30 يوليو 2018
الجزائر... مبادرات "الفيل محتاج إلى فيلة"
يحكى أنه في سالف العصر والأوان كان هناك ملكا يعشق الفِيَلة لدرجة لا توصف، فطلب من مستشاره أن يجلب له فيلاً، ولم يكتمل الأسبوع حتى كان الفيل جاثما في حضرة الملك وهو يخطب في شعبه ويملي عليهم شروطا صارمة في أدب التعامل مع ضيفه الجديد، وكان مما جاء في كلامه أنه لا يجوز التعدي على الفيل أو إيذاؤه، وأنّ على أهل المملكة التناوب على إطعام الفيل واستضافته والقيام على شأنه.
ومرت الأيام والناس لا يتجرؤون على منع الفيل من تصرفاته الطائشة خوفا من إغضاب الملك والفيل يعدو على بساتينهم ودورهم ومتاجرهم فيُخلِّف خسائر باهظة ويكلفهم ما لا يطيقونه، فعزم السكان الممتعضون على إيفاد جماعة من أعيان المدينة ليكلموا الملك وليقدموا بين يديه شكواهم صنيعَ الفيل بممتلكاتهم وأرزاقهم.
في حضرة الملك تقدم رئيس الوفد ملتمسا من الملك بنبرة خافتة إجلالا لمقامه وتعظيما لشأنه:
- مولاي الملك: .. الفيل .. الفيل .. الفيل ..
- ما به.. تكلم؛ زمجر الملك بصوت هادر في وجه مخاطبه.
استبد الذعر بالرجل وتملكه الخوف وارتعدت فرائصه، استدار إلى الخلف فرأى أصحابه مطأطئي الرؤوس يرتجفون فرقاً من سطوة الملك.
عندها رفع رئيس الوفد رأسه مجيبا الملك: مولاي .. فِيلُكم المُهاب يحتاج إلى فيلة تؤنس وحدته وتزيل وحشته وتجدد شبابه..
تُذكرنا مساعي هؤلاء الناس البسطاء في هذه القصة الساذجة بما تُقدِم عليه نخبنا الحزبية وشخصياتنا السياسية من مبادرات من المفترض أن يكون الهدف منها حَمل السلطة على إجراء إصلاحات سياسية حقيقية تكفل التنافس الشريف والنزيه بين مختلف الأحزاب والتيارات السياسية على الوصول إلى السلطة والتداول على الحكم في جو تسوده قيم المساواة والعدل والإنصاف والشفافية، والأهم من ذاك تضمن انتقال السلطة من جيل الثورة إلى جيل الاستقلال ما يجنبنا الانسداد داخليا والتدخل الأجنبي في شؤوننا.
غير أن هذه النخب صاحبة المبادرات عودتنا دائما أنه بدلا من أن تتحدث عن هذه الأهداف بشكل صريح ومباشر، وتحاور السلطة حول العراقيل المنطقية التي تحول دون تحقيقها، تصرُّ على اللف والدوران ويتملَّكها الارتباك ويتشتت تركيزها فتختلط عليها الأمور وتدلي قياداتها عقب لقائها بالسلطة وأحزابها بتصريحات عجيبة تجعلك تعتقد أنها كانت تجري مونولوجا وليس حوارا تشاورياً.
حدث هذا بشكل واضح ومثير للانتباه خلال مشاورات الإصلاحات السياسية وتعديل الدستور، حيث أننا لم نشهد تقديم الشيء الكثير في ما يتعلق بإصلاح المنظومة السياسية بما يؤدي إلى تداول حقيقي على السلطة، والذي أساسه تساوي حظوظ جميع التيارات الساعية إلى السلطة، وتشكيل حكومة من الأغلبية البرلمانية يراقبها ويحاسبها ممثلو الشعب وفقا لمبدأ الفصل بين السلطات؛ فتتحدد بذلك الصلاحيات وتتضح المسؤوليات، وتحديد الرؤى والتصورات حول مسألة تسليم المشعل.
