23 يناير 2020
عن السلمية والعنف في الثورات العربية
مع تجدد ثورات الشعوب العربية في الجزائر والسودان، ومن ثم في لبنان والعراق، صار من الشائع والمستقر في الخطابات السائدة وصف هذه الثورات بالسلمية، ومن ثم تمييزها عن معظم الثورات التي سبقتها قبل سنوات، في ليبيا وسورية واليمن. وذلك ليس من غالبية الفقهاء العرب الذين يتصدرون شاشات الفضائيات ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي فقط، بل أيضا من أساطين الفكر السياسي والإعلام الغربي أولا، والذين صارت الموجات الإعلامية الكبرى تغرّد معهم، بحسب تقنيات التواصل الأكثر حداثة.
وبالفعل، أكدت ثورة الشعب الجزائري التي مثلّها خروج جماهيره المتواصل في الجمعة الأربعين حتى تاريخه، وفي أيام أخرى توزعتها قطاعات الطلاب والمحامين وغيرهم، تميزها بسلمية الحراك والتعبيرات، على الرغم من جذرية مطالبها، ووضوح شعاراتها في التغيير والخلاص من كامل وجوه النظام السابق (يتنحّوا قاع)، مع متابعة رفض محاولات التفاف دولته العميقة وجهازها العسكري على مطالب التغيير، وبرنامج إخضاعه لانتخاباتٍ رئاسيةٍ تعيد إنتاج النظام السابق. وإلى ذلك، ما زال الصراع مستمرا، ومفتوحا على مستقبلٍ لا يكرّر تجربة العشرية السوداء، ولا يسد الآفاق أمام خروج الجزائر إلى أفق ديمقراطي معاصر.
طبعت تلك السلمية أيضا ثورة الشعب السوداني، ليس فقط في خروج جماهيره إلى الشوارع
والساحات، والذي أخذ شكل الاعتصام السلمي المفتوح، بقيادة ممثلي النقابات المهنية والأحزاب المتعدّدة، وبأغلبية ناشطة لشباب السودان ونسائه اللواتي توجهتهن صورة "الكنداكة اللافته، بل أيضا في نجاح التفاوض السلمي والتنازلات المتبادلة بين بقايا نظام عمر البشير وورثته من العسكر من جهة، وممثلي تجمع المهنيين والأحزاب والمجتمع المدني السوداني من جهة أخرى، على الرغم من المجزرة التي أودت بحياة أكثر من مائة ضحية، على يد قوات الدعم السريع التابعة لإحدى قوى النظام الوريث، وهي مجزرة ما زالت أحداثها قيد التحقيق. ومثّل الوصول إلى حلول وسط، مبرمجة على مدارثلاث سنوات موعودة، تعبيرا عن حكمة الطابع السلمي للثورة السودانية الجديدة ونضجه، وهو مناط السياسة الرفيعة، والحريصة على تجنيب الوطن والمواطنين آلام العنف الثوري ومخاضاته الكارثية عبر التاريخ.
وإذا كانت ثورة الشعب اللبناني الجديدة، بمشاركة جميع فئاته وطوائفه، قد أدهشت العالم، بتجاوزها صورة الكيان الطائفي الراسخ، فقد أربكت سلميتها التي لم تتخلّ عن مطالبها الجذرية من جهة (كلّن يعني كلن) مع مشاركةٍ منفتحةٍ على جميع الطوائف والأجيال من جهة أخرى، أربكت أسس النظام اللبناني نفسه وآلياته الدفاعية عنها، والتي طالما عملت على استثمار الحروب الأهلية السابقة، والتسويات الناتجة عنها، كي تعيد إنتاج سيطرتها وفسادها الذي كرّر باستمرار نموذج الدولة المفلسة، وجعل مجتمعها خاضعا لتدخل المحيطين، العربي والدولي، تحت ستار الدعم والحماية المتنوعة الأسماء، من الدينية إلى الوطنية المقاومة وحتى الممانعة. ولا يسع المراقبين إلا الاعتراف بالدور الجديد والمبشر الذي يلعبه الجيش اللبناني وقوى الأمن الأخرى في حماية الطابع السلمي للانتفاضة حتى تاريخه، وفي منع تدخل القوى الحزبية والطائفية المعروفة، على الرغم من محاولتها ترهيب المحتجين في ليلة الأحد 25 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي.
