اقرأ أيضاً: هدوء في تدمر... و"داعش" يحذر الأهالي من "تجاوز الحدود"
بدأت رحلة الهروب من الموت، بعدما أخبر أحد عناصر القوات الخاصة الجنود، بأن هناك أمر انسحاب شفهياً من المدينة، لتبدأ رحلة جري تستمر خمسة عشر ساعة لنحو مائتي عنصر ممن تركهم النظام بين يدي "داعش"، استطاع معظمهم الوصول إلى مطار التيفور العسكري، فيما سلك العشرات من الجنود طريق تدمر ـ دمشق، ليقع بعضهم إما أسيراً أو قتيلاً على يدي التنظيم، في الوقت الذي قتل فيه داخل المدينة عدد كبير من العناصر التي لم تسمع بأمر الانسحاب الشفهي.
منير. س الذي فضل عدم ذكر اسمه كاملاً، هو عسكري مجند لدى جيش النظام، من مدينة سَلَمية. أنهى خدمته الإلزامية في عام 2012، وتم الاحتفاظ به في خدمة الاحتياط منذ ذلك الحين، بحيث تم فرزه للخدمة على الحاجز الشرقي في مدينة تدمر منذ أكثر من سنة. كان منير أشبه بالهيكل العظمي ولم يكن وزنه يتجاوز الـ 45 كيلوغراماً، حين وصل إلى قريته في ريف سلمية هارباً من معركة تدمر، في حين أكدت أمه لـ"العربي الجديد"، أنه كان يزن نحو 80 كيلوغراما حين غادرها آخر مرة قبل نحو سنتين ونصف السنة.
يروي منير لـ"العربي الجديد" قصة نجاته من تنظيم "داعش"، وتمكنه من الوصول إلى بيته في ريف سلمية، بعدما تخلى عنه النظام، قائلاً: كنا 11 عنصراً على الحاجز الشرقي في مدينة تدمر، وقبل اقتحام "داعش" للمدينة بأربعة أيام كنا نشكل خط الدفاع الأول عن مدينة تدمر، وكنا نرى عناصر التنظيم على مسافة قريبة جداً وننتظر قدوم مؤازرة بأية لحظة. لكن فوجئت في اليوم الرابع بعنصر من عناصر الوحدات الخاصة التابعة للنظام والقريبة منا، يخبرني بأن هناك أمر انسحاب شفهياً لجميع قوات النظام من مدينة تدمر فأخبرت رفاقي على الحاجز، وفوجئنا بأن جميع قادتنا وعائلاتهم قد اختفوا من المدينة، فاتخذنا قراراً سريعاً بالهرب والوصول إلى أية نقطة آمنة، وبدأنا نخبر كل من نعرفه من عناصر تم تركها دون أمر انسحاب.
يتابع منير: "كان المشهد أشبه بيوم القيامة، كل عنصر يبحث عن خلاص فردي من موت محتم يحيط به من كل جانب، قسم من العناصر هربوا إلى طريق تدمر حمص فتم تسليمهم لـ"داعش"، وقسم منهم قتل على الطريق، فيما قررت أنا ومجموعة من نحو مائتي عنصر التوجه نحو مطار التيفور الذي يبعد نحو 75 كيلومترا عن المدينة، لأنني أعلم ان مصيري بشكل خاص هو الموت المحتم فيما لو وقعت بيد التنظيم كوني انتمي للطائفة الإسماعيلية".
ويضيف "استقلينا سيارات كانت لا تزال موجودة، وما أن أقلعت السيارات حتى فوجئنا بوابل من الرصاص لم نعلم مصدره، قتل خلاله عميد كان برفقتنا فتركنا السيارات وبدأنا بالركض. أثناء هربنا داخل المدينة كنا نشاهد عناصر منسية لا تزال في مواقعها، اعتقد أن من لم يهرب منهم قد لقي حتفه حتماً على يد التنظيم"، متابعاً "لقد كان قرار التوجه نحو مطار التيفور بناء على توجيهات من عمي العميد الذي يخدم في المطار، حيث كان يوجهنا عبر الجوال عن الطرقات التي يجب أن نسلكها، كي لا نقع بين يدي التنظيم".
15 ساعة من الركض المتواصل
يستعيد منير قصة هربه من الموت وكأنه يعيشها بكل تفاصيلها من عطش وتعب، قائلاً "كنا نركض بأقصى سرعة، ولدينا شعور بأن الموت قد يداهمنا بأية لحظة، حتى إن بعض العناصر استسلم للموت مرات وقرر البقاء ومواجهة مصيره. وبعدما ركضنا نحو عشرة كيلومترات بشكل متواصل وصلنا إلى ارض زراعية فيها أنابيب مياه كبريتية شربنا منها، وتابعنا ركضنا إلى أن أعيانا التعب، فالمطار لا يزال يبعد نحو ستين كيلومترا عنا. لم يكن من مجال للاستراحة، كما أننا لم نعد نعلم أين وصلت قوات التنظيم، وإن كانت ستلاحقنا وتقتلنا كما فعلت بزملائنا في منطقة السخنة، أم أننا سنتمكن من النجاة بأرواحنا. ويتابع: "بعدما قطعنا نصف الطريق باتجاه مطار التيفور مررنا على راعي غنم أطعمنا قليلاً من اللبن، وفي الثلث الأخير من الطريق، وبعدما أعيانا التعب أكملنا طريقنا مشياً وكل منا يشعر أن حذاءه العسكري قد التصق بقدميه وأصبح جزءاً منهما".
ويضيف "حين وصلنا إلى مشارف المطار كان عمي العميد باستقبالنا، وأمنني بسيارته وأرسلني إلى قريتي في ريف حماة الشرقي، لأنه يعلم بأنه سيعاد تجميعنا وإرسالنا إلى معركة أخرى من المعارك الخاسرة التي نخوضها، دون أدنى إحساس بالمسؤولية تجاه أرواحنا".
يفكر منير الآن بتأمين طريق آمن يتمكن من خلاله من الهرب خارج البلد الذي مل القتال فيه دفاعاً عن ملك آل الأسد.