07 ابريل 2022
نتنياهو في الخليل.. أبعد من دعاية انتخابية
على الرغم من تأثير الانتخابات المقبلة على سلوكيات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وسياساته، في ظل ملاحقته بقضايا فساد، ومع أن العامل الانتخابي كان حاضرا في اقتحامه مدينة الخليل أخيرا، كونها معقل النواة الصلبة لقيادة الصهيونية الدينية، إلا أن أغراض جولته في المدينة أكبر وأعمق بكثير من قضية انتخابية، فقد رافق نتنياهو قادة النظام السياسي في إسرائيل، رئيس الدولة، روبين ريفلين، ورئيس الكنيست (البرلمان)، يولي أدلشتاين، ووزراء ومسؤولون كثيرون، ما يؤكد ذلك.
جاءت كلمة نتنياهو أمام قيادة مستوطني الضفة والخليل في ساحة الحرم الإبراهيمي إعادة إنتاج للخطاب المتطرّف لتيار الصهيونية الدينية في الحركة الصهيونية، المبني على الرواية الدينية المزعومة بما يسمّى الحق الديني والتاريخي لليهود في ما أسماها أرض إسرائيل، ووصف الخليل خصوصا بمدينة الآباء والأجداد، مدعيا أن الفلسطينيين حاولوا اقتلاع اليهود قبل حوالي قرن، في إشارة إلى أحداث ثورة البراق قبل 90 عاما ردا على محاولة الحركة الصهيونية في تلك الفترة السيطرة على حائط البراق، واستشهاد وجرح مئات من الفلسطينيين وآخرين يهود.
تكمن خطورة الجولة في البرنامج والمحطات والمضامين، سواء الحرم الإبراهيمي الشريف والمواقع التاريخية والأثرية في تل ارميده والبلدة القديمة في الخليل التي يتجاوز عمرها ستة آلاف عام، وتعتبر المدينة الأكبر مساحة وسكانا في الضفة الغربية، ومعقل الاقتصاد الفلسطيني، كونها المركز التجاري الصناعي الفلسطيني. وقدم المستوطنون مشاريع ستُحدث، في حال تنفيذها، تغييرات في هيكلية الخليل وطبوغرافيتها الكنعانية العربية الإسلامية الفلسطينية، وتغييرات عميقة في التركيبة الديمغرافية والاقتصادية للخليل. وقد أجمع رؤساء الكيان الثلاث على العمل على ضم الخليل، وتحويلها إلى أهم مدينة في إسرائيل.
وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد فرضت إغلاقا محكما على الخليل القديمة، والمناطق التي ستشملها جولة نتنياهو ومن معه، وتم إغلاق المدارس الفلسطينية وإغلاق الأسواق والمتاجر،
فيما انتشر آلاف الجنود الإسرائيليين في المدينة لتأمين الاقتحام، ما يعني أن الأولوية في الحياة والتعليم والعبادات في الخليل لليهود، وليس للفلسطينيين الذين تم منعهم من مغادرة منازلهم في الأثناء. وكانت تلك الإجراءات العسكرية الإسرائيلية رسالة إلى الفلسطينيين في الخليل أنه إذا أردتم مواصلة حياتكم بشكل اعتيادي فلا مجال لكم في الخليل، وما عليكم إلا المغادرة والانتقال إلى الجزء الثاني من المدينة الذي تم تسليمه للسلطة الفلسطينية في عام 1997، بناء على ملحق الخليل في اتفاقية إعلان المبادئ بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل، والتي أبقت السيطرة الإسرائيلية الأمنية والعسكرية والمدنية على البلدة القديمة التي تضم الحرم الإبراهيمي والمواقع والرموز التاريخية والدينية.
