هجمات بروكسل: فشل أمني ونجم العشراوي ومحمد أبريني متهمان

23 مارس 2016
تحديات كبيرة أمام قوات الأمن البلجيكية (فيليب هوغين/فرانس برس)
+ الخط -


لم ينقضِ وقت طويل على زوال دخان التفجيرات التي ضربت مطار ومترو الأنفاق في العاصمة البلجيكية بروكسل أمس الثلاثاء، حتى بدأت الأسئلة حول هوية المسؤولين عن التفجيرات، ومدى ارتباطهم بالخلية الإرهابية التي هاجمت فرنسا في 13 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، وهل للأمر علاقة باعتقال الشرطة البلجيكية قبل أيام لصلاح عبد السلام، الناجي الوحيد من المجموعة المسلحة التي خططت ونفذت اعتداءات باريس؟ كما برزت تساؤلات عن إمكان الإعداد لهذه العمليات قبل وقت طويل، أم أنها جاءت بشكل سريع ردّاً على اعتقال عبد السلام واكتشاف مخابئ أسلحة هامة؟

هذه الأسئلة والكثير غيرها، تضع تحديات كبيرة أمام السلطات البلجيكية والفرنسية، المُطالَبة بالإجابة عن هذه التساؤلات لتطمين مواطنيها على أمنهم، خصوصاً أن هجمات بروكسل أمس جاءت على الرغم من العمل الاستخباراتي البلجيكي قبل أكثر من سنة، والذي طاول الأوساط "الجهادية"، وخصوصاً العشرات من الشباب الذين عادوا من سورية والعراق، إلا أن هذا الأمر كما يبدو لم يستطع أن يمنع هؤلاء من تحقيق اختراق وتنفيذ اعتداءات.

ترجيحات العديد من وسائل الإعلام أمس حول المسؤولين عن الهجمات، ذهبت نحو شخصين تشتبه الشرطة البلجيكية بمشاركتهما في الهجمات التي ضربت باريس في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، ومن المرجح أن يكونا محور التحقيقات في تفجيرات أمس.

وذكرت صحيفة "تلغراف" البريطانية أن هذين الشخصين هما نجم العشراوي ومحمد أبريني، اللذان لا يزالان هاربين بعد مداهمات الشرطة البلجيكية التي أدت إلى القبض على صلاح عبد السلام، في بروكسل يوم الجمعة الماضي. وتحدثت الصحيفة عن نظرية أن الشخصين قد يكونان شنا هجمات أمس في بروكسل، مفترضين أن استجواب الشرطة لعبد السلام قدّم لها دلائل على مكان وجودهما.

وكشفت الصحيفة البريطانية عن أبرز المعلومات المتوفرة عن هذين الشخصين، فالعشراوي، البالغ من العمر 24 عاماً، يُعتقد أنه كان واحداً من الخبراء الرئيسيين وراء صنع القنابل التي استُخدمت في هجمات باريس، مع اكتشاف حمضه النووي على عدة أحزمة ناسفة تم العثور عليها في "استاد دو فرانس" ومسرح باتاكلان بعد الهجوم. وقد وُجد حمضه النووي أيضاً في وقت لاحق خلال تحقيقات للشرطة في بلدة أوفليه البلجيكية وحي سكاربيك في بروكسل.

اقرأ أيضاً: تأهّب أمني في بريطانيا إثر تفجيرات بروكسل

وأفادت تقارير بأن العشراوي ذهب إلى سورية في فبراير/شباط 2013، ثم عاد إلى أوروبا تحت اسم مزيف هو سطان كيال، واعتاد على السفر إلى المجر في شهر سبتمبر/أيلول الماضي للقاء صلاح عبد السلام ومن ثم الانتقال إلى فرنسا. ويُعتقد بحسب "تلغراف"، أنه تظاهر بأنه من المهاجرين الفارين من النزاع السوري للعودة إلى أوروبا.

