نتنياهو وهرتسوغ.. القاتلان الوحشي والناعم
مع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية في السابع عشر من مارس/ آذار المقبل، تشتد الحملة الانتخابية، وتشتد التدخلات الخارجية فيها، حيث لم يعد خافياً على أحد أن المجتمع الاسرائيلي لم يعد المعني الوحيد بانتخابات الكنيست، بل إن أطرافاً خارجية كثيرة، وأهمها الولايات المتحدة الأميركية والغرب، عموماً، قد أصبحوا لاعبين مهمين في مجرى الحملة الانتخابية في إسرائيل. حيث بات واضحاً أن الإدارة الأميركية الحالية والبيت الأبيض والرئيس باراك أوباما وأطرافاً قوية في الحزب الديمقراطي الأميركي أصبحوا معنيين بإسقاط بنيامين نتنياهو، وإنجاح منافسه يستحاق هرتسوغ، زعيم القائمة الصهيونية التي تشكل تحالفاً من حزب العمل وحزب الحركة، بزعامة تسيبي ليفني. وفي القراءة الصحيحة لخلفية موقف الرئيس أوباما وجماعته من العمل على إسقاط نتنياهو، فإن الخلفية واضحة، وتعود، أولاً وأخيراً، إلى مصالح الولايات المتحدة الأميركية والحزب الديمقراطي، بعدما أصبحت سياسات نتنياهو تعرّض السياسات الأميركية لإحراج كثير في ظل التطورات المتلاحقة في العالم، سواء ما يحدث في المواجهة مع روسيا وإيران، أو في ما يتعلق بالحرب الدولية على ما يسمى الإرهاب وداعش. ولكن الأهم من ذلك كله، أن نتنياهو أصبح لاعباً سياسياً أيضاً في السياسات الأميركية، وخصوصاً في تحالفه الواضح مع اليمين المحافظ، ومحاولته إسقاط الحزب الديمقراطي، ورئيسه باراك أوباما، والعمل على إعادة اليمين والجمهوريين إلى البيت الأبيض.
أما المواقف الغربية، وبالتحديد لبعض دول الاتحاد الأوروبي المعنية هي أيضاً باستبدال نتنياهو وإسقاطه، وإنجاح خصمه المرشح يستحاق هرتسوغ، فهذا أيضاً يعود، أولاً وأخيراً، إلى سياسات بنيامين نتنياهو التي أصبحت تشكل عبئاً عليهم، والتي أدت إلى بلورة سياسات مناهضة للسياسات الإسرائيلية، سواء بزيادة الاعترافات البرلمانية الأوروبية بالدولة الفلسطينية، أو بفرض المقاطعات الاقتصادية والأكاديمية وغيرها على إسرائيل. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن تنامي تلك المواقف المناهضة للسياسات الإسرائيلية لدى الأوروبيين، لم تكن نتاج الجهد الذي تقوم به السلطة الوطنية الفلسطينية، ومؤسساتها فقط، بل كان نتيجة حتمية لرفض الشعوب الأوروبية السياسات العدوانية الإسرائيلية، والتي كان آخرها الحرب التدميرية الأخيرة على قطاع غزة، وما رافقها من مجازر طالت مئات من الأطفال والنساء والشيوخ، وطالت المؤسسات التعليمية والصحية، ومعظم مرافق البنية التحتية الفلسطينية في قطاع غزة، بالتزامن مع انهيار المفاوضات السياسية مع السلطة، والاستمرار المحموم في بناء وتوسيع المشروع الاستيطاني الذي سيقضي على كل فرص التوصل إلى أي حلول سياسية مستقبلية في المنطقة.