وتتوج جولة أركان النظام السياسي الإسرائيلي في الخليل مسيرة تهويد بدأت في عام 1968، حين بنت جماعة غوش إيمونيم الاستيطانية مستوطنة كريات أربع، بدعم من قادة حزب العمل آنذاك، خصوصا إيغال آلون وشمعون بيريس، بعكس إسحق رابين الذي تحفظ على البناء اليهودي في قلب الخليل، لإبقاء فرصةٍ للتسوية مع الأردن، إلا أن الاستيطان في الخليل شهد تصاعدا بعد عام 1977، بعد وصول اليمين إلى الحكومة برئاسة مناحيم بيغن، الأمر الذي تمت تسميته انقلابا، بعد ثلاثة عقود من حكم حزب العمل. وتم استغلال وجود اليمين في الحكومة لزيادة الاستيطان ومصادرة مبان ومؤسسات ومواقع، خصوصا مدرسة أسامة ومحطة الباصات المركزية وسوق الخضار والمقبرة، والذي تبعه تقسيم الحرم الإبراهيمي زمانيا ومكانيا، وإغلاق شارع الشهداء الرئيس، وإغلاق كل مداخل البلدة القديمة بعد مجزرة المجرم باروخ غولدشتاين في صلاة فجر الجمعة الثانية من رمضان للعام 1994، واستشهاد 29 فلسطينيا وإصابة أكثر من 150. واستمرت إجراءات التضييق على المدينة لتحويلها إلى بيئة طاردة للفلسطينيين، وتم تتويج تلك الإجراءات قبل شهور، حين قرّرت حكومة نتنياهو منع تمديد عمل أفراد المراقبين الدوليين في المدينة، مقدمة لفرض السيادة اليهودية عليها، كما جاء في كلمات نتنياهو ومن رافقوه في الجولة.
الاقتحام الإسرائيلي للخليل، وإقامة احتفال رسمي في ساحة الحرم الإبراهيمي، يعني أن النظام
السياسي الإسرائيلي برمته قرّر فرض الرواية الدينية اليهودية بشأن المدينة على سكانها الأصليين، وتعميق المركب الديني في الصراع، ونقل الاستيطان اليهودي في الخليل من التسلل والاغتصاب والتزوير إلى الشرعية اليهودية، خصوصا وأن رئيس الكنيست يزور منزلا فلسطينيا اقتحمه مستوطنون قبل شهور وطردوا أصحابه الفلسطينيين. ويعني هذا الأمر وغيره أن إسرائيل لم تعد تتعامل مع البلدة القديمة للخليل مدينة فلسطينية محتلة، بل جزءا من إسرائيل، ولا فرق بينها وبين تل أبيب. وقد قالت الوزيرة الليكودية، ميري ريغيف، في أثناء الجولة، إن ضم الخليل لإسرائيل سيحمي تل أبيب. وبذلك تكون إسرائيل قد أخرجت الخليل من الحسابات التفاوضية، وأنها التي تحدّد مستقبل المدينة، وليس المفاوضات ولا قرارات الأمم المتحدة ولا منظمة الأمم المتحدة للثقافة والتربية والتعليم (اليونسكو) التي صنفت الخليل ضمن المواقع التراثية.
يعد يوم الرابع من سبتمبر/ أيلول الحالي، إذن، محطة مهمة في مشروع سلخ مدينة الخليل عن جسدها الفلسطيني الجغرافي والسكاني والسياسي، كما حدث مع مدينة القدس، وفرض السيادة اليهودية عليها فعليا، قبل تمريره "قانونيا" في الكنيست. في المقابل، بدا رد السلطة الوطنية الفلسطينية والفصائل دون المطلوب، باستثناء انطلاق تكبيرات "الله أكبر" من المساجد في أثناء الاقتحام. وكان متوقعا أن تدعو السلطة والفصائل الوزارات والدوائر والجماهير إلى الزحف باتجاه الخليل، وتأدية الصلوات، في يوم الفعلة الإسرائيلية العدوانية، في الحرم الإبراهيمي الشريف، حيث لا يعقل أن تتم مواجهة الإجراءات الإسرائيلية بالتحذير من الصراع الديني، والتقليل من خطورة الجولة واعتبارها قضية انتخابية، من دون القيام بخطوات فعلية في مواجهة الخطر الكبير الذي يهدّد الخليل.
