موسم عودة المهاجرين إلى الأوطان..الأزمات تجهض الحنين

05 يوليو 2015
عودة المهاجرين المغاربة خلال الصيف طقس سنوي(Getty)
+ الخط -
العائلات في شوق جارف للسفر إلى بلدانها الأصلية. ذلك جلي على وجوه كثير من المغاربيين الذين التقتهم "العربي الجديد" في أسواق شعبية بباريس. ويزداد الحنين عند المسنين منهم والصغار أيضا، ولكن هذا الحنين يخفت لدى الشباب والمراهقين.
فاطمة، وهي سيدة مغربية في الخمسين من عمرها، أكدت أنها لن تغير من عاداتها في السفر للمغرب ورؤية الأهل هناك، ولكن سمير، ابنها، وهو في العشرين من عمره، قال إنه يفكر في السفر إلى ماليزيا أو تركيا، وإنه يعرف المغرب بما يكفي، إذ زاره مرات عديدة. ويبدو أن هذا الاتجاه للسفر إلى بلدان إسلامية، ولو قصيّة، أصبح ظاهرة لدى الجيل الثالث من الهجرة، ليس فقط في فرنسا وإنما أيضا في بلجيكا وهولندا، وتلعب موجات العنصرية وكراهية الأجانب، التي تعرفها المجتمعات الغربية، من حين لآخر، دورا في تعزيزه.
الكثير من المهاجرين الذين تقاعدوا أو الذين يعيشون بمفردهم في فرنسا غادروا إلى بلدانهم من أجل قضاء شهر رمضان الكريم مع ذويهم، وهؤلاء غالباً ما يقضون 5 شهور من كل سنة في بلدانهم ويعودون من أجل حل قضاياهم الإدارية وإنجاز استشارات طبية لا غنى عنها.
وإذا كان عامل الأزمة الاقتصادية حاضرا لدى هذه الأسر، خصوصا وأن أعلى مستويات البطالة توجد بين أبناء المهاجرين، إلا أن الليبرالية التي تعرفها وسائل النقل الجوي في المغرب وتونس تخفف كثيرا من الأعباء، فمواطنو البَلَدَين والسياح، أيضا، يتوفرون على فُرَص السفر بأثمان زهيدة، وهو ما يدفع الكثير إلى عمل حجوزات قبل شهور عديدة. والمشكل لا يضرب سوى المواطنين الجزائريين، الذين ينظرون إلى جيرانهم المغاربة والتونسيين بكثير من الغيرة. كما لا يجب إغفال أن المغاربة يتمتعون بوجود شبكة نقل كثيف بالحافلات، وهو يشجعهم على السفر، إذ تتراوح أسعار الحافلة ما بين 60 يورو و140 يورو حسب المواسم والمناسبات، التي تنقلك من باريس، وكذلك من مدن أخرى، إلى أقصى الجنوب المغربي.


التونسيون: زيارة الوطن رغم الإرهاب

محمد، صاحب كشك للصحف، وهو تونسي، في منطقة "بورت دي تالي"، المقاطعة الباريسية 13، يؤكد أنه وحتى في ظل الاعتداءات الإرهابية، التي شهدتها تونس، فإنه لا يوجد شيء سيمنعه من كسر هذه العادة في زيارة الوطن والأهل، وإذ عبّر عن حزنه على الضحايا الأبرياء يلغون زياراتهم لتونس، وهو ما سيعود سلبا على عائلات تونسية بأكملها تعيش من السياحة، أكّد لنا أن "التوانسة لن يغيروا أبدا من عاداتهم، لأن فرقة ضالّة قررت تخريب البلد. ثم إن الأعمار بيد الله!" واعترف بأنه حجز بطاقة السفر له ولعائلته قبل أربعة أشهر، وحينها "كان من الصعب تحصيل البطاقات"، ولم يُخف ثقته بأن كثيرا من مواطنيه سيزورون بلدهم في نوع من التحدي للإرهاب، و"انتصارا لثورته".
محمد زروليت، رئيس فدرالية الجمعيات المغربية في فرنسا، أكد لـ "العربي الجديد"، بصدد المحفزات التي قد تغري فئات من المنحدرين من الهجرة لزيارة بلد الآباء والأجداد، قائلا: "ليس من المبالغة القول إن الظروف في تحسن في ظل حكم الملك محمد السادس، الذي يحرص أحيانا على الحضور لاستقبال رمزي لمواطنيه. كما أن إجراءات الاستقبال عرفت كثيرا من التحسن، ولوحظ اهتمام أكبر بالشباب، الذي قد يعزف عن زيارة المغرب إذا لم يكن راضيا عن ظروف الاستقبال."
ولا يفوت محمد زروليت من التذكير بالحالة الفريدة التي يعرفها المهاجرون المغاربة، من حيث تكريس الدولة وزارةً لهم وأيضا مجلسا لمغاربة الخارج، وهو ما يؤكد على الأهمية التي يوليها المغرب لأبنائه، إلا أنه يرى أنه "رغم وجود هاتين التمثيليتين، وفي ظل غياب تمثيلية برلمانية لمغاربة الخارج، فإن كثيرا من القضايا ستنتظر وقتا طويلا لمعالجتها". وتساءل عن السبب الذي يجعل مجلس مغاربة الخارج لا يفكر بالقيام بدراسات استباقية لظاهرة خفوت حماس أبناء الجيل الثالث لزيارة وطن الأجداد. "توجد بيروقراطية متأصلة، يوجد فساد. هذه حقيقة. كما أنه يلاحظ غياب مخيمات قادرة على استقبال هؤلاء الشباب لتحصينهم من الإرهاب وتحسيسهم بقضايا الوطن".


