الشباب الفلسطيني بعد إتمام المصالحة

19 ديسمبر 2014
+ الخط -

على أية حال، وبعيداً عن حالة التشنج التي تعاني منها فلسطين، على كل الأصعدة، فإنه لا بد من يوم تُتمّم فيه المصالحة الفلسطينية الداخلية، وتُطوى فيه حالة الشرذمة، وتعود الوحدة إلى شطرَي الوطن، وتجري فيه الانتخابات الشاملة بوابة للوصول إلى وحدة النظام والتمثيل الفلسطيني، وإن كنا نتوق، وكل مكونات شعبنا، إلى أن يكون ذلك اليوم قريباً، نظراً لأن كل يوم نتباطأ فيه يكلفنا السنين في معالجة آثاره الكارثية. وفي السياق نفسه، يثور تساؤل ملح وحقيقي في مخيلة الشباب حول واقع ومكانة وطبيعة مشاركتهم وإشراكهم المستقبلية في مراكز صنع القرار، وهل سنرى وجوهاً شابة على مقاعد البرلمان والحكومة المقبلتين؟ بمعنى هل سنكون أمام حالة حقيقية لتمكين الشباب، أم ستكون المرحلة المقبلة بمثابة حلقة جديدة من حلقات مسلسل التهميش والاستبعاد التي يعيشها الشباب اليوم، ولكن، بصيغ جديدة، وبمعنى ثالث، أين سيكون الشباب على سُلم الهرم؟

إن من ينظر لتركيبة مجتمعنا يكاد يجزم بأنه مجتمع شاب وفتيّ، إذ يمثل الشباب فيه ما يعادل ثلث تركيبة المجتمع وفق الاستطلاعات، وهو ما يُعرف بالطفرة الشبابية، ما يفترض أن يكون نموذجاً نابضاً بالطموح، التطور، والأمل، لاعتبارات كثيرة، أولها أن الشباب دائماً ما يُنظر إليهم على أنهم طاقة وإرادة في مجتمعاتهم، ولعل من نافلة القول التأكيد على أهمية الشباب في تقدم المجتمعات المختلفة قاطبةً، الأمر الذي يجعلنا نسلم بضرورة التفكير والتخطيط لجهة الاستفادة من قدرات الشباب وطاقاتهم وإبداعاتهم، بإشراكهم الحقيقي والفاعل، في مراكز صنع القرار في بلدنا، وفي كل المراكز القيادية التشريعية والتنفيذية والمؤسساتية، على حد السواء، وصولاً إلى تشبيب المنظومة الفلسطينية بكل مكوناتها. هذا بالتأكيد، يحتاج من القيادة الحالية إرادةً وعملاً جاداً فورياً ومسؤولاً لإزالة كل العوائق والتحديات التي تحول دون وصول الشباب إلى ما يتطلعون إليه وينشدوه.

ومن العدالة حين الحديث عن الشباب في فلسطين ما لهم وما عليهم، أن نأتي على ذكر أبرز التحديات التي تعترض طريقهم، وتعيق مشاركتهم واندماجهم، فهم يعانون اضطهاداً وتهميشاً، كما يعيشون في جو من توحش البطالة والفقر وانعدام فرص العمل، ولا سيما في أوساط خريجي الجامعات، ما أسس لحالة القلق العارم والخوف من المستقبل وفقر الإحساس بقيمة الحياة، وأدى إلى تراجع حاد في منسوب قيم المواطنة والانتماء لدى الغالبية من الشباب، وفاقم لديهم مشاعر الاغتراب والهجرة، أو الرغبة فيها، حتى أمسى الشباب أشبه ما يكون بشريحة هامشية التأثير هلامية الأبعاد، لا يُقام لها وزن، لا من قريب ولا من بعيد، إلا بما يخدم ويعزز مكانة كل حالم في الوصول إلى الكرسي من الشرائح الاجتماعية الأخرى.

وإزاء هذا الواقع غير السوي، أتوقع أن تستمر حالة التهميش والاستبعاد لشريحة الشباب طويلاً، وسيبقى الشباب مجرد شعاراتٍ، لا أكثر حتى بعد إتمام تنفيذ المصالحة الفلسطينية، وإجراء الانتخابات الشاملة، وترسيخ دعائم الوحدة الوطنية، لأن المرحلة المقبلة بالتأكيد ستكون امتداداً للمرحلتين، السابقة والحالية، والتي شهدنا فيها تهميشاً صارخاً غير مبرر لشريحة الشباب، كيف لا والقاعدة تشير، بوضوح، إلى أن "المقدمات تفضي إلى النتائج بالضرورة"، وأن "البدايات تدلل على النهايات"، وإن كنا نأمل، كشباب، أن تتغير عقلية المسؤولين تجاه قضايانا وتطلعاتنا، وأن تترجم احترامها لنا بتعديل قانون الانتخابات لعام 2005، بحيث يضمن تخفيض سن الترشح ليصبح 25 عاماً للبرلمان، و30 عاماً للرئاسة، بدلاً من 28 عاماً للأولى و40 عاماً للثانية، إضافة إلى إقرار واعتماد نظام الكوتا الشبابية، والتي تلزم كل القوائم الانتخابية بموجبها ترشيح الشباب في قوائمها، بما يعادل نسبتهم في المجتمع، بوابة عملية للخروج من حالة التهميش والوصول إلى عالم التمكين، انطلاقاً من "لا تكرهوا أبناءكم على آثاركم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم".

إن الوصول إلى تلك الحالة التي تُصان فيها تطلعات الشباب، وتُراعى فيها حقوقهم، يتطلب من الشباب، أولاً، الانتصاف لذاتهم وتوحيد صفوفهم وبرامجهم، والسعي نحو تطوير حالة شبابية مطلبية، تمكنهم من استعادة دورهم الفاعل في مواجهة كل التحديات التي يفرضها عليهم الواقع، والتصدي لكل محاولات الاستبعاد والإحباط واليأس، وصولاً إلى المشاركة، عنصراً اجتماعياً فاعلاً، وفرض أنفسهم رقماً صعباً على كل المعادلات والاستحقاقات المقبلة، وفي مقدمتها سباق الانتخابات، على قاعدة أن الماء الراكد يأسن، وأن الحقوق تُنتزع، وأن على المرء أن يحدث بعض الضجيج، حتى يحصل على ما يريد، وأنا مصمم على بلوغ الهدف، لأنه لم يعد مقبولاً، بعد اليوم، أن يبقى الشباب متفرجاً خارج حدود الملعب، مهما كلف الأمر، وكلي أمل أن يصل الصوت.

CD0FAE1D-3B12-4F3B-90FF-E5796642747D
CD0FAE1D-3B12-4F3B-90FF-E5796642747D
رامي معين محسن (فلسطين)
رامي معين محسن (فلسطين)