موريتانيا: حصيلة متواضعة في العام الأول من حكم الغزواني

06 اغسطس 2020
استعان الغزواني بفريق عمل فشل سابقاً (Getty)
+ الخط -

يختلف المراقبون في تقييمهم لحصيلة عام من حكم الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، عاشر رئيس للبلاد ورابع رئيس منتخب دستورياً، في بلد عانى كثيراً من الانقلابات العسكرية ومن تأثيراتها على الأنظمة السياسية التي تعاقبت لاحقاً. ويرى بعضهم أن الغزواني، الذي عُقدت عليه آمال كثيرة بالتغيير والإصلاح، لم يحقق في عامه الأول ما كان متوقعاً منه وما تعهد به في كتاب أصدره إبان توليه الحكم تحت عنوان "تعهداتي". ويرى آخرون أن عاماً واحداً هو فترة قصيرة لتقييم عمل رئيس جديد، لا سيما أن نصف هذه الفترة كان استثنائيا بسبب وباء كورونا.


الخوف من محاسبة الغزواني على إنجازاته المتواضعة دفعه لتضخيمها

ويبدو أن الخوف من محاسبة الرئيس على إنجازاته المتواضعة دفع محيطه إلى الاحتفاء بذكرى مرور عام على توليه الحكم بشكل مبالغ فيه لتضخيم الإنجازات والتغطية على نقاط القصور، وسط حديث متواتر عن قرب إجراء أول تعديل وزاري في عهد الغزواني لإعطاء أمل جديد لجماهير الأغلبية والموالاة التي انتقدت إبعاد أطراف فاعلة دعمت الرئيس عن المشهد السياسي. وعلى الرغم من الإصلاحات التي حقق بعضها نتائج إيجابية، إلا أن مستوى التطلعات والآمال التي علقها المواطنون على الغزواني فاق بكثير ما تحقق من إنجازات على أرض الواقع.

في السياق، يقول المحلل سيد أحمد ولد نافع، لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد عام من حكم الغزواني لم نلمس جدية من الحكومة التي شكّلها، في تنفيذ أي من التعهدات التي كانت سبباً في فوزه بالانتخابات، فهي لم تتخذ تدابير جديدة لتحريك عجلة الاقتصاد وإصلاح التعليم وتفعيل العدالة وإعادة توزيع الثروة بشكل عادل". ومع أنه يقرّ بأن فترة عام واحد تبدو قصيرة لتقييم حصيلة رئاسية، وأنه لا يزال أمام الرئيس 4 سنوات أخرى من مدة ولايته الرئاسية، إلا أن الباحث يعتبر أن هناك مؤشرات عدة تؤكد أن الوضع لن يتغير حتى بعد مرور 4 سنوات، ويشير إلى أن "غالبية الموريتانيين يعتقدون أن ما لم يتحقق في العام الأول لن يتحقق في أعوام مقبلة، وهذا ما يؤكد حالة التململ التي بدأ الشارع يعيشها وانخفاض مستوى الثقة والتفاؤل العالي الذي طبع بداية حكم الرئيس الغزواني".

ويعتبر ولد نافع أن الأزمة الحقيقية التي تعاني منها موريتانيا حالياً والتي تجاهلها النظام الحاكم، لا تكمن في تأثيرات كورونا، التي تظل محدودة في موريتانيا، بل في الاعتماد على فريق حكومي ومستشارين ومسؤولين سبق أن تسلّموا مسؤوليات ومهام سابقاً وفشلوا في إنجازها. وينوّه إلى أن "هناك بطئا في تنفيذ البرامج الاقتصادية وتحججا دائما من قبل الحكومة بتأثير الديون والالتزامات وفيروس كورونا على تنفيذ التعهدات، على الرغم من أن البلاد لم تعش فترة إغلاق تام ولا تعتمد على السياحة ولا تصدر بضائع ومنتوجات انحسر الإقبال عليها بسبب الوباء".

ويؤكد الباحث أن البلاد تعيش أزمة اقتصادية خانقة وأن الرئيس لم يحقق أياً من تعهداته الاقتصادية، وعلى رأسها رفع الحد الأدنى للأجور وزيادة كتلة الأجور وخفض الأسعار، كما أن برامج توظيف الكفاءات والعاطلين والسكن الاجتماعي والتأمين الصحي للفقراء والطبقات الهشة تراوح مكانها من دون أن يتحقق منها شيء، شأنها شأن مشاريع البنى التحتية وإصلاح قطاعي التعليم والصحة وتوفير الماء الصالح للشرب في بعض المدن.

ويعتبر أن على الرئيس إعادة النظر في ما أنجزه خلال عام كامل ومقارنة الحصيلة بما تعهد به سابقاً، والتوقف عن سياسة تدوير المناصب بين المسؤولين السابقين المتهمين في ملفات فساد، لأنهم الأكثر تأثيراً على سمعة النظام، في بلد تعاني طبقاته الهشة والفقيرة من الظلم والتهميش والبطالة.

وعلى الرغم من الانتقادات الحادة الموجهة للغزواني بسبب تواضع إنجازاته خلال العام الأول من ولايته، إلا أنه في المقابل حقق نجاحاً غير متوقع في بعض الملفات أهمها الدفع بملف محاكمة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وتشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في ملفات الفساد والاختلاس. ونجح أيضاً في الانفتاح على المعارضة وإشاعة مناخ سياسي هادئ وإرساء مبدأ التشاور حول قضايا الشأن العام مع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والشخصيات المرجعية.


لم يؤثر فيروس كورونا كثيراً على الاقتصاد بفعل الخطوات الاستباقية للسلطة

في هذا الصدد، يلفت الباحث أحمد سالم ولد شيخاني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن الغزواني رفع شعار محاربة الفساد خلال الفترة الأولى من رئاسته ونجح بالتنسيق مع جميع الأطراف السياسية من موالاة ومعارضة، في الدفع بتشكيل أول لجنة تحقيق برلمانية في تاريخ البلاد كشفت في تقاريرها النهائية الصادرة حديثاً، الكثير من صفقات الفساد في عهد النظام السابق.

ويرى أن كورونا لم يؤثر كثيراً على الاقتصاد الوطني بفضل الإجراءات الاستباقية التي كان النظام جريئاً وحاسماً في تطبيقها، فقام بتوزيع بعض المواد الغذائية الضرورية لمدة 9 أشهر، وتزويد المناطق الحضرية الأكثر فقراً بالمياه والكهرباء مجاناً لمدة شهرين، ومنح ما يزيد على 200 ألف أسرة مساعدات نقدية.

ويشير إلى أن من ضمن التعهدات التي نُفذت في العام الأول، على الرغم من الظروف الاستثنائية المليئة بالعراقيل والعقبات، 20 مشروعاً في التعليم والصحة والبنية التحتية رصد لها ما يناهز 4.1 مليارات أوقية (حوالي 110 ملايين دولار)، إضافة إلى اكتتاب ما يربو على 4 آلاف مدرّس لتحسين جودة التعليم وتعميمه. ويشدّد على أن من المهم تقييم العام الأول من حكم الرئيس، لكن من دون إنكار ما تحقق من إنجازات، فتثمين ما تحقق عامل مشجع للتحسين من الأداء والرفع من الطاقات وسد الثغرات.