لو نعود قليلا إلى قضية المساواة في الوصول إلى السلطة ونحاول تقييمها، هل هي موجودة حقا؟ إذا ما نظرنا إلى حزبي السلطة وخاصة حزب جبهة التحرير الوطني، هذا الحزب بهذه التسمية؛ هل يحقق قيمة المساواة، نحن نعلم جميعا أن كل الشعب الجزائري متعلق بهذا الاسم والشعار التاريخي، وبشكل أو آخر فإن كل فرد من أفراد الشعب مهما كان انتماؤه السياسي مخالفا لمناضلي جبهة التحرير الوطني؛ فمن حقه الاستفادة من المزايا الرمزية والمادية لهذا الاسم، وحيث إنه من غير الممكن تحقيق ذلك ما دمنا نعيش عصر التعددية السياسية؛ فلا أقل من سحب هذا الاسم من الساحة السياسية وجعله ملكا للمجموعة الوطنية ولكافة أفراد الشعب الجزائري وأطيافه، وليس لفئة دون سواها، وليَختر مناضلو الجبهة شعارا آخر وليحتفظوا بخطهم السياسي.
بقاء هذا الإسم في حيازة فئة دون غيرها ليس فقط مشكلة تاريخية تطرح إشكالية مساواة أطياف الشعب الجزائري في التمتع بمزايا رموزه التاريخية، فحزب جبهة التحرير الوطني كان الحزب الوحيد الذي لا يحق لأحد ممارسة السياسة خارج أطره التنظيمية خلال مرحلة ما بعد الاستقلال أو ما يعرف بنظام الحزب الواحد، و بقاء هذا الاسم يعني أننا لا نزال نعيش ملابسات تلك الفترة وذلك النظام.
نفس الشيء بالنسبة لوزارة المجاهدين، ونحن هنا لسنا في مقام الحديث عن حقوق المجاهدين وامتيازاتهم الاجتماعية، فهم يستحقون أكثر من ذلك بكثير، فقد ضحوا وقدموا النفس والنفيس من أجل أن ننعم بالحرية ونتنسّم عبق الانعتاق من ربقة المستدمر الغاشم، وإذا كان على مسألة تسيير وإدارة هذه الحقوق فيمكن ضمها إلى مديرية تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية التي تتولى أيضا شؤون التضامن والأسرة، الحديث هنا هو عن المضمون السياسي الذي تحتويه هذه التسمية، والذي يخوِّل فئة المجاهدين الأحياء -شئنا أم أبينا- حقوقا سياسية هي أشبه بالامتيازات السياسية أكثر من أن نسميها حقوقا، تجعلهم أحقّ من غيرهم، ونعني هنا أجيال ما بعد الاستقلال، في الوصول إلى هرم السلطة والاحتفاظ بها.
لعلّ تكليف الأغلبية المنتخبة بمهمة إدارة الحكم بالإضافة إلى أنها تعتبر وفاءً للإرادة الشعبية؛ فهي الوسيلة الوحيدة لتحميل المسؤولية لجهة معينة وواضحة، هي أيضا تحول دون تمييع الصلاحيات وتعَسُّر المحاسبة والمراقبة، وحتى لا يستفيق الشعب على وقع ضجيج إعلامي وسياسي من قبيل الحديث عن الوجهة التي أخذتها مبالغ مالية طائلة هي حصيلة سنوات من مداخيل المحروقات.
إنّ تضمين المبادرات السياسية المتجهة نحو السلطة وأحزابها بمطالب من هذا النوع وبهذا المستوى كفيل بأن يفتح النقاش الحقيقي على مستوى الطبقة السياسية وفي أوساط الشعب، الذي من شأنه أن يوصلنا إلى حلول لأزماتنا السياسية؛ تضمن عملية تسليم المشعل للأجيال اللاحقة بشكل سلس وفي جو هادئ.
