هكذا نريد التهدئة

19 يوليو 2014
+ الخط -


يعرف القاصي والداني، الصديق والعدو، أن الأراضي الفلسطينية، بكاملها، تشهد احتلالاً له طبيعة خاصة، فاقت شراسته ودمويته وجرائمه كل تصور وخيال، ليست هذه المعادلة وليدة اللحظة الآنية، إنما هي قائمة منذ 66 عاماً. تشتد وتيرة عنف هذا الاحتلال غالباً، وتفتر أحياناً قليلة، ويطال كل الأرض ومن عليها، وها هي غزة اليوم ضحيته.

منذ أسبوعين، يشهد قطاع غزة عدواناً غير مسبوق، طال كل شيء فيه، حتى إن أحلام الطفولة ديست بآلة الإجرام الإسرائيلي، وسط عجز وصمت رسمي عربي وإسلامي ودولي، وكأن ضمائرهم أمست في راحة. كشف هذا العدوان محاولات تصفية حسابات بعض الأطراف مع غزة، والثأر من الإنسانية والصمود والتضحية.

محصلة آلاف الأطنان من المتفجرات التي ألقتها بشراهة طائرات العدو الإسرائيلي، ومدفعيته وبوارجه، على غزة، أدت إلى ارتفاع حصيلة الشهداء إلى أكثر من 224 شهيداً وما يقرب من 1675 جريحاً، كلهم من الأطفال والنساء والشيوخ العزل الذين لا حول لهم ولا قوة، ناهيك عن تدمير المساجد والمؤسسات الخيرية والنوادي الرياضية وآلاف المنازل.

عزاؤنا الوحيد أن مقاومتنا المباركة كسرت كل تلك المعادلات السابقة على صعيد الردع، بحسن تكتيكها وإعدادها وأدائها البطولي الذي شكل معادلة رعب جديدة، صحيح أنها غير متكافئة، لكنها استطاعت أن تفعل بالكيان المجرم ما لم تفعله جيوش الدول العربية الصدئة جمعاء، حولت دولة الكيان إلى دولة مدن أشباح، شلت فيها كل مظاهر الحياة، وتعطلت كل المرافق الحيوية، أمست بكاملها مهبطاً لصواريخ المقاومة الجليلة.

ببساطة، ضربت مقاومتنا ما بعد "تل أبيب"، ضربت حيفا والخضيرة، وما زال في جعبة المقاومة مفاجآت كثيرة تبشر بها. وبالتأكيد، مشهد الهزيمة والتخبط لقادة الكيان الإسرائيلي لم يرق لكثيرين، فأخذوا بطرح وساطاتهم لوقف إطلاق النار، وهنا، فإن اتفاقاً لا ترضى عنه أرواح الشهداء لن يصمد، والنداء إلى المقاومة أن شعبنا لن يخوض جولات البطولة والتضحية لأجل الرجوع إلى نقطة الصفر، ومطالب شعبنا تدور حول رفض أن يكون موتنا مجانياً، والتهدئة لا يجب أن تكون على مزاج الأطراف الإقليمية، بل على مزاج مصلحة المقاومة. شعبنا يريد تهدئة تليق بأرواح الشهداء، تجني ثمار الأداء البطولي للمقاومة، ترفع الحصار بالكامل عن غزة (البري، البحري، والجوي)، وتنهي معاناة شعبنا المستمرة، نريد تهدئةً تمكننا من الوصول إلى آبار الغاز وحقوله قبالة شواطئ غزة، نريد مطاراً وميناء لنستغني عن معبر الذل، ونريد أسرانا البواسل خارج سجون العدو.

هذه التهدئة لن تنه معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وسيكون لغزة فصول جديدة من العدوان والبطولة، والأهم، دعونا من نداءات الاستغاثة بالعرب والعجم، لأنهم على مدار 66 عاماً خذلونا، وآن لنا، كفلسطينيين، أن نلملم صفنا، ونطهر بيتنا، وأن ننجز وحدتنا، وأن نكف عن سياسة المراهنة على الآخرين، وأن نتفرد لتقليع شوكنا بأيدينا.

CD0FAE1D-3B12-4F3B-90FF-E5796642747D
CD0FAE1D-3B12-4F3B-90FF-E5796642747D
رامي معين محسن (فلسطين)
رامي معين محسن (فلسطين)