تكمن خطورة الجولة في البرنامج والمحطات والمضامين، سواء الحرم الإبراهيمي الشريف والمواقع التاريخية والأثرية في تل ارميده والبلدة القديمة في الخليل التي يتجاوز عمرها ستة آلاف عام، وتعتبر المدينة الأكبر مساحة وسكانا في الضفة الغربية، ومعقل الاقتصاد الفلسطيني، كونها المركز التجاري الصناعي الفلسطيني. وقدم المستوطنون مشاريع ستُحدث، في حال تنفيذها، تغييرات في هيكلية الخليل وطبوغرافيتها الكنعانية العربية الإسلامية الفلسطينية، وتغييرات عميقة في التركيبة الديمغرافية والاقتصادية للخليل. وقد أجمع رؤساء الكيان الثلاث على العمل على ضم الخليل، وتحويلها إلى أهم مدينة في إسرائيل.
وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد فرضت إغلاقا محكما على الخليل القديمة، والمناطق التي ستشملها جولة نتنياهو ومن معه، وتم إغلاق المدارس الفلسطينية وإغلاق الأسواق والمتاجر،
وتتوج جولة أركان النظام السياسي الإسرائيلي في الخليل مسيرة تهويد بدأت في عام 1968، حين بنت جماعة غوش إيمونيم الاستيطانية مستوطنة كريات أربع، بدعم من قادة حزب العمل آنذاك، خصوصا إيغال آلون وشمعون بيريس، بعكس إسحق رابين الذي تحفظ على البناء اليهودي في قلب الخليل، لإبقاء فرصةٍ للتسوية مع الأردن، إلا أن الاستيطان في الخليل شهد تصاعدا بعد عام 1977، بعد وصول اليمين إلى الحكومة برئاسة مناحيم بيغن، الأمر الذي تمت تسميته انقلابا، بعد ثلاثة عقود من حكم حزب العمل. وتم استغلال وجود اليمين في الحكومة لزيادة الاستيطان ومصادرة مبان ومؤسسات ومواقع، خصوصا مدرسة أسامة ومحطة الباصات المركزية وسوق الخضار والمقبرة، والذي تبعه تقسيم الحرم الإبراهيمي زمانيا ومكانيا، وإغلاق شارع الشهداء الرئيس، وإغلاق كل مداخل البلدة القديمة بعد مجزرة المجرم باروخ غولدشتاين في صلاة فجر الجمعة الثانية من رمضان للعام 1994، واستشهاد 29 فلسطينيا وإصابة أكثر من 150. واستمرت إجراءات التضييق على المدينة لتحويلها إلى بيئة طاردة للفلسطينيين، وتم تتويج تلك الإجراءات قبل شهور، حين قرّرت حكومة نتنياهو منع تمديد عمل أفراد المراقبين الدوليين في المدينة، مقدمة لفرض السيادة اليهودية عليها، كما جاء في كلمات نتنياهو ومن رافقوه في الجولة.
الاقتحام الإسرائيلي للخليل، وإقامة احتفال رسمي في ساحة الحرم الإبراهيمي، يعني أن النظام
يعد يوم الرابع من سبتمبر/ أيلول الحالي، إذن، محطة مهمة في مشروع سلخ مدينة الخليل عن جسدها الفلسطيني الجغرافي والسكاني والسياسي، كما حدث مع مدينة القدس، وفرض السيادة اليهودية عليها فعليا، قبل تمريره "قانونيا" في الكنيست. في المقابل، بدا رد السلطة الوطنية الفلسطينية والفصائل دون المطلوب، باستثناء انطلاق تكبيرات "الله أكبر" من المساجد في أثناء الاقتحام. وكان متوقعا أن تدعو السلطة والفصائل الوزارات والدوائر والجماهير إلى الزحف باتجاه الخليل، وتأدية الصلوات، في يوم الفعلة الإسرائيلية العدوانية، في الحرم الإبراهيمي الشريف، حيث لا يعقل أن تتم مواجهة الإجراءات الإسرائيلية بالتحذير من الصراع الديني، والتقليل من خطورة الجولة واعتبارها قضية انتخابية، من دون القيام بخطوات فعلية في مواجهة الخطر الكبير الذي يهدّد الخليل.