وفي العراق، تستمر الثورة بتعبيراتها الاحتجاجية السلمية، على الرغم من تعرّضها لعنفٍ غير رسمي، ذهب ضحيته أكثر من 340 مواطنا حتى تاريخه. ويشاع أن طرفا ثالثا يقف خلفه، نظرا لتأكيد متكرّر أعلن خلاله وزير الدفاع العراقي، نجاح الشمري، ومسؤولون آخرون، أن لدى الجيش وباقي قوى الأمن أوامر واضحة بعدم استعمال الأسلحة في التصدّي لخروق المتظاهرين، والاكتفاء بحمل الهراوات. ولكن مراقبين كثيرين استغربوا استمرار تدخل ذلك الطرف الثالث الذي تتفق القرائن على أنه إيراني أو مدعوم من إيران، كما استغربوا أكثر من ذلك الحضور المشهود لقوى الأمن والجيش العراقيين، وكأنهما متفرّجان في البداية، لكنهما متواطئان ومتدخلان، بدرجة أو بأخرى في النهاية.
ولكن بخلاف الثورات المذكورة أعلاه، أو بخلاف طابعها السلمي المعترف به محليا وعالميا، فإن مسالتي العنف والسلمية تحتاج إلى مراجعة وتوقف. وبدءا من الثورة التونسية، وهي باكورة ثورات الربيع العربي، فقد انطلقت سلمية، واستمرت بعد خروج الرئيس السابق، بن علي، الذي لجأ إلى الهرب، إثر خروج التونسيين بأعداد كبيرة للمطالبة بإسقاط نظامه، ولم يلجأ إلى إصدار أوامر بالتصدّي المسلح لهم. وبذلك تابعت تونس ثورتها، وشهدت مراحل متتالية من إعادة بناء نظامها على أسس ديمقراطية، توّجتها الانتخابات الرئاسية أخيرا، والتي قدمت مثالا نزيها وشفافا على الانتخابات الديمقراطية.
وكانت الثورة المصرية، وهي ثاني ثورات الربيع العربي، قد واجهت عنفا فاضحا من رجال
الأمن وجماعات البلطجية، فصمدت ضدها عبر مراحل متدرّجة من الاحتجاجات المليونية السلمية، وصولا إلى تنظيم الانتخابات ونجاح الرئيس محمد مرسي. ولكن سرعان ما استغل العسكريون موجة الاحتجاجات الجديدة ضده، وضد طابع الهيمنة الإسلاموية المترافق معه، فتحرّكوا بعنفٍ وصل إلى درجة اعتقال الرئيس الذي قضى في يونيو/ حزيران الماضي في السجن، في ظروف مشبوهة، ووصولا إلى تنظيم انتخاب وزير الدفاع رئيسا جديدا لمصر التي تزداد أوضاعها ترديا وانحدارا يوما بعد يوم.
أما في باقي ثورات الربيع العربي، فإن طابع العنف، الأمني والقبلي والعائلي، كان متوفرا في نظامي معمر القذافي في ليبيا وعلي عبد الله صالح في اليمن دوما وبكل وضوح. ولذلك لا نحتاج إلى تفسير وبحث جديد في أسباب تراجع الطابع السلمي الأول للثورة، بسرعة كبيرة، ومن ثم تحوّل الثورتين إلى حروبٍ أهليةٍ ارتبطت بتدخلات دولية ما زالت مستمرة.
