من أراد اغتيال بيروت؟
عندما يلتقي الماضي بالحاضر، تنبثق الذكريات كظلالٍ تستمر في لعبِ دورها في العقل والقلب. في هذا اليوم، نُحيي الذكرى المؤلمة لانفجار مرفأ بيروت الذي ألمّ بأرواح أبرياء وجرح قلوبنا بعمق. نتذكر لحظات الدمار الهائل، وكيف تحوّلت حياة الناس إلى كابوسٍ مروّع في ثوانٍ.
كانت الشمس تُضيء سماءَ بيروت كما العادة، والشوارع كانت تزخر بالحياة والحركة. كان الناس يعيشون لحظاتهم بأمان، من دون أدنى فكرة عن الكارثة التي كانت تنتظرهم. وكما لو أنّ الزمن توقف، جاء انفجار مرفأ بيروت ليعصف بكلّ شيءٍ في طريقه. بين لمحةٍ وأخرى، انقلبت الحياة رأسًا على عقب، وتحولت المنازل والأماكن المألوفة إلى أنقاض.
في تلك اللحظة الفاصلة بين الأمان والكارثة، اندلعت نيران الدمار ولهيبه في كلّ اتجاه. الصرخات والبكاء امتزجت مع صوت الانفجار المدوي. مشاهد تدلّي الشبابيك من على الأبنية المنهارة كأنها أجساد أناس انتحروا. وأصوات تئن وتئن قبل أن تختفي. وعيون مفتوحة على وسعها تستقبل الموت. والناس يبحثون عن ذويهم وأحبائهم بين الركام والدخان. ذكريات يصعب سكبها على الورق، ولكن في كلّ مرة ندرك أنّ الكارثة لم تستهدف فقط الجسد، بل استهدفت أرواحنا.
وبينما ينتظر الناجون وأسر الضحايا بقلوبٍ متألمة نتائج التحقيق، تبرز أرواح الضحايا كنجومٍ مضيئة في سماء بيروت، العاصمة التي أرادوا لها أن تموت.
إنهم لم يرحلوا بل تركوا بصماتهم في قلوبنا، وفي كلّ زاوية من زوايا بيروت المنكوبة. توجد أرواحهم النازفة في كلّ ناجٍ، وتذكرنا بأهمية مواصلة السعي نحو العدالة والحقيقة.
لا يمكن للعقل البشري أن يفهم كيف يمكن لشخص أو جماعة أن تستهدف مدينة بأبريائها بهذا الشكل الوحشي
ويأتي السؤال الذي يهم كلّ مُحب لبيروت، وكلّ من يؤمن بقيم الإنسانية: من أراد اغتيال بيروت؟ من أراد تحويلها من مدينة الثقافة والتاريخ إلى ساحة دمار وخراب؟ هل كانت هذه الكارثة مجرّد نتيجة للإهمال والفساد، أم أنها كانت جريمة ممنهجة لقتل روح بيروت؟ لا يمكن للعقل البشري أن يفهم كيف يمكن لشخص أو جماعة أن تستهدف مدينة بأبريائها بهذا الشكل الوحشي. إنها جريمة لا تُبرّر ولا تُنسى.
إن معرفة الحقيقة حول محاولة فاشلة لاغتيال بيروت، أدّت إلى مقتل أكثر من 218 شخصاً من بينهم المفقودون الذين لم يعثر لهم على أثر، وإصابة أكثر من 7 آلاف آخرين، ضرورة حياة.
الانفجار أو التفجير لم يفرّق بين المواطنين واللاجئين والوافدين. لم يفرّق بين المذاهب الدينية، والأعراق، والتوّجهات الحزبية، والمناطقية. لذلك من حق كلّ ذوي الضحايا، جسدياً ومعنوياً، معرفة الحقيقة من دون تزييف أو تسويف أو تسييس. وإنّ الذاكرة العالقة في أرواح الضحايا تُنادينا لنواصل البحث عن الحقيقة حتى لا تبقى الجريمة دون عقاب ولكي لا يُعاد الاغتيال مرة أخرى.