إصرار أحزاب المعارضة على تقديم اقتراحات على شاكلة "الفيل محتاج إلى فيلة" لن يزيد الشعب الجزائري إلا بؤسا، وسيؤدي إلى ترحيل المشاكل ومراكمة الأزمات ما من شأنه أن ينذر بانفجار اجتماعي على غرار ما حدث في 5 أكتوبر/ تشرين الأول 1988، حينها كان الحل في التعددية، لكن يبدو أننا لم نحسن استغلالها وما زلنا كذلك.
ومرت الأيام والناس لا يتجرؤون على منع الفيل من تصرفاته الطائشة خوفا من إغضاب الملك والفيل يعدو على بساتينهم ودورهم ومتاجرهم فيُخلِّف خسائر باهظة ويكلفهم ما لا يطيقونه، فعزم السكان الممتعضون على إيفاد جماعة من أعيان المدينة ليكلموا الملك وليقدموا بين يديه شكواهم صنيعَ الفيل بممتلكاتهم وأرزاقهم.
في حضرة الملك تقدم رئيس الوفد ملتمسا من الملك بنبرة خافتة إجلالا لمقامه وتعظيما لشأنه:
- مولاي الملك: .. الفيل .. الفيل .. الفيل ..
- ما به.. تكلم؛ زمجر الملك بصوت هادر في وجه مخاطبه.
استبد الذعر بالرجل وتملكه الخوف وارتعدت فرائصه، استدار إلى الخلف فرأى أصحابه مطأطئي الرؤوس يرتجفون فرقاً من سطوة الملك.
عندها رفع رئيس الوفد رأسه مجيبا الملك: مولاي .. فِيلُكم المُهاب يحتاج إلى فيلة تؤنس وحدته وتزيل وحشته وتجدد شبابه..
تُذكرنا مساعي هؤلاء الناس البسطاء في هذه القصة الساذجة بما تُقدِم عليه نخبنا الحزبية وشخصياتنا السياسية من مبادرات من المفترض أن يكون الهدف منها حَمل السلطة على إجراء إصلاحات سياسية حقيقية تكفل التنافس الشريف والنزيه بين مختلف الأحزاب والتيارات السياسية على الوصول إلى السلطة والتداول على الحكم في جو تسوده قيم المساواة والعدل والإنصاف والشفافية، والأهم من ذاك تضمن انتقال السلطة من جيل الثورة إلى جيل الاستقلال ما يجنبنا الانسداد داخليا والتدخل الأجنبي في شؤوننا.
غير أن هذه النخب صاحبة المبادرات عودتنا دائما أنه بدلا من أن تتحدث عن هذه الأهداف بشكل صريح ومباشر، وتحاور السلطة حول العراقيل المنطقية التي تحول دون تحقيقها، تصرُّ على اللف والدوران ويتملَّكها الارتباك ويتشتت تركيزها فتختلط عليها الأمور وتدلي قياداتها عقب لقائها بالسلطة وأحزابها بتصريحات عجيبة تجعلك تعتقد أنها كانت تجري مونولوجا وليس حوارا تشاورياً.
حدث هذا بشكل واضح ومثير للانتباه خلال مشاورات الإصلاحات السياسية وتعديل الدستور، حيث أننا لم نشهد تقديم الشيء الكثير في ما يتعلق بإصلاح المنظومة السياسية بما يؤدي إلى تداول حقيقي على السلطة، والذي أساسه تساوي حظوظ جميع التيارات الساعية إلى السلطة، وتشكيل حكومة من الأغلبية البرلمانية يراقبها ويحاسبها ممثلو الشعب وفقا لمبدأ الفصل بين السلطات؛ فتتحدد بذلك الصلاحيات وتتضح المسؤوليات، وتحديد الرؤى والتصورات حول مسألة تسليم المشعل.
