سيادة القانون والسلم الأهلي

02 نوفمبر 2014
+ الخط -

لمّا كانت البشرية والمجتمعات الإنسانية القديمة، على اختلافها، تعيش عبثاً دونما ضوابط تحكم سلوك الإنسان وتصرفاته فيها، سادت شريعة الغاب، وأمست أمام مشهد غابر، لا تحسد عليه، جراء مخاطر الحروب والنزاعات التي هددت تماسك بنيانها الداخلي، وعرّضتها بمجملها إلى جملة آثار مدمرة على الأصعدة كافة. بالتأكيد عاشت معه الإنسانية تلك الفترة برمتها على قواعد أن "القوة تنشئ الحق وتحميه"، فصار ما صار من مآسٍ، نتيجة تداعيات تلك الحالة، الأمر الذي أنهك قوى الإنسان وأسرته وممتلكاته ومجتمعه، كونه الهدف المستمر لعمليات الانتقام وأخذ القانون بلا رحمة باليد، ما يدلل بقوة على أن العنف ليس ظاهرة حديثة، يعود تاريخها إلى المجتمع الإنساني الأول، كيف لا وأن قابيل قتل أخاه هابيل، ومنذ ذلك اليوم، شهدت البشرية أصنافاً لا تحصر من مظاهر القسوة وموجات العنف والعنف المضاد، فالعنف لا يولِّد إلا عنفاً.

وهو ما يتنافى مع الفطرة السليمة وتعاليم الشرائع السماوية قاطبةً التي تؤكد، في مجملها وبوضوح، على أن الأصل في الحياة احترام الإنسان، والتعايش المشترك والسلم والتسامح وصولاً إلى تعمير الكون أساس الخلق. وأمام تلك المشاهد المؤلمة والدامية، فكر الإنسان جلياً وتوصل إلى قناعة تقضي بضرورة التوصل إلى نواظم تحكم سلوكه، وتهذبه تجاه كل ما يحيط حوله، ويكون لها كامل الأثر في التخلص من المعاناة، جراء نمط العيش القديم واستخدام العنف، وأن يكون من شأنها أيضاً توفير الحياة الكريمة التي يصان فيها كل ما يتعلق بشخصه، كأسرته وماله ومسكنه، ويعترف له فيها بمزاولة جملة الحقوق الإنسانية التي لا يمكن للناس العيش بدونها أسوياء، وهو ما كان فيما بعد، ويدلل على أن القانون وسيادته والإرادة الجمعية وحدهما القادران على تحقيق الهدوء والسلم الأهلي والمجتمعي في كل المجتمعات التي تتوق وتتطلع  إلى الأفضل، ورسم لوحة الأمل في عيون المواطنين، وسيادة القانون هي تأمين حماية حقوق الإنسان وحرياته بالنسبة للأفراد والجماعات بشكل متساو، ومن دون تمييز على أي أساس، كما وتقتضي المساواة بينهم في العقاب بموجب نصوص القانون، وهي، بهذا المعنى، تحمي المواطنين من كل إجراء قهري، أو تعسفي، قد تتخذه بحقهم السلطات أو الحكومات.

أما عن مفهوم السلم الأهلي، فهو نبذ العنف وكل أشكال التقاتل، أو مجرد التحريض عليه، أو حتى تبرير استخدامه، أو نشر ثقافةٍ تعتبر التصادم والتقاتل حتمياً، بسبب حالة التباين والاختلاف، وتحويل مفهوم الحق بالاختلاف إلى إيديولوجية الخلاف، أو، بمعنى آخر، هو يعني العمل الجاد على منع وقوع الحرب الأهلية في المجتمع، وما دون ذلك، أعتقد أنه لا يمكن لأي مجتمع الولوج إلى عالم التنمية والتغيير والاستقرار.

وإذا ما نظرنا إلى رزمة القوانين الفلسطينية، نجد أن نصوصها جاءت تؤكد على نبذ العنف وتجريم اللجوء إليه، وتعزيز سيادة القانون، وترسيخ حالة السلم الأهلي، وصون احترام حقوق الإنسان ... إلخ، وهو ما يفهم من مجموع مواده المختلفة، الأمر الذي يمكن معها أن نكرس حالة القيم الإيجابية في مجتمعنا، بما يخدم الإنسان والتنمية والمجتمع، ويمكننا من خلالها الوصول إلى ما نريد، على اعتبار أن كل حالة سلم أهلي ومجتمعي تتطلب وجود القانون وسيادته، كما وتتطلب حالة من الاستقرار ونبذ العنف. إذن، كما هو واضح، فإن العلاقة تكاملية بين القانون والسلم بمفهومه الواسع.

إن نبذ العنف والفلتان والفوضى بكل أشكالها بحاجة أكيدة إلى رغبة حقيقية صادقة وإرادة قوية من كل أطراف العلاقة في مجتمعنا الفلسطيني، فالمواطن ملزم بنبذ العنف وعدم اللجوء إليه في حسم إشكالياته مع الآخرين، والسلطة السياسية مطالبة بتعزيز حالة سيادة القانون واحترامه، وإنهاء حالة الشرذمة، واحترام حقوق الإنسان وتعزيز مساعي الانتقال إلى الديمقراطية بالحوار والتعددية، وعلى المجتمع بمؤسساته إدراك حقيقة أنهم صمام الأمان الأول، وأن عليهم مسؤوليات جساماً تتمثل في نشر الوعي المجتمعي حول عبثية العنف وتداعياتهما، فالسلم الأهلي والمجتمعي مسؤوليتنا جميعاً، في العقد المقبل، عسانا نحقق مستقبل الحلم لأطفالنا، ومعاً نحو الضغط لجهة اعتماد خطة وطنية إستراتيجية، هادفة إلى تعزيز حالة سيادة القانون والسلم الأهلي في الأراضي الفلسطينية، انطلاقاً من قاعدة أن العيش المشترك الهادئ هو قضية مجتمعنا المركزية التي لا صوت يعلو على صوتها.

CD0FAE1D-3B12-4F3B-90FF-E5796642747D
CD0FAE1D-3B12-4F3B-90FF-E5796642747D
رامي معين محسن (فلسطين)
رامي معين محسن (فلسطين)