ما باليد حيلة
كما أن ظروف المهاجرين تختلف ما بين فرنسا وهولندا وبلجيكا وحتى ألمانيا من جهة، وإسبانيا وإيطاليا من جهة ثانية. فالهجرة إلى إيطاليا وإسبانيا، في القسم الأكبر، حديثة العهد، وهو ما يجعل ظروف هؤلاء العمال بالغة الهشاشة، خصوصا وأن الأزمة الاقتصادية كانت قوية على إسبانيا، ويكفي أن نورد كمثال أن 50 في المائة من بين 800 ألف مهاجر مغربي متواجد في إسبانيا عاطلون عن العمل، وهو ما يجعلهم يترددون على المغرب في كل لحظة، نظرا للقرب الشديد وأيضا لأن الغالبية العظمى منهم تنحدر من الأقاليم الشمالية.
من النادر جدا أن تجد مهاجرا مغاربيّا يعزف عن السفر لبلده، لأن السفر محطةٌ ضرورية للتوازن النفسي والعاطفي والروحي لهؤلاء المهاجرين (يشتغلون 11 شهرا من أجل التمتع بشهر واحد!)، بل إن الأزمة الاقتصادية، التي تعصف بإسبانيا وإيطاليا، هي التي تدفع الكثيرين للعودة لبلدانهم.
وإلى جانب تلك الأسباب الاقتصادية التي يعاني منها عموم المهاجرين العرب في أوروبا في عام 2015، فإن المشاكل الأمنية تضاف إلى رزمة العوائق التي تحول دون عودة الكثيرين منهم.
يقول لطفي قميري وزوجته:" نحن نريد أن نسافر، ورغبتنا أن نأخذ أطفالنا معنا ليروا بلادهم. لكن التخوف من الأوضاع غير المستقرة في بلادنا، إلى جانب الوضع الاقتصادي يقفان عائقا أمام ترددنا لهذا العام. ونخشى أن تكون ردة فعل سلبية على أطفالنا مما سيعيشونه في تونس نتيجة ذلك الوضع المتوتر".
وبخلاف السنوات الماضية يقول مصطفى نجمة، وهو من الجمعية المغربية في هامبورغ:" كنت آخذ عائلتي في السيارة للعبور بالباخرة من إسبانيا، لكن هذا العام لن يكون ذلك ممكنا للأسف"، بينما غيره يقول إنه سيجد بطاقة طائرة "تشارتر" من هامبورغ ليقضي أيام رمضان الأخيرة وأيام العيد مع الأهل وهو ما يريد محمد عبد السلام فلاحي فعله بعد أن تقدم بإجازة آخر 10 أيام من شهر رمضان في المصنع الذي يعمل فيه.
لا يختلف حال المغاربة في أمستردام عن غيرهم، فمنهم من يحبذ هذا العام أخذ إجازة العيد كونها تأتي في ذات وقت العطلة الصيفية، وكما يقول مصطفى بن التيجاني، وهو يعمل سائق تكسي: "يتعلق الوضع بالأمور الاقتصادية، بعض المغاربة سيسافرون إذا كانوا يملكون منزلا في المغرب ووفروا شيئا للإجازة. ولكن البعض الآخر، وخصوصا من لديه تكاليف مدارس خاصة للأطفال يصعب عليه السفر هذا العام. لي أصدقاء غير متزوجين وهؤلاء يمكنهم السفر بسهولة كونهم يستفيدون من رحلات سياحية".