لو نعود قليلا إلى قضية المساواة في الوصول إلى السلطة ونحاول تقييمها، هل هي موجودة حقا؟ إذا ما نظرنا إلى حزبي السلطة وخاصة حزب جبهة التحرير الوطني، هذا الحزب بهذه التسمية؛ هل يحقق قيمة المساواة، نحن نعلم جميعا أن كل الشعب الجزائري متعلق بهذا الاسم والشعار التاريخي، وبشكل أو آخر فإن كل فرد من أفراد الشعب مهما كان انتماؤه السياسي مخالفا لمناضلي جبهة التحرير الوطني؛ فمن حقه الاستفادة من المزايا الرمزية والمادية لهذا الاسم، وحيث إنه من غير الممكن تحقيق ذلك ما دمنا نعيش عصر التعددية السياسية؛ فلا أقل من سحب هذا الاسم من الساحة السياسية وجعله ملكا للمجموعة الوطنية ولكافة أفراد الشعب الجزائري وأطيافه، وليس لفئة دون سواها، وليَختر مناضلو الجبهة شعارا آخر وليحتفظوا بخطهم السياسي.
بقاء هذا الإسم في حيازة فئة دون غيرها ليس فقط مشكلة تاريخية تطرح إشكالية مساواة أطياف الشعب الجزائري في التمتع بمزايا رموزه التاريخية، فحزب جبهة التحرير الوطني كان الحزب الوحيد الذي لا يحق لأحد ممارسة السياسة خارج أطره التنظيمية خلال مرحلة ما بعد الاستقلال أو ما يعرف بنظام الحزب الواحد، و بقاء هذا الاسم يعني أننا لا نزال نعيش ملابسات تلك الفترة وذلك النظام.
نفس الشيء بالنسبة لوزارة المجاهدين، ونحن هنا لسنا في مقام الحديث عن حقوق المجاهدين وامتيازاتهم الاجتماعية، فهم يستحقون أكثر من ذلك بكثير، فقد ضحوا وقدموا النفس والنفيس من أجل أن ننعم بالحرية ونتنسّم عبق الانعتاق من ربقة المستدمر الغاشم، وإذا كان على مسألة تسيير وإدارة هذه الحقوق فيمكن ضمها إلى مديرية تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية التي تتولى أيضا شؤون التضامن والأسرة، الحديث هنا هو عن المضمون السياسي الذي تحتويه هذه التسمية، والذي يخوِّل فئة المجاهدين الأحياء -شئنا أم أبينا- حقوقا سياسية هي أشبه بالامتيازات السياسية أكثر من أن نسميها حقوقا، تجعلهم أحقّ من غيرهم، ونعني هنا أجيال ما بعد الاستقلال، في الوصول إلى هرم السلطة والاحتفاظ بها.
لعلّ تكليف الأغلبية المنتخبة بمهمة إدارة الحكم بالإضافة إلى أنها تعتبر وفاءً للإرادة الشعبية؛ فهي الوسيلة الوحيدة لتحميل المسؤولية لجهة معينة وواضحة، هي أيضا تحول دون تمييع الصلاحيات وتعَسُّر المحاسبة والمراقبة، وحتى لا يستفيق الشعب على وقع ضجيج إعلامي وسياسي من قبيل الحديث عن الوجهة التي أخذتها مبالغ مالية طائلة هي حصيلة سنوات من مداخيل المحروقات.
إنّ تضمين المبادرات السياسية المتجهة نحو السلطة وأحزابها بمطالب من هذا النوع وبهذا المستوى كفيل بأن يفتح النقاش الحقيقي على مستوى الطبقة السياسية وفي أوساط الشعب، الذي من شأنه أن يوصلنا إلى حلول لأزماتنا السياسية؛ تضمن عملية تسليم المشعل للأجيال اللاحقة بشكل سلس وفي جو هادئ.
إصرار أحزاب المعارضة على تقديم اقتراحات على شاكلة "الفيل محتاج إلى فيلة" لن يزيد الشعب الجزائري إلا بؤسا، وسيؤدي إلى ترحيل المشاكل ومراكمة الأزمات ما من شأنه أن ينذر بانفجار اجتماعي على غرار ما حدث في 5 أكتوبر/ تشرين الأول 1988، حينها كان الحل في التعددية، لكن يبدو أننا لم نحسن استغلالها وما زلنا كذلك.