من أجل سورية خالية من كل إرهاب

04 أكتوبر 2014

عناصر من الجيش السوري الحر في ريف إدلب (6سبتمبر/2013/الأناضول)

+ الخط -

مع بدء الضربات التي يوجهها التحالف الدولي ضد إرهاب داعش وأشباهه، في العراق وسورية، بدأت تنتشر توقعات بحدوث تداعيات لها، يفتح مجراها لتسوية سياسية لمستقبل سورية، لا يكون للأسد مكان فيها. وبغض النظر عن رغبويةٍ واضحةٍ في تلك التوقعات، خصوصاً في أوساط معارضين سوريين، فإن حجم حملة التحالف الذي تقوده أميركا، والمدى الزمني المفتوح لها، وازدياد المنضمين إليها، بما في ذلك توقع انضمام تركيا، بشروطها المتعددة، وأولها المطالبة بمنطقة عازلة داخل سورية، فضلاً عن الغطاء القانوني للحملة، والذي أتاحه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، في ظل تراجع الاعتراضين: الروسي والإيراني. يشير ذلك كله، فعلاً، إلى آثار مهمة، لابد للحملة أن تؤدي إليها، لا شك أنه ستتبعها تغيرات في موازين القوى على الأرض. لكن لا يمكن الجزم، حالياً، بتحديد التغيرات السياسية التي سترتبط بها.

التغيّر هو الحقيقة الوحيدة المسلّم بها في كل ما يتعلق بسورية منذ مارس/آذار 2011، إذ لم يعد السوريون وبلدهم كما كانوا قبل ذلك التاريخ، وليس من الواضح كيف سيكونون مستقبلا! صحيح أن النظام، بما في ذلك رأسه وهياكله، باق، لكن صورته المستقرة والسعيدة غابت. كما غابت كذلك الصورة الكريمة والراجحة للشعب والفرد السوري، وتغلبت صور أخرى قلقة وعنيفة ومهانة لهما، أينما لوحظ ذلك؛ سواء في بقايا المدن وأريافها المخربة والمقطعة، أو في بلدان اللجوء والاغتراب، وما بينهما من قوارب الموت وقوافل التهريب المتوالية.

وإذا كان هذا التغير قد بدأ مع العنف الذي واجه به النظام الأسدي مطالب المتظاهرين بالإصلاح والتغيير، وتصاعد عبر الآلية العفوية لقانون الفعل ورد الفعل التي لجأ إليها السوريون، دفاعاً عن ذاتهم وأعراضهم، فإن مناخ العسكرة وفقدان الوعي، أو الرأس السياسي الصاحي لدى المعارضة، سمح بظهور أمراء الحرب وتشكيلاتهم العسكرية المتناثرة، كما أتاح مجالاً خصباً لولادة نزعات الجهاد، ونمو منظماتها المتوجة بإرهاب "داعش". وقد أدى ذلك، في إطار تداخل العوامل الإقليمية والدولية، إلى الوصول بسورية والسوريين إلى الحالة الموصوفة بالتغيّر والاضطراب.

أما الفصل الجديد في هذا التغيّر، فيأخذ شكل التدمير الاستراتيجي الذي يحدثه القصف الجوي لقوى التحالف، والذي تم الإعلان عن توقع استمراره لسنوات طويلة، بتكلفة مليارية، وفي إطار نوع جديد من الحروب، تحفظ مقاتليها في الجو، وتحمي قادتهم من مسؤوليات التحرير والإدارة على الأرض! وقد تجنبت سياسة أوباما هذه الحرب طويلاً، في إطار استراتيجيتها للتوقف عن الحروب الخارجية، والخلاص من مسؤوليات الدول الفاشلة، ثم لجأت إليها، أخيراً، بذريعة استفزازات "داعش"، وإرهابها الأقليات، وذبحها المتوالي للصحافيين الغربيين!

هي، إذن، حرب ستضعف، بالتأكيد، قوى "داعش" وأشباهه وتشتتها، لكنها وفق ما هو جار، ستكون مأساوية على السوريين وبقايا ثرواتهم، بما يوازي قدرة صواريخ توماهوك على زلزلة الأرض وتفكيك طبقاتها! ذلك أنها ستكون مفتوحة ومزمنة، ستشغِّل جيوش الغرب النائمة، وستنفق عليها من أموال الشرق المخزّنة. وذلك كله معلن كلياً، ولا علاقة له بنظرية المؤامرة، لكنه راجع، بوضوح، إلى أن الاستراتيجية الجديدة للغرب، وهي، أساساً، استراتيجية أميركا في عهد أوباما، لا تجد بديلاً، يتولى مسؤولية التغيير المطلوب في سورية، بموازاة سياستها في تجنب التضحية بمواطنيها خارج الحدود.

تلك هي المسألة الحاسمة اليوم في سورية، فالتدخل الدولي جار ومفتوح. وقد سارع النظام السوري، من جهته، إلى الترحيب به، وأعلن عن استعداده للتنسيق معه. لكن انضمامه إلى حملته سيبقى مشكوكاً فيه، على الرغم من أن أصواتاً تحاول أن ترى في النظام قوة واقعية، من المفيد إعادة تأهيلها، ناسية بذلك إرهابه الخاص، ودوره في توليد منظمات الإرهاب الجهادية. بينما ما زالت المعارضة السورية ضعيفة ومشتتة، تكاد أخبار الصراع بين قياداتها المختلفة السياسية والعسكرية لا تتوقف، في وقت أشد ما تكون الحاجة فيه إلى وحدتها، وسعيها إلى تكوين البديل المطلوب.

ولا تكفي في ذلك أخبار توحيد تشكيلاتٍ عسكرية يعلن عنها بين حين وآخر، ولا أخبار تشكيل ما يماثل الصحوات بين عشائرها وجماعاتها، على الطريقة العراقية الفائتة، والتي انتهت بطفو "داعش" على سطحها. إضافة إلى أن جسد المعارضة السياسي يشكو الاهتراء، ومعظم رجاله ومنظماته لا يكادون يمثلون ما قامت من أجله الثورة السورية، وعلى الأقل التزامات المعارضة التي اتفقت عليها في ميثاق العهد الوطني لمؤتمر القاهرة، صيف 2012، وأولها العمل من أجل سورية حرة لجميع السوريين.

فهل تتعالى المعارضة السورية على أخطائها، في السنوات المريرة الماضية، وتتعلم من تجربتها تعلماّ فعّالاً، يمتد، كما يقال في علوم التربية، إلى أحداث اليوم والمستقبل، لكي يكون لها حقاً دور فيما يحدث؟ دور تعمل فيه، لا من أجل الخلاص من إرهابي "داعش" والنظام فقط، بل من أجل الخلاص من كل إرهاب للمواطن السوري مستقبلاً، وتحت أي عنوان كان.