حسابات سياسية، وممن اتخذوا هذا الموقف قياداتٌ في الاتحاد العام التونسي للشغل، باعتبار أن الوزير المذكور هو نجل أحد قياداته السابقة المعروفة.
على هذا النحو، تفجر الصراع بين مركزي النفوذ في الدولة والقادميْن من حزب واحد، أعني 
رئيسي الجمهورية، الباجي السبسي، والحكومة يوسف الشاهد. حيث تشير مصادر إلى وجود مصالح متبادلة بين أطراف نافذة قريبة من الرئيس وشركات بترولية تعمل في تونس، وهو ما يرجّح فرضية تصفية الحسابات بين رئيسي الحكومة والجمهورية، من دون أن ينفي هذا وجود فساد ورشوة ومحسوبية في ملفٍّ مغلق، كان يتم دوما التستر عليه في العهود المتطاولة منذ استقلال الدولة التونسية. ذلك أن يوسف الشاهد يدرك أن رأسه بات مطلوبا، وأن سعي القوى النافذة المحيطة بالرئيس إلى إطاحته لم يعد مجرّد تخمينات، وإنما هو في حكم الترتيبات المتسارعة. وإذا كان في المرة الأولى قد نجا من عرض حكومته على مجلس النواب، واستطاع نيل الثقة في تعيين وزير داخلية جديد، فإن ما يجري اليوم سعي فعلي نحو إقالته بأي ثمن. ولم يكن غريبا أن يصرّح أحد قيادات حزب نداء تونس (شق حافظ السبسي ابن الرئيس) بأن هناك ترتيباتٍ لدعوة الوزراء التابعين للحزب إلى تقديم استقالاتهم من الحكومة، خطوة أولى نحو إجبار رئيس الحكومة الحالي على الخروج من موقع قوته، أعني استمراره قيّما ووصيا على قصر الحكومة.
صراع الرئاستين في تونس، وحالة الاضطراب السياسي التي يثيرها، يزيدان في تأزم المشهد العام في البلاد. وفي الوقت نفسه، يكشف الصراع الحاد بين المتنفذين السياسيين والاقتصاديين ممن طفوا على السطح، بفعل الضربات المتبادلة بين الرأسين، ما يُنذر بسنةٍ سياسيةٍ ساخنةٍ، بدأت مؤشراتها تتزايد في أفق انتخابات سنة 2019، والتي يحاول عبثا بعض أتباع الرئيس الالتفاف عليها، لتأجيلها قدر الإمكان، لأنها ستكون المدخل الفعلي الذي يقول الشعب، من خلاله كلمته الحاسمة، بما يفضي إلى إبعاد وجوهٍ متسلطةٍ كثيرة على المشهد السياسي الحالي.
B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.