لعلّنا نفهم!
لماذا لم تستفز صورة الأسير الفلسطيني خليل عواودة، الجموع في العالم الواقعي والافتراضي؟ هذا السؤال لا يملك إجابات مؤكدة لا سيما أن المزاج العام لا يمكن قياسه وفقاً لصورة متداولة أو قصة أسطورية بطلها أسير ناضل أكثر من 172 يوماً مضرباً عن الطعام لنيل حريته. أما على المستوى الإنساني الشخصي، حضرت الأسئلة المرعبة. فكيف يلتصق الجلد بالعظم بقرار ذاتي؟ كيف صبر هذه المدة؟ ما حجم الآلام التي تحمّلها؟ أسئلة كثيرة إجاباتها تكمن في إرادة هذا الإنسان، أو على الأرجح ما تبقى منه.
تشير التقارير الطبية إلى أنه في أول ثلاثة أيام من الإضراب عن الطعام، يستخدم الجسم الطاقة الممتدة من الغلوكوز، وبعد ذلك يبدأ الكبد بمعالجة الدهون في الجسم وتسمى هذه العملية بـ"الكيتوزية". وبعد ثلاثة أسابيع يدخل الجسم في وضع الجوع، وفي هذه الحالة تنقص العضلات والأجهزة الحيوية في الجسم للحصول على الطاقة، وأيضاً يبدأ فقدان نخاع العظم ما يهدد حياة الإنسان.
صحيح أن تجربة العواودة ليست الأولى وسبقه إليها العشرات من الأسرى، ومنهم من خسر حياته كعبد القادر أبو الفحم، وهو أول شهداء الحركة الأسيرة خلال إضراب سجن عسقلان بتاريخ 11 يوليو/تموز 1970، وراسم حلاوة وعلي الجعفري بتاريخ 24 يوليو/تموز 1980 خلال إضراب سجن نفحة، ومحمود فريتخ في إضراب سجن جنيد عام 1984، وحسين نمر عبيدات استشهد بتاريخ 14 أكتوبر/تشرين أول 1994 في إضراب سجن عسقلان، بحسب موقع نادي الأسير الفلسطيني.
الحركة الأسيرة سجلت منذ عام 1967، 26 إضراباً جماعياً عن الطعام، آخرها في الأول من سبتمبر/أيلول الحالي، والذي استمر ساعات قبل أن تتراجع إدارة السجون عن إجراءاتها التعسفية، وتلغي عقوبات كانت مفروضة.
الإلغاء والتراجع من السجّان، أمس الخميس، جاء بعد إعلان 1000 معدة أسيرة أنها خاوية، وترافق مع تضامن شعبي عام في الشارع، ما جعل الاحتلال يرضخ.
ولكن التجارب السابقة الفردية والجماعية تفيد بأن الاحتلال يحاول شراء الوقت حتى آخر ثانية قبل أن يرضخ للمطالب. وهذا يتطلب من الفلسطينيين التكاتف في التحرك للضغط على حكومة الاحتلال داخل فلسطين وخارجها حتى لا يضطر الأسرى إلى الاستمرار في إضرابهم إلى وقت أطول، ويتحولون إلى هياكل عظمية، ويبقوا رغم بقاياهم أسطورة نعجز عن فهمها، ولا نستطيع إلا أن ندندن أغنية سميح شقير "هي هي.. يا سجاني" لعلنا نفهم.
ويُما الموت يطيب وما تنهانِي
هي هي.. يا سجاني