نعم تعرّضتُ للتحرّش

16 ديسمبر 2016
+ الخط -

أتمنى أن لا أكون قد تأخرت، بفضح المتحرش، لا سيما أنه فُرض علي الصمت طيلة 12 عاماً، خوفاً من "الفضيحة".

ولكن، أخيراً قررت التحدث بالأمر. ليس من باب الانتقام أو نبش ذكريات الماضي، بقدر ما هو اعتراف مني لحماية فتيات أخريات، لا سيما أنه حين فتَحت الموضوع، أخيراً، مع بعض رفيقاتي، كن لهن ذكريات شبيهة تصب معظمها في خانة التحرش، مع تغير الأشخاص والأساليب.

10 فتيات مجتمعات، كان التحرش محور حديثهن. ربما بعد مضي الوقت، أخذنا الأمر بنوع من السخرية. على سبيل المثال، تلك التي كانت ترى أستاذ المدرسة يتحسس الفتيات، كانت تظن أنه يحبهن كبناته. كان يمدّ يده داخل مريول فتيات لم تتجاوز الثامنة من عمرهن، وأمام الجميع. ترى كيف يتذكرن اليوم تلك اللحظات وقد أصبحن أمهات، تقول.

وللعلم بالشيء، فإن التحرش وفقاً للتعريف اللغوي والحقوقي، هو فعل غير مرحب به، أو مضايقة. ووفقاً لتجربتي، هو مشروع اغتصاب للجسد، ينتهك حرمة المرأة النفسية والجسدية.

ما زلت أتذكر الحادثة كأنها اليوم، كان عمري وقتها 17 عاماً، وكان اليوم الأول من تقديم الساعة (نهاية شهر مارس/آذار). كنت كأي يوم أخرج فيه من منزلي الساعة السابعة إلا ربعاً كي أستقل باص المدرسة. غير أنه في ذلك اليوم كان الوقت مائلاً إلى العتمة، وكان عليّ أن أسير في الزواريب حتى أصل للطريق العام، حيث ينتظرني باص المدرسة.

كنت أرتدي مريول مدارس "أونروا"؛ وهو أقرب لزي عامل الباطون. ولم تكن أنوثتي قد اكتملت، كنت أربط شعري، وأحمل حقيبتي المدرسية بعناء. كل هذا الوصف لأبرر، أن الرجل لا يريد محفزاً من المرأة (كما يدعي المجتمع) لكي يقدم على فعلته، فلم أكن "مثيرة" وقتها. غير أن رجلاً في الثلاثين من عمره، اعترض طريقي. أذكر ملامحه كما لو أني أعرفه منذ دهر. كان حنطي الوجه ذا شعر أسود، وكان يرتدي جاكيت حمراء. ظهر أمامي فجأة. قلت له "رجاء أريد أن أمر وأنت تعترض طريقي". كان رده أن أخرج عضوه الذكري، ووضع يده على كتفي.

صدقاً وقتها لم أفهم ما يحدث، لم أستطع أن أتقبل المشهد، وبدأ يخفض يده ويقترب مني.

هي ثوانٍ ولملمت نفسي وعدت من غيبوبة الاستيعاب. ربما كانت عناية إلهية، إذ شعرت أني قوية كفاية لأدافع عن نفسي، صرخت بوجهه وقلت له، إن لم تبتعد سأصرخ وأقتلك، ولكنه لم يبتعد، ووجدت نفسي أصرخ بأعلى صوتي، وأقول "ساعدوني"... وإذ به يهرب.

رغم أنه تلاشى من أمامي، إلا أن قوة الحدث دفعتني للاستمرار بالصراخ، وعدت أدراجي إلى المنزل، وأنا أصرخ وأصرخ، كانت ردة فعلي "هستيرية".

من الصعب أن تشعر الفتاة أنها تُنتهك، وأنها في وضع ضعيف، قد يقوم أحد بلمسها ووضعها في "بروفا" مفاجئة تفتح الباب أمام تجربة هي أقرب للاغتصاب النظري.

كانت أمي لا تزال في المنزل، ولم تذهب لعملها، سمعتني أصرخ فركضت فتحت لي الباب، ودون أن تسمع عانقتني، وبدأت تقول لي اهدئي، أنا معك.


وبعد نصف ساعة، سردت لأمي ما حصل معي، وقلت لها "تعالي معي الآن ربما من يسكن في تلك الزواريب سيتعرف عليه، أنا أذكر وجهه جيداً، أريد أن يقبضوا عليه".


وفعلاً أشهد لشجاعة أمي، مسكت يدي وأخذتني إلى مكان الجريمة وطرقنا باب أحد المنازل، وشرحت أمي الموضوع لربة ذلك المنزل.

وهنا، اغتُصبت فعلاً بنظر المجتمع. إذ كان الرد "أنا عندي شباب هلا يمسكوه ويقتلوه وتجينا مصيبة، وبعدين فيو يقول إن البنت كانت مواعديتو، شو بدك الدم يصير للركب، وتتجرصي".

عُدنا أنا وأمي أدراجنا، لم نتحدث بعدها بالأمر، كأن هناك اتفاقاً ضمنياً أن نسمع نصيحة المرأة، ونلتزم الصمت.


12 عاماً ونحن نلتزم الصمت، بعدها تعرضت لمضايقات في العمل، وبعض الرجال طلبوا إقامة علاقة معي من باب الحرية، وآخرون من باب الالتزام الشرعي؛ لا تسألوني كيف! لأنني إلى الآن لم أجد رابطاً بين "الشرع" و"الزنا". غير أنني كنت أضع حداً لذلك بالرفض، ولكن بعد ذلك أدفن الأمر مكان حادثة السابعة عشرة.


اليوم أنا أنتظر طفلة، وأخاف عليها من تجربة مماثلة، وأخاف أكثر أن تلتزم الصمت. لذا قررت أن أستبق الأمور، وأكسر الصمت، وأقول لها ولكل النساء، نحن الضحية ويجب ألا نخجل ونحمل أوزار الآخرين تحت ذريعة "الفضيحة". "الفضيحة" هي أن نحمي هؤلاء المتحرشين بصمتنا.

صمود غزال
صمود غزال
صحافية فلسطينية لاجئة في لبنان. من فريق موقع العربي الجديد قسم السياسة.