هجمات باريس والمهاجرون إلى أميركا

27 نوفمبر 2015

ناشطون يتضامنون في تكساس مع اللاجئين السوريين (22 نوفمبر/2015(

+ الخط -
ما إن وقعت الهجمات الإجرامية التي استهدفت باريس، في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، حتى سارع مسؤولون كثيرون في الدول الأوروبية، والغربية عموماً، إلى النظر إلى أسهل ضحية، لتحميله وزرها، فكان الاتهام العاجل للمهاجرين، وخصوصاً السوريين منهم، بالضلوع فيها. كما سارعوا أيضاً إلى التفكير في ابتداع طرقٍ، تمنع قدومهم إلى هذه الدول. وإن ثبت أن فاعلي الهجمات ليسوا من المهاجرين الجدد، وحتى ليسوا سوريين، إلا أن الإدارة الأميركية سرعان ما نحت نحو تأكيد ما نفته دائماً، وهو عدم رغبتها في استقبال مهاجرين سوريين على أراضيها بصفة لاجئين، معززة ذلك بقرارات رسمية. فقد أقر الكونغرس الأميركي، يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، قرار تعليق استقبال اللاجئين السوريين والعراقيين، على الرغم من تهديد الرئيس الأميركي، باراك أوباما، باستخدام الفيتو ضده، وعلى الرغم من الحقيقة الأنصع، المعروفة للجميع، وهي عدم استقبال الولايات المتحدة سوى عدد قليل جداً من المهاجرين السوريين، منذ بداية أزمتهم. ومع هذه الحقيقة، ومع ثبات عدم ضلوع سوريين في الهجمات، بعدما تبيّن عدم تورط الشخص السوري الذي قيل إن الشرطة الفرنسية عثرت على جواز سفره في مكان أحد التفجيرات، لا يشير القرار الأميركي سوى إلى تخبط وهستيريا سياسييْن، وقع فيهما المسؤولون الأميركيون بعد التفجيرات، متناسين حقائق كثيرة، أوقعتهم في ما اعتبره محللون أميركيون خطأً، يمكن توصيفه من خلال أسباب كثيرة تعتبر بديهية.
أحد الأسباب أن منفذي الاعتداءات ليسوا مهاجرين جدداً، إذ ثبت أنهم قد ولدوا في أوروبا، وهم على علم بأدق تفاصيل وإحداثيات المناطق التي نفذوا فيها اعتداءاتهم. فالفترة الوجيزة التي وجد فيها المهاجرون السوريون في أوروبا، لا تسمح لهم بالتعرف على محيطهم، أو سلوك طرقات توصلهم إلى أبعد من مناطق سكناهم، فما بالك بقدرتهم على التخطيط، والتجول بدراية وحرية في مناطق، لم تطأها أرجلهم من قبل. وقد عبّر أحد اللاجئين السوريين في أوروبا عن هذا الأمر، على موقع من مواقع التواصل الاجتماعي بسخريةٍ، قائلاً: "يظل واحدنا، وبعد أكثر من عام، على وجوده في بلدان اللجوء، يتلعثم باللغة عندما يطلب من البائع حفاضات لولده، فكيف له القدرة على تنفيذ اعتداءات كتلك، وبكل الدقة التي نفذت بها؟".
من جهة أخرى، يشير محللون إلى ما يتناساه المسؤولون الأميركيون، وهو أنهم سمحوا، منذ
عام 2001، بدخول ما لا يقل عن 750.000 شخص من مناطق نزاع مختلفة في كل أنحاء العالم إلى البلاد بصفة لاجئين. ولم يلاحظ تورط أي منهم في نشاطات أو عمليات إرهابية، منذ ذلك التاريخ. كما لم يلاحظ، أي ملامح نشاط إرهابي على اللاجئين السوريين، أو العراقيين، الذين استقبلتهم العام الماضي، فهم، في غالبيتهم، ليسوا سوى فئات مغلوبة على أمرها، غادرت بلدانها، بعدما خسرت كل ما تملك من سكن وعمل، هاربة من تهديد دائم بموت، تؤدي به كل الطرق في سورية أو العراق إليها.
وإزاء العدد القليل من اللاجئين السوريين، والمقدر بـ400 شخص، الذين استقبلتهم الولايات المتحدة العام الماضي، من ضمن سبعين ألفاً دخلوا أراضيها، فإن الولايات المتحدة تعد قزماً من هذه الناحية، إذا ما قورنت بالدول الثلاث، لبنان والأردن وتركيا، التي تستقبل، مجتمعة، أربعة ملايين لاجئ سوري، على أراضيها منذ سنوات. وهي دول، وخصوصاً لبنان والأردن، تعتبر ضعيفةً، وتعاني من مصاعب اقتصادية، وتتلقى مساعدات من أميركا نفسها لمواجهة تلك المصاعب. كما أنه، وإزاء التمييز، ومنع السوريين والعراقيين دون غيرهم، تناقض أميركا قوانينها في هذا المجال، وتعتبر، والحال هذه، جاحدة من الناحية الإنسانية، هي التي تروج نفسها مدافعة عن حقوق الإنسان، ورافعة لواء الحرية في العالم.
يقع المسؤولون الأميركيون في خطأ تاريخي، هو أنهم بمنعهم لجوء السوريين والعراقيين، ربما يحرمون أنفسهم من أشخاصٍ قد تكون لهم بصماتهم في كل نواحي النشاط الإنساني في البلاد، وخصوصاً النشاطين العلمي والاقتصادي. وفي هذا الصدد، يورد أحدهم مثالاً ظريفاً، هو أنه لو منعت أميركا العالم الألماني ألبرت أينشتاين من اللجوء إليها في ثلاثينيات القرن الماضي، لحرمت نفسها من امتلاك القوة النووية، وتمتع بها الزعيم النازي هتلر، ولتمكّن، بالتالي، من التحكم في العالم بطريقةٍ ليس في وسع أحدٍ تصورها.
على الولايات المتحدة التي تقول إنها ستساهم في حل المسألة السورية، وإنهاء الحرب فيها، المساهمة في تحمل أحد تبعاتها، وتحمل قدر أكبر من المسؤولية، باستقبال أعداد كبيرة من المهاجرين السوريين والعراقيين، لا منعهم من دخول أراضيها، هي التي تستقبل سنوياً عشرات آلاف المهاجرين من كل الجنسيات، وخصوصاً أن الشتاء صار على الأبواب، حاملاً معه عذابات، لم يكن أقلها ما حصل في الأعوام السابقة من تجلد الأطفال حتى الموت في الخيم المحرومة من أي شرط من شروط العيش الإنساني.

46A94F74-0E6B-4FEC-BFDA-803FB7C9ADA6
مالك ونوس

كاتب ومترجم سوري، نشر ترجمات ومقالات في صحف ودوريات سورية ولبنانية وخليجية، نقل إلى العربية كتاب "غزة حافظوا على إنسانيتكم" للمتضامن الدولي فيتوريو أريغوني، وصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.