أما محمد أبريني، فهو مواطن بلجيكي من أصل مغربي يبلغ من العمر 30 عاماً، وهو صديق الطفولة لعبد السلام، وتمت مشاهدته معه مباشرة قبل هجمات نوفمبر/تشرين الثاني الفرنسية. إذ تم تصويره وهو في محطة وقود على الطريق إلى باريس يقود سيارة "رينو كليو" مستأجرة، استُخدمت بعد ذلك بيومين في هجمات باريس. وبحسب "تلغراف"، سافر أبريني إلى باريس مع قافلة من المسلحين والانتحاريين قبيل الهجمات في العاصمة الفرنسية. وفي الأيام التي سبقت تلك الهجمات، شوهد عبر كاميرات المراقبة في محطة خدمة في شمال فرنسا حيث كان يشتري مشروبات غازية مع عبد السلام ومعه سيارة الـ"كليو" السوداء المستأجرة التي استُخدمت في الهجمات.

وشوهد آخر مرة قبل يوم من هجمات باريس، فيما دوره المحدد في هذه العمليات لا يزال غير واضح. وقال أقارب له إنه كان في بروكسل ليلة حصول هجمات باريس. ويُعتقد أن أبريني انخرط في أوساط الجماعات الراديكالية في سن 18. ولديه سجل لدى الشرطة بتهم المخدرات والجرائم الصغيرة.

وذكرت "تلغراف" أن الشقيق الأصغر لمحمد أبريني، سليمان (20 عاماً) قُتل في سورية في العام 2014 خلال قتاله مع مليشيا إسلامية يقودها عبد الحميد أباعود، الذي قاد هجمات باريس، وقُتل في مداهمة للشرطة في 18 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وأفيد أن أبريني وقبل عام من هجمات باريس، كان قد سافر إلى سورية، كما زار مدينة برمنغهام البريطانية، حيث يُعتقد أن مهاجمي باريس كان لهم لقاءات مع متطرفين في المدينة.

هذه الوقائع تضع تحديات كثيرة أمام السلطات البلجيكية، التي كما يبدو لم تكن متوهمة أن اعتقال صلاح عبد السلام كافٍ لوضع حد لكل التهديدات الإرهابية في البلاد، لأسباب عديدة منها أن إسهامه في اعتداءات باريس لم يكن بدرجة وفعالية مُشارَكة أباعود، الذي قتلته الشرطة الفرنسية في مدينة سان دونيه، في الضاحية الباريسية، ولأن عبد السلام لم يستطع أن ينفذ ما كان مطلوباً منه، أي تفجير نفسه في هدف باريسي. ثم إن فترة الاختفاء التي طالت أربعة أشهر، جعلت صلاح عبد السلام بعيداً عن مراكز القرار. إضافة إلى أن الجماعات الإرهابية لا تتميز ببناء هرمي، يُسهّل الوصول إليه وتفكيكه. كما أن الكثير من الجماعات الإرهابية و"الجهادية" تتمتع باستقلالية الحركة والفعل، وكل هذه المعطيات تجعل المعلومات التي سيُفرج عنها صلاح عبد السلام، الفرنسي الجنسية، غير حاسمة في القضاء على التهديدات الإرهابية.

ومما يزيد من تعقيد الأمور أمام تحقيقات السلطات البلجيكية والفرنسية، أن كل ما قيل عن "الخلية المغربية"، أو "الفيلق المغربي" الذي ضرب فرنسا، لم يكن دقيقاً، إذ إنه يضم جنسيات أخرى (مثلاً عن الانتحاريَين في استاد دو فرانس والعثور على جوازات سفر عربية)، ربما كانت خارج المتابعات والمطاردة. ولعل تصفية الشرطة البلجيكية للجزائري محمد بلقايد، الذي لم يكن موضع مُتابَعة، دليل على أن الكثير من المرشحين للقيام بأعمال إرهابية ليسوا مغاربة حصراً، وبالتالي فإن الخطر يمكن أن يأتي من حيث لا يُحتَسَب. وفي انتظار معرفة الشخص "الانتحاري" في هجمات أمس، فإن القلق لا يزال في ذروته، في انتظار اعتقال أو تصفية محمد أبريني ونجم العشراوي، عدو بلجيكا رقم واحد.

اقرأ أيضاً: المجتمع الدولي يندد بهجمات بروكسل وقادة أوروبا يعتبرونها "حربا"

دلالات