هل تراجعت دولرة الاقتصاد العالمي أمام هجوم بكين وموسكو؟

22 نوفمبر 2018
الدولار يلعب كما يريد في "شطرنج" سوق الصرف (Getty)
+ الخط -

على الرغم من السياسات الانعزالية التي ينفذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب واستخدامه المكثف للدولار كأداة في الحظر الاقتصادي، ومحاولات الصين وروسيا للخروج من عباءة العملة الأميركية وإنهاء "دولرة الاقتصاد العالمي"، إلا أن الورقة الخضراء لا تزال العملة العالمية التي تبني دول وتحطم أخرى. 

لكن هل ستتواصل "دولرة" الاقتصاد العالمي، وإلى أي مدى تقدمت العملة الصينية في إطار رحلة بحث عن نظام مالي ونقدي جديد بديل أو مواز لنظام "بريتون وودز" الذي بني حول الدولار؟

في هذا الصدد، قالت دراسة نشرها 3 اقتصاديين كبار، هم البروفسور إيثان الزيتزكي من جامعة "لندن إسكول أوف إيكونومكس" والبروفسور رين هارت والبروفسور كينيث روغوف من جامعة هارفارد، إن الدولار لا يزال العملة المهيمنة عالمياً، مقارنة بعملات اليورو واليوان.

وحسب الإحصاءات التي استندت إليها الدراسة، فإن 62% من دول العالم تربط سعر صرف عملاتها بالدولار، وأن حوالى 62% كذلك من الدول المتقدمة تقترض بالدولار.

كما لاحظت الدراسة أن العملات التي كان من المفترض أن تنافس الدولار والتي من بينها اليورو والين واليوان، لا تزال بعيدة جداً في مضمار حصتها من الاحتياطات الدولية واستخداماتها كعملة ارتباط صرفي عالمياً أو كعملة اقتراض. 

وتشير الدراسة التي اطلعت عليها "العربي الجديد"، إلى أن اليورو لا يزال بعيداً على الرغم من التقدم الكبير الذي أحرزه خلال سنوات قليلة بعد اعتماد بعض دول الاتحاد الأوروبي لنظام العملة الموحدة.

وحسب الإحصائيات التي تناولتها الدراسة، فإن أقل من 30% من دول العالم تربط عملاتها حالياً بسعر صرف اليورو، كما أن 13% فقط من دول العالم تقترض باليورو مقارنة بحصة 62% للدولار، ووتوزع النسبة الباقية البالغة 25% ما بين عملات أخرى منها الجنيه الاسترليني واليوان الصيني والين الياباني وغيرها.

كما لاحظت الدراسة، أن الدولار يتفوق كثيراً على باقي العملات الكبرى في العالم من حيث نسبته في احتياطات البنوك المركزية من النقد الأجنبي، إذ إن حصته فاقت 62% مقارنة بحصة 35% للعملات الرئيسية الأخرى. وقالت الدراسة، "تتواصل هيمنة دولرة الاقتصاد العالمي، على الرغم من انخفاض نسبته في الاحتياطات خلال العام الجاري مقارنة عما كان عليه في السابق".

ويقول تقرير صندوق النقد الدولي الصادر في سبتمبر/ أيلول الماضي، إن حصة الدولار من احتياطات المصارف المركزية في الربع الثاني من العام الجاري انخفض إلى أدنى مستوى منذ عام 2013. وحسب إحصائيات الصندوق، فإن حصة الدولار من الاحتياطات المركزية العالمية انخفضت في الربع الثاني من العام الجاري إلى 62.3% من 62.5% من الربع الثاني. وهذا هو الانخفاض الربعي التاسع خلال عامين ونصف العام.

وحدث هذا التراجع على الرغم من ارتفاع سعر صرف الدولار بنسبة 5% في نفس الفترة من العام الجاري. وفي مقابل تراجع حصة الدولار من الاحتياطات العالمية، كسب كل من اليورو واليوان والين، حيث ارتفعت حصة اليوان من 1.84% إلى 1.4% في الربع الأول من العام الجاري.

وفي السياق ذاته، يعدد تقرير ائتماني العوامل التي تجعل من الورقة الخضراء عملة العالم المفضلة. وحسب تقرير حديث لوكالة موديز للتصنيف الائتماني والخدمات المالية، فإن هنالك عدة عوامل تتفاعل لتجعل من الدولار عملة عالمية موثوق بها مقارنة باليوان أو اليورو أو العملات الأخرى في أسواق الصرف العالمية.

وهذه العوامل لا تعتمد فقط على الحجم الضخم للاقتصاد الأميركي المقدر حالياً بحوالى 20 تريليون دولار أو حجم سوق المال الأميركي المقدر بأكثر من 27 تريليون دولار، ولكن يعود في الأساس إلى الشفافية التي تتمتع بها أسواق الأدوات المالية، سواءً السندات أو الأسهم أو حتى المشتقات الأخرى، كما أن هذه الأدوات يسهل تسييلها ولا تحتاج إلى تأمين مثل العملات.

يضاف إلى ذلك الثقة العالمية في السياسة النقدية التي ينفذها مصرف الاحتياطي الأميركي "البنك المركزي" وقدرة المصارف والأثرياء والتجار على التنبؤ بتوجهات أسعار الفائدة وسعر صرف الدولار. وذلك في مقابل الضبابية والسرية التي تدار بها السياسة النقدية في الصين، ولا يزال الدولار هو العملة المهيمنة على تجارة الصرف والاحتياطات العالمية التي تحتفظ بها البنوك المركزية وعملة الاقتراض المفضلة عالمياً في إصدار الديون، وكذلك العملة التي تفضلها الدول في ربط سعر صرف عملاتها بها.

واستغلّت أميركا هيمنة الدولار في الضغط على منافسيها والحكومات التي تعاديها، لذلك أعلنت دول مثل روسيا، تركيا، إيران والصين عن التّخلي عن الدولار في معاملاتهم التجارية والتعامل بعملاتهم الوطنية كطريقة لتجنُّب الضربات الموجعة للعقوبات والسياسات الأميركية.

وعلى الرغم من المزايا العديدة التي يمنحها الدولار القوي للنفوذ السياسي الأميركي على المدى القصير وربما المتوسط، فإنه على المدى الطويل يهدد موقع أميركا كقوة عظمى، حيث أن الدول الفقيرة والاقتصادات الناشئة التي تعاني من ارتفاع التضخم وزيادة خدمة المديونيات بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار ستبحث عن حماية نقدية خارج عباءة الدولار.

كما أن الدولار القوي يشكّل أزمة بالنسبة للصادرات الأميركية، إذ أنه يضعف من تنافسيتها في أسواق العالم، إذ يجعل البضائع الأميركية التي تباع بالدولار أغلى من منافساتها الأوروبية التي تباع باليورو الرخيص أو السلع الصينية التي تباع باليوان الذي يتراجع يوماً بعد يوم، في وقت يمتنع فيه البنك المركزي الصيني عن دعمه.
المساهمون