في إسبانيا: حتى إشعار آخر

تحتل الجالية العربية المغربية المرتبة الثانية من بين أكبر الجاليات الأجنبية. وتعتبر من أقدمها، مثلاً في برشلونة وحدها حسب الإحصائيات المعلنة من جانب الحكومة المحلية لبرشلونة، فإن تعداد المغاربة يبلغ 300 ألف. وبالتأكيد إن ما تعانيه إسبانيا في السنوات الأخيرة من تشنجات الأزمة الاقتصادية، يؤثر على أكبر الجاليات العربية "المغربية".
تحدثت "العربي الجديد" مع بعض المهاجرين المغاربة، منهم محمد صدقي (31 عاماً)، الذي قال: "إن الأزمة الاقتصادية، فتكت بالكثير من الجالية المغربية، حتى بات السفر صعباً على المغاربة لقضاء العيد، في المغرب، وأول تلك الأسباب، الأجور التي باتت متدنيّة في السنوات الأخيرة، وللسفر مصاريفه التي من الممكن أن نتخيلها". مسألة عقود العمل والأجور(المتراوحة بين 600 و 1200 يورو) التي يتم التلاعب بها من قبل أرباب العمل، ولا سيما ساعات العمل، ليست العائق الوحيد رغم تأثيرها الحاد، بمعنى أن هناك شروطاً اجتماعية محددة فرضها الاغتراب.

طاحونة الأحداث لا ترحم
خالد ترعاني يقول: "نفسياً بصراحة أقولها لسنا جميعاً مرتاحين، خصوصاً القادمين من لبنان وسورية والعراق، لنفكر كثيراً بالصيف والإجازات. الوضع المؤلم في بلادنا ينعكس علينا، انشغالات الأغلبية تنصب على مساعدة الأهل والأقارب. وحتى المقتدرون يواجهون مشكلة في السماح لأنفسهم برحلات سياحية، بينما هناك أناس يعيشون ظروفاً قاهرة نتيجة الحرب والخوف من الانفلاتات الأمنية في لبنان".
من جانب آخر، يضيف خالد السعدون من العراق إلى ما قاله ترعاني: "كنا نسافر في السابق عبر تركيا إلى شمال العراق، اليوم الوضع ليس كما في السابق. هناك من يسافر مباشرة إلى بغداد لقضاء بضعة أيام. لكن لن نرى القوافل السياحية كما في الأعوام السابقة، خصوصاً مع تأزم الحال في بلدنا".
آثر الكثير من العوائل العربية التي تحدث "العربي الجديد" إليها تبادل الزيارات مع أقارب لهم في الدول الاسكندنافية وفي ألمانيا وبعض دول الاتحاد الأوروبي. وهؤلاء يأملون أن يكون الصيف القادم، أو حتى العيد القادم أفضل حالاً ليعاودوا السفر من جديد مع أطفالهم لتعريفهم على أصولهم، وزيارة أقاربهم في دول المشرق العربي، فهذا قد يكون أفضل عزاء وسلوى في ظل الظروف الراهنة الصعبة.

