23 يناير 2020
رسالة مفتوحة إلى الرئيس قيس سعيّد
فخامة الرئيس الأكرم:
أبارك لك أولا، ولتونس الخضراء الشقيقة ثانيا، ثم لنا نحن السوريين، ولكل المؤمنين بأهداف ثورات الربيع العربي الأولى، والصافية قبل كل التشوهات والهزائم التي لحقتها.
يا سيادة الرئيس، أقولها لك، باعتزاز وفخر، وكأنك رئيسي أنا شخصيا، أو الرئيس الذي أحلم بمثله لبلدي، فلقد فزتَ عبر انتخابات ديمقراطية شهدها العالم بأجمعه، بل أشرف على نزاهتها أكثر من ألف مراقب دولي، لا يمكن الشك بمصداقيتهم، وشهدت مناظراتٍ لم تقلّ نجاحا، في عرضها وبراعتها ودقتها وشفافيتها، عن مثيلاتها الغربية، الأمر الذي طالما اشتاقت له شعوبنا ومثقفونا، لأسبابٍ لا تخفى على أحد، ولا ضرورة لحديثٍ مطول عنها. وقد نالت إعجاب العالم قبل إعجابنا، سواء بتقنياتها أم ببراعة إخراجها ومستوى مديريها وصحافييها، الأمر الذي كان مثار فخر واعتزاز متابعيها في مختلف أرجاء العالم العربي وغيره. وأظن، كما أجمع مراقبون كثيرون، أنه كان لها دور كبير لا في فوزك فقط، فهذا كان مرجحا منذ الدورة الأولى للانتخابات، ولكن بترجيح هذا الفوز بفارق كبير وحاسم على منافسكم