هل أراك سالماً منعماً؟

20 مارس 2018
+ الخط -
تمر سبع عجاف على ربيع العرب الذي ما لبث يزهر ياسمينا في بساتينه المجدبة حتى طاف عليها طائف مستبد، راح يغتصب خضرتها ونضارتها ليحيلها إلى يبس كالح ويسرق من الأطفال بسمتهم وهم يضجون على عتبات المستقبل المشرق الذي لاح لهم فاتحا ذراعيه وباسطا رداءه مرحبا بهم أن هلموا إلى غدكم الذي سينسيكم آلام أمسكم ويبدلكم الشقاء نعيما والمهانة كرامة.

في وطني الطريد لا تكاد بقعة من ثرى أرضه الطيبة تهدأ بل لم يزل جبينه ينزف دما ليغمر شموخ محياه فيخفي ملامحه المضيئة ويبدي قتاما لا ينتهي سواده ولا يزول كدره..

قبل أن يحل الربيع كنا نصلي لفلسطين عسى أن يمهلنا الموت حتى نمرغ جباهنا على سرادقات الأقصى أو تلحظ مآقينا حبور الشيخ المنهك الذي أتعبه طول الأمل وأتعسه ظلم المحتل ينزع عن وجهه لثام الحزن فيستدير مقمرا ويستنير بنور الخلاص..


كانت فلسطين وحدها من تبكي وأخواتها حولها يسرين عنها ويخففن وطأة الحزن الجاثم على صدرها القابض على أنفاسها، اليوم لحقت بها سورية وتلتها اليمن ولا تزال ليبيا تستجمع قواها وتلتقط أنفاسها المخنوقة عساها تدرك قطار المستقبل الذي ما برح ينادي بهتاف لا يكل أن أقبلوا إلى صبح قد تاقت سدوله لهمسات الليل المسافرة إلى غير رجعة.

بين أحضان شعبي الشريد لم يزل يغادرنا كل يوم ألف شهيد وشهيد، دمعت مآقي الثكالى وانقطعت أكباد الأيامى وشابت رؤوس اليتامى وما عاد الربيع يزهر من جديد، صمتت حناجر العصافير عن التغريد واستحال عزفها بكاء وعويلا، رحلوا تاركين ذكريات وسط مروج دكتها براميل العميل، ومراجيح لم تبرح تتأرجح رغم عدو الغازي المحتل..

غادروا وطنا ألفوه منذ زمن طويل بعدما تخلوا عن حلو الليالي يعبث بها المستبد الأخرق يجتث آمالا ويزرع شوكا وعلقما، قطعوا بحارا، غرق ربعهم والثلث أكلته الحيتان، هاجروا فاستقبلتهم أيادي الغربة في بلاد العجم بعدما أصبح القريب يرتع في ملكهم ويستقر في أرضهم، تتندى أنيابه شرها لغدر أبناء العم وظلم ذوي القربى وأولياء النعم.

في بلاد العرب تتنهد الأوجاع وتتحسر الأضلاع من طرابلس فنابلس إلى جرابلس فقدس الأقداس، كل يوم لدينا قتيل وأسير ومليون جريح، سئمنا النواح مللنا العزاء، تاقت قلوبنا إلى الأفراح والليالي الملاح، جثم المستبدون على أحلامنا يغتالون كل حلم بريء يقتلون بنات الوسائد وصبايا عذراوات في خُدُرهن يحلمن بأن يزفهن فرسان على أفراس بيض لم يتوانَ المستبد في وأدهم قبل أن يمتطوا صهوات الجياد..

أيها المستبد المختال إلى متى تسلبنا أحلامنا، قد أخذت كل شيء ثمين، قد سرقت كل بسمة، أما روتك دماؤنا، أما أشبعتك أحشاؤنا، ارحل، ارحل، غادر أنت والمحتل، لا تبق لا تظل، لم تزل تسلبنا الأمل، قد فاق مكثك فينا طول الأزل.

وأنت أيها الوطن المغتصب.. أما آن لك أن تحضننا وتطرد من باعوك وتقبر من غزوك، متى نعود إليك فيلتئم الجمع من جديد وتحلق الفراشات فوق الزهور تلاحق طائرات طالما صم أزيزها مسامع من في القبور وأهالت قنابلها التراب فوق من هم تحت الأنقاض يبحثون عن المخرج فلا يجدون منفذا وقد خنق الركام أنفاسهم..

أما آن للسوري أن يسافر إلى اليمن، أما آن لليبي أن يزور عدن، متى يلثم العراقي ثرى غزة ويحضن الفلسطيني جبال لبنان ويحثو الأردني كثبان مراكش، متى يستيقظ البحريني على خرير مياه النيل في الخرطوم، بل متى يصبح للعرب صولة وجولة في هذا العالم المستكين لهيمنة جبابرته..

لن يكون ذلك قبل أن يرحل عنا المستبدون ويحكمنا المقسطون، يوم نستفيق من رقادنا وننفض غبار اليأس والوهن من على قلوبنا التي ترتجف خوفا ونكسر قيود الجهل التي كبلت أحلامنا.. إن غدا لناظره قريب.
8A3EF09B-0AAE-4B61-92EA-2DBD2738F8E1
فريد بغداد

ليسانس علوم سياسية وعلاقات دولية، مهتم بالشأن السياسي والأمني المحلي والعربي.