وبدأ الحديث عن المذكرة السرية عندما شكل الكونغرس لجنة تحقيق لبحث ما إذا كان هناك أي تقصير أو خطأ أو تآمر، من أي جهة أميركية فيما يتعلق بأحداث سبتمبر، وتم تسليم المذكرة للجنة التحقيق بعد أن تمت تغطية الأسماء ومصادر المعلومات الأجنبية الوارد ذكرها في متن المذكرة حماية لأصحابها. وقررت اللجنة في 2004 اعتبارها وثيقة من وثائق التحقيق، الأمر الذي أتاح للباحثين الأميركيين الاطلاع عليها وتناقل مضمونها، قبل أن يتم تصويرها لاحقاً.
ومن المعروف أن المذكرات والتقارير التي تقدمها الأجهزة المعنية لأي رئيس يكتبها، عادة مجموعة من المحللين المميزين، وتتصف كتاباتهم بعناوين واضحة، كما وتبدأ تقاريرهم بأهم نقطة في صلب الموضوع بدون مقدمات أو ديباجات. ثم يتم إسناد كل نقطة أو معلومة مقنعة للرئيس وقابلة للتحقق من صحتها، نظراً لخطورة عمل الرئيس كونه يحمل حقيبة الزر النووي، وقراراته تؤثر في حياة الناس. ولهذا من النادر أن تقدم إليه معلومات مضللة أو غير واضحة، إذ ليس لديه وقت كاف للأخذ والرد المطول في كل موضوع يطرح عليه.
وجميع هذه الشروط وغيرها تنطبق على المذكرة المشار إليها، إذ أنها تبدأ بأهم معلومة في التقرير، وهي أن زعيم تنظيم "القاعدة"، أسامة بن لادن، مصمم على اتباع نموذج رمزي يوسف، العضو في "القاعدة"، وأحد منفذي عملية تفجير مركز التجارة العالمي، لنقل الصراع إلى داخل أميركا. ثم تورد المذكرة أدلة وأمثلة ومعلومات تدعم هذا الاستنتاج، من بينها معلومة منقولة من مصدر سري، نقلاً عن عنصر في تنظيم الجهاد المصري، بأن بن لادن حاول استغلال مقدرة ذلك العنصر على دخول الولايات المتحدة لشن هجوم إرهابي.
وتمضي المذكرة في إيراد أدلة مستقاة من مصادر متعددة علنية وسرية، ومن تحقيقات مكتب المباحث الفدرالية مع معتقلين في قضايا إرهابية سابقة. وتشير المذكرة إلى أن بعض عناصر "القاعدة" يحملون الجنسية الأميركية، وأن هناك مصدراً سرياً للمعلومات أفاد بأن خلية لبن لادن في نيويورك تعمل على تجنيد المسلمين الأميركيين في تنظيمه منذ عام 1998.
ومن أهم النقاط التي احتوتها المذكرة، الإشارة إلى أن معلومة مستقاة من مصدر سري (جرى إخفاء هويته) تفيد أن بن لادن خطط لخطف طائرات أميركية من أجل الضغط للإفراج عن الشيخ الضرير عمر عبد الرحمن، السجين في الولايات المتحدة.
لكن الأخطر من ذلك، فقرة مستقلة مأخوذة من مكتب التحقيقات الفيدرالي، تفيد بوجود معلومات عن أنماط من أنشطة تثير الشبهة لعناصر داخل الولايات المتحدة، تتوافق مع ما يشبه التحضيرات لعمليات خطف أو هجمات من نوع آخر، ومن ضمن الأنشطة المشبوهة عمليات رصد ومراقبة لأبنية تابعة للحكومة الفدرالية في نيويورك.
انتهت المذكرة بالقول إن هناك حوالي 70 ملف تحقيق مفتوح عن أشخاص وعمليات مرتبطة ببن لادن، وأن وكالة الاستخبارات ومكتب التحقيقات يعملان معاً في التحقيق باتصال ورد إلى سفارة الولايات المتحدة في دولة الإمارات، في مايو/أيار 2011، يفيد بأن مجموعة من أتباع بن لادن موجودة داخل الأراضي الأميركية تخطط للقيام بتفجيرات من نوع ما.
إلى هنا انتهت المذكرة التي قيل وقتها إن مستشارة بوش للأمن القومي كونداليزا رايس قرأتها وأهملتها. وبحسب العرف الإداري الأميركي، فإن المحللين لا يجب أن يقولوا لصانع القرار ماذا عليه أن يعمل، وإنما يقدمون له المعلومات ويشخصون المشكلة ويتركون له حرية اتخاذ القرار، أو بتعبير آخر وضع الحلول.
وبما أن المذكرة لا تتحدث مباشرة عن خطف طائرات أو تورد معلومات محددة، فإن الرئيس بوش لم يسعفه ذكاؤه في طلب المزيد من المعلومات، أو إبداء الاهتمام باتخاذ إجراءات احترازية والتوجيه بمتابعة المشتبه بهم داخل الولايات المتحدة. أو ربما أن الرجل لم يشأ أن يفوّت فرصة ثمينة لإيجاد مبرر وشيك لطموحاته الخارجية.
وفي كل الأحوال، عندما تتزايد الأخطاء في اتخاذ القرار، فإن هذا يؤكد ما ذهب إليه بعض المحللين المنحازين لمهنتهم، بأن الخطأ لا يكمن في غياب المعلومة الصحيحة أو في القدرة على استيعابها وتحليلها، ولكن المشكلة دوماً وأبداً تكمن في صانع القرار الذي لا يريد أن يملي عليه أحد من مرؤوسيه الخطوات التي ينبغي عليه اتخاذها.