عطلة مضروبة
يترافق شهر رمضان مع موسم العطلة الصيفية في هذا العام في عدد من دول الاتحاد الأوروبي، وعادة ما يؤجل عدد من أبناء الجاليات العربية والإسلامية إجازة الصيف إلى نهاية الشهر الكريم، إذ يفضل عدد لا بأس منهم السفر وقضاء إجازة العيد في موطنه في شمال أفريقيا أو المشرق العربي، ولكن هذا العام ولعوامل عديدة منها الأزمة الاقتصادية والظروف السياسية غير المستقرة في بلادهم يفضل أبناء الجاليات العربية، خاصة المغاربية قضاء إجازاتهم في بلد المهجر.
هذا ما قاله الشاب محمد من الجالية المغاربية مقيم في مدينة بيروجيا الإيطالية، وهو عامل في مطعم، عندما سألناه عن إجازته هذا العام، إذ قال إنه يفضل البقاء في إيطاليا وتوفير تكاليف السفر في ظل الأزمة التي تعاني منها دول الاتحاد الأوروبي بشكل عام وإيطاليا بشكل خاص، وقضاء إجازته القصيرة في إيطاليا بدلاً من الذهاب للمغرب هذا العام، بالرغم من الشوق والحنين لرؤية أهله وأصدقائه.
أما سميرة، وهي تونسية تعمل معلمة للغة العربية، وهي أم لولدين، في مدينة ميلانو فهي تصف لنا الاختلاف الواضح في أجواء العيد بين إيطاليا وتونس، وتتحدث عن الحنين لقضاء إجازة العيد مع عائلتها وتحمل في صوتها نبرة الشوق لتونس وأجوائها الرمضانية وكذلك أجواء العيد المميزة.
إلا أن جهود الجالية التونسية ونظيراتها من الجاليات العربية لخلق حالة من الفرح والبهجة في العيد تعوض نوعاً ما البعد عن الوطن والأهل، إذ يتم تنظيم صلاة العيد في صالة رياضية كبيرة ويجتمع عدد من أبناء الجاليات لإحياء مناسبة العيد.
وبكلمات يعتصرها الحزن والألم لما حل ببلده ليبيا التي مزقتها الحرب وخنقت فرحة العيد وفرحة الإجازة الصيفية يقول أحمد بأي حال عدت يا عيد، وهو مواطن ليبي مقيم في العاصمة الإسبانية مدريد، ويعمل في تجارة السيارات، فهو لم ير ذويه منذ عامين، وأمنيته أن تعم الرحمة على قلوب الليبيين ويعود السلام والاستقرار، ويصف بعده عن ذويه بأنه قاسٍ ومؤلم وأن هذا العيد سيكون الثاني من دون أن يقبل صباحاً يدي والديه، إذ إنه لا يستطيع أن يسافر هذا العام لمدينته درنة بسبب الوضع الأمني.
وعند سؤالنا الطفل سالم من مصر عن الفرق بين العيد في إسبانيا والعيد في مصر، أجاب وببراءة الأطفال بأن العيد في مصر أبهى وأن ما يحصله من عيديات؛ وهي المبالغ التي يحصل عليها الأطفال في زياراتهم للأقارب، أكثر، وأن والدته تصنع حلوى العيد وتشتري مع والده الملابس الجديدة ويصلون صلاة العيد في المسجد، ومن ثم أذهب مع أصدقائي إلى ساحات العيد التي تعج بالأطفال والألعاب.
تأتي العطلة الصيفية هذا العام بالتزامن مع عيد الفطر، ويفضل عدد كبير من أبناء الجاليات العربية والإسلامية قضاء إجازاتهم في بلدان المهجر، وذلك تحت ضغوط الأزمة الاقتصادية والظروف السياسية الصعبة التي تمر بها البلاد، ومع ذلك تحاول الجاليات العربية والإسلامية بذل قصارى جهدها من أجل رسم الفرحة على وجوه الأطفال.

عرب اسكندنافيا

لم يعد مشهد الصيف هذا العام مثل أعوام ماضية، فلا سيارات العائلات العربية في الدول الاسكندنافية تتجهز لقضاء إجازة الصيف في لبنان وسورية والعراق ولا حتى مكاتب الطيران عادت تتلقى الحجوزات التي كانت كثيفة وتشمل مجموعات في الأعوام الماضية.
لقد أرخت أزمة الواقع الأمني المتراجع في سورية ولبنان وبقية دول المشرق العربي بظلالها على مشاهد ما كان يجري في السابق، فعشرات الآلاف من المهاجرين العرب في الدول الاسكندنافية كانت وجهتهم بأرتال سيارات تعبر البر الأوروبي وتركيا نحو لبنان وسورية، فيما يختار بعضهم منذ أن كانت الأزمات تشتد في لبنان، خصوصاً بين صفوف اللاجئين الفلسطينيين واللبنانيين في تلك الدول، لاختيار مصر كبديل اصطيافي في إجازة الصيف.
لكن حتى مصر هذا العام ليست وجهة يتشجع لها هؤلاء العرب، بنتيجة ما جرى من تطورات خلال العامين الماضيين.
وإن كان هذا العام يتميز بوقوع وقت الإجازات مع قدوم عيد الفطر، فإن اختيارات فردية كثيرة باتت تفضل تركيا بحسب ما يقول بعض هؤلاء المهاجرين.
وعلى الرغم من ذلك يقول ياسر الحمد: "مشكلة السفر إلى تركيا من الدول الاسكندنافية بدأت تتفاقم منذ أشهر، فقد جرى أن بعض العائلات قامت السلطات التركية بإعادة جزء منها، خصوصا الشباب، خوفا من أن يسافروا إلى سورية، وهذا انعكس تردداً لاختيار تركيا بين عوائل تحب السفر بشكل جماعي للاصطياف وقضاء الإجازة الصيفية". وبالرغم من ذلك تختار عوائل عربية السفر السياحي المنظم عبر شركات متخصصة في مجموعات إلى الأناضول ومنتجعاتها، بينما يفضل آخرون السفر إلى إسطنبول بسبب "الأجواء الشرقية التي تكون قريبة من الأجواء العربية في لبنان وسورية ومصر"، بحسب ما تذكر "أم خالد" التي اعتادت أن تقضي إجازتها الصيفية مع عائلتها بين لبنان وسورية.

(ساهم في الملف: محمد المزديوي، محمد بيطاري، ناصر السهلي، أحمد حسين، محمود نصار)









المساهمون