ولكن، من الزاوية الفلسطينية، وهي التي ستنعكس عليها نتائج الانتخابات الإسرائيلية بشكل مباشر، فإن الموضوع الفلسطيني، برمته، والعملية السياسية لا تزال هامشية جداً في الحراك الانتخابي، حيث يحاول نتنياهو أن يسيطر الموضوع الإيراني وحماس وموضوع الأمن والمخاطر والتهديدات، وما جرى، أخيراً، على الحدود الشمالية، على الحملة الانتخابية والحراك الانتخابي، على قاعدة أنه الأكثر قدرة على قيادة إسرائيل، في ظل تلك التهديدات. أما منافسوه فيعملون على إبقاء الحراك الاجتماعي والاقتصادي والفجوات الكبيرة بين الفئات الغنية والفئات الفقيرة في المجتمع الإسرائيلي، على قاعدة أنهم الأكثر قدرة على النهوض بالوضع الاقتصادي وتخفيض الأسعار، وخصوصاً أسعار الشقق السكنية. ولا سيما أن سياسات نتنياهو الاقتصادية، المتمثلة بدعم اقتصاد السوق والرأسمالية، هي ما أدت إلى اتساع الفجوات بين تلك الشرائح والفئات.
وبشأن المواقف السياسية لتلك القوائم المتنافسة من القضية الفلسطينية، وخصوصاً في ظل غياب القضية عن الحراك الانتخابي، فليس ثمة فروق جدية وكبيرة بينها، وخصوصاً بين حزب الليكود، بزعامة بنيامين نتنياهو، والمعسكر الصهيوني، بزعامة يستحاق هرتسوغ وتسيبي ليفني. بل إن نتنياهو الأقل سوءاً للقضية الفلسطينية، والأسوأ بالنسبة لمصالح إسرائيل وسمعتها ومكانتها في المنطقة والعالم، بسبب تعامله بلغة الاستعلاء والاستكبار والعنجهية، ليس فقط مع الفلسطينيين والعرب، بل مع الدول الأوروبية، في مقابل التعامل الناعم والدبلوماسي من هرتسوغ وليفني، مع العلم أن القضايا المهمة، كالاستيطان والأمن وعودة اللاجئين والدولة الفلسطينية والقدس، فلا توجد فروق كبيرة بين مواقف الطرفين منها، خصوصاً أن حزب العمل هو من بدأ بناء لبنات المستوطنات الأولى في نهاية الستينات، واستمرت كل حكومات العمل، وكان آخرها حكومة إيهود باراك التي استمرت بالبناء الاستيطاني، وأدت سياساتها إلى انهيار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في كامب ديفيد، وتفجر الانتفاضة الفلسطينية الثانية، في نهاية سبتمبر/ أيلول من العام 2000.
وسيؤدي سقوط نتنياهو في الانتخابات المقبلة، وفوز يستحاق هرتسوغ، إلى الترحيب الدولي، وأيضاً، من أطراف عربية يضحك عليها هرتسوغ، أحياناً، بالحديث عن المبادرة العربية للسلام، والتي لم يبق منها إلا الاسم، بعد زرع الضفة الغربية بمئات ألوف المستوطنين، وإحكام الحصار على مدينة القدس، وغيرها من الإجراءات الإسرائيلية. وهنا، ستبدأ الضغوط الدولية على السلطة الفلسطينية، للعودة إلى المفاوضات السياسية، وستعود إجراءات الانفتاح الإسرائيلي على الغرب، وعلى الإدارة الأميركية، وستتراجع إجراءات المقاطعة الأوروبية لإسرائيل، وستظهر الحكومة الإسرائيلية بأنها حكومة سلام واستقرار، وسيزداد الضغط على الفلسطينيين، وستضطر القيادة الفلسطينية للقبول بالمفاوضات، وسنرى أنفسنا أمام سنوات أخرى لإكساب إسرائيل الوقت اللازم لحسم ما تبقى من الأمور ميدانياً على الأرض، وعند الوصول إلى الملفات الجدية، ستعود الأمور إلى بداياتها، ولن يحدث أي تقدم نهائياً. وبالعكس، سيرى العالم أن الطرفين يتحملان المسؤولية، وليس الطرف الإسرائيلي وحده فقط، وذلك بحكم وجود حكومة سلام في إسرائيل. لذلك، أرى أن المصلحة الفلسطينية تقتضي بقاء نتنياهو بدلاً من نجاح هرتسوغ وليفني، لأن نتنياهو قاتل وحشي متكبّر، بينما هرتسوغ قاتل دبلوماسي ناعم، لأنه ينتمي إلى مدرسة شمعون بيرس، قاتل أطفال قانا، عندما كان رئيساً لحكومة إسرائيل في ربيع العام 1996.