ولكن الأكثر إشكالية يكمن في طابع الثورة السورية، والذي استقر في الإعلام والمرويات العالمية منذ سنوات، على أنه طابعٌ عنفيٌّ عسكري، بل استقر قبل ذلك أن ما حدث ويحدث في سورية إنما هو حرب أهلية، ذات طابع طائفي بين أقلياتٍ تبرز بينها الطائفة العلوية التي تنتمي إليها العائلة الأسدية الحاكمة، في شخصي الأب حافظ والابن بشار، وضد أكثريةٍ سنيةٍ تنتشر في معظم مدن سورية وأريافها الداخلية. وهذا الطابع قوي ومسيطر، إلى درجة أنه صار من المسلمات المسبقة التي أشيع أنها ارتبطت بدخول منظمات الإرهاب الدولي على خط الثورة السورية، بدءا من جبهة النصرة والقاعدة، وصولا إلى منتوجهما الفظ والأشد عنصرية وإرهابا وامتدادا في معظم الدول، تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الأمر الذي دفع إلى إنشاء تحالف دولي لمكافحتها، ومن ثم تبرير أي تدخلٍ لاحق ومستمر في سورية تحت ستار ذلك.
وفي حقيقة الحال، سبق ذلك كله المسعى الحثيث والخبيث للنظام لتوظيف صفة الإرهاب والطائفية في محاربة الثورة السورية منذ أيامها الأول، ومن ثم دعوته الحليف الإيراني، ورأس حربته
حزب الله، لدعمه سرا في البدء، ثم علنا. الأمر الذي أضاف إلى المظلومية السنية الاجتماعية والسياسية بعدا آخر، ما لبث أن أغلق مخيال الحاضنة الشعبية على طابع طائفي، طغى وبدّد، من ثم، الأهداف الأولى الديمقراطية للثورة. وأضيف إلى ذلك التوظيف تحالف النظام السوري مع نظام القيصر الروسي الجديد بوتين الذي استند إلى ذاكرة أرثوذكسية متعصّبة، سبق لها أن دعمته في قمع الثورة الشيشانية، وباركت مجددا كتائب جيشه الذاهبة إلى التدريب الحي على إبادة المدنيين والحواضر والقرى السورية.
وهنا، لا بد لأي باحث أمين أن يعود إلى مراجعة الأشهر الستة الأولى تقريبا من عمر الثورة السورية، ليكشف عن طابعٍ آخر، طالما كان النظام والإعلام العالمي قد اعترف به وذكره في تلك الفترة. وتوثيق ذلك متوفرٌ في سجلات ظاهراتها السلمية، وأغانيها ورقصاتها الشعبية، بل وبياناتهاومؤتمرات منظماتها ومعارضيها، وذلك كله متاح بالصور والفيديوهات. وظهر بدرجاتٍ مختلفة لاحقا، في فترة سيطرة الطابع الحربي على الصراع، وحتى في مناطق سيطرة الإرهاب الإسلاموي والأسدي معا. وكان ذلك الطابع السلمي غنيا بشعارات الوحدة الوطنية والأغاني والأهازيج التي نشهد مثيلاتها في الثورات اللبنانية والعراقية اليوم، فمن لا يتذكر لافتات كفرنبل الساخرة، وأغاني الشهيدين إبراهيم القاشوش وعبد الباسط الساروت، التي كانت المظاهرات السورية ترقص على وقعها، وتغني الجماهير الشقيقة حقاً في لبنان اليوم على منوالها.
كذب النظام السوري، وما زال يكذب، فهو وحده الذي لم يكن سلميا منذ البداية، على عكس جماهير الثورة السورية. ولكن الكذب، إذا كان لا يمشي إلا على الموتى، كما يقول المثل الشعبي، فإن الأحياء وحدهم القادرون على فضح تلك الكذبة الكبرى، أي كذبة العنف في الثورة السورية التي صنعها مع حلفائه الروس والإيرانيين والداعشيين، وأمثالهم في الجانبين. وما دام الصراع العسكري قد انتهى، أو أوشك أن ينتهي، في سورية، فلا بد لهؤلاء الأحياء الأحرار، المؤمنين بأهداف الثورة السورية الأولى، وهم كثر ولله الحمد، لا بد لهم أن يعودوا إلى نبع الثورة السورية، وأن يجددوا طابعها السلمي الغنّي، ولهم في سيرتها الأولى، وفي سيرة الثورات العربية الجديدة خير معين.
طبعت تلك السلمية أيضا ثورة الشعب السوداني، ليس فقط في خروج جماهيره إلى الشوارع
وإذا كانت ثورة الشعب اللبناني الجديدة، بمشاركة جميع فئاته وطوائفه، قد أدهشت العالم، بتجاوزها صورة الكيان الطائفي الراسخ، فقد أربكت سلميتها التي لم تتخلّ عن مطالبها الجذرية من جهة (كلّن يعني كلن) مع مشاركةٍ منفتحةٍ على جميع الطوائف والأجيال من جهة أخرى، أربكت أسس النظام اللبناني نفسه وآلياته الدفاعية عنها، والتي طالما عملت على استثمار الحروب الأهلية السابقة، والتسويات الناتجة عنها، كي تعيد إنتاج سيطرتها وفسادها الذي كرّر باستمرار نموذج الدولة المفلسة، وجعل مجتمعها خاضعا لتدخل المحيطين، العربي والدولي، تحت ستار الدعم والحماية المتنوعة الأسماء، من الدينية إلى الوطنية المقاومة وحتى الممانعة. ولا يسع المراقبين إلا الاعتراف بالدور الجديد والمبشر الذي يلعبه الجيش اللبناني وقوى الأمن الأخرى في حماية الطابع السلمي للانتفاضة حتى تاريخه، وفي منع تدخل القوى الحزبية والطائفية المعروفة، على الرغم من محاولتها ترهيب المحتجين في ليلة الأحد 25 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي.
وفي العراق، تستمر الثورة بتعبيراتها الاحتجاجية السلمية، على الرغم من تعرّضها لعنفٍ غير رسمي، ذهب ضحيته أكثر من 340 مواطنا حتى تاريخه. ويشاع أن طرفا ثالثا يقف خلفه، نظرا لتأكيد متكرّر أعلن خلاله وزير الدفاع العراقي، نجاح الشمري، ومسؤولون آخرون، أن لدى الجيش وباقي قوى الأمن أوامر واضحة بعدم استعمال الأسلحة في التصدّي لخروق المتظاهرين، والاكتفاء بحمل الهراوات. ولكن مراقبين كثيرين استغربوا استمرار تدخل ذلك الطرف الثالث الذي تتفق القرائن على أنه إيراني أو مدعوم من إيران، كما استغربوا أكثر من ذلك الحضور المشهود لقوى الأمن والجيش العراقيين، وكأنهما متفرّجان في البداية، لكنهما متواطئان ومتدخلان، بدرجة أو بأخرى في النهاية.
ولكن بخلاف الثورات المذكورة أعلاه، أو بخلاف طابعها السلمي المعترف به محليا وعالميا، فإن مسالتي العنف والسلمية تحتاج إلى مراجعة وتوقف. وبدءا من الثورة التونسية، وهي باكورة ثورات الربيع العربي، فقد انطلقت سلمية، واستمرت بعد خروج الرئيس السابق، بن علي، الذي لجأ إلى الهرب، إثر خروج التونسيين بأعداد كبيرة للمطالبة بإسقاط نظامه، ولم يلجأ إلى إصدار أوامر بالتصدّي المسلح لهم. وبذلك تابعت تونس ثورتها، وشهدت مراحل متتالية من إعادة بناء نظامها على أسس ديمقراطية، توّجتها الانتخابات الرئاسية أخيرا، والتي قدمت مثالا نزيها وشفافا على الانتخابات الديمقراطية.
وكانت الثورة المصرية، وهي ثاني ثورات الربيع العربي، قد واجهت عنفا فاضحا من رجال
أما في باقي ثورات الربيع العربي، فإن طابع العنف، الأمني والقبلي والعائلي، كان متوفرا في نظامي معمر القذافي في ليبيا وعلي عبد الله صالح في اليمن دوما وبكل وضوح. ولذلك لا نحتاج إلى تفسير وبحث جديد في أسباب تراجع الطابع السلمي الأول للثورة، بسرعة كبيرة، ومن ثم تحوّل الثورتين إلى حروبٍ أهليةٍ ارتبطت بتدخلات دولية ما زالت مستمرة.
ولكن الأكثر إشكالية يكمن في طابع الثورة السورية، والذي استقر في الإعلام والمرويات العالمية منذ سنوات، على أنه طابعٌ عنفيٌّ عسكري، بل استقر قبل ذلك أن ما حدث ويحدث في سورية إنما هو حرب أهلية، ذات طابع طائفي بين أقلياتٍ تبرز بينها الطائفة العلوية التي تنتمي إليها العائلة الأسدية الحاكمة، في شخصي الأب حافظ والابن بشار، وضد أكثريةٍ سنيةٍ تنتشر في معظم مدن سورية وأريافها الداخلية. وهذا الطابع قوي ومسيطر، إلى درجة أنه صار من المسلمات المسبقة التي أشيع أنها ارتبطت بدخول منظمات الإرهاب الدولي على خط الثورة السورية، بدءا من جبهة النصرة والقاعدة، وصولا إلى منتوجهما الفظ والأشد عنصرية وإرهابا وامتدادا في معظم الدول، تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الأمر الذي دفع إلى إنشاء تحالف دولي لمكافحتها، ومن ثم تبرير أي تدخلٍ لاحق ومستمر في سورية تحت ستار ذلك.
وفي حقيقة الحال، سبق ذلك كله المسعى الحثيث والخبيث للنظام لتوظيف صفة الإرهاب والطائفية في محاربة الثورة السورية منذ أيامها الأول، ومن ثم دعوته الحليف الإيراني، ورأس حربته
وهنا، لا بد لأي باحث أمين أن يعود إلى مراجعة الأشهر الستة الأولى تقريبا من عمر الثورة السورية، ليكشف عن طابعٍ آخر، طالما كان النظام والإعلام العالمي قد اعترف به وذكره في تلك الفترة. وتوثيق ذلك متوفرٌ في سجلات ظاهراتها السلمية، وأغانيها ورقصاتها الشعبية، بل وبياناتهاومؤتمرات منظماتها ومعارضيها، وذلك كله متاح بالصور والفيديوهات. وظهر بدرجاتٍ مختلفة لاحقا، في فترة سيطرة الطابع الحربي على الصراع، وحتى في مناطق سيطرة الإرهاب الإسلاموي والأسدي معا. وكان ذلك الطابع السلمي غنيا بشعارات الوحدة الوطنية والأغاني والأهازيج التي نشهد مثيلاتها في الثورات اللبنانية والعراقية اليوم، فمن لا يتذكر لافتات كفرنبل الساخرة، وأغاني الشهيدين إبراهيم القاشوش وعبد الباسط الساروت، التي كانت المظاهرات السورية ترقص على وقعها، وتغني الجماهير الشقيقة حقاً في لبنان اليوم على منوالها.
كذب النظام السوري، وما زال يكذب، فهو وحده الذي لم يكن سلميا منذ البداية، على عكس جماهير الثورة السورية. ولكن الكذب، إذا كان لا يمشي إلا على الموتى، كما يقول المثل الشعبي، فإن الأحياء وحدهم القادرون على فضح تلك الكذبة الكبرى، أي كذبة العنف في الثورة السورية التي صنعها مع حلفائه الروس والإيرانيين والداعشيين، وأمثالهم في الجانبين. وما دام الصراع العسكري قد انتهى، أو أوشك أن ينتهي، في سورية، فلا بد لهؤلاء الأحياء الأحرار، المؤمنين بأهداف الثورة السورية الأولى، وهم كثر ولله الحمد، لا بد لهم أن يعودوا إلى نبع الثورة السورية، وأن يجددوا طابعها السلمي الغنّي، ولهم في سيرتها الأولى، وفي سيرة الثورات العربية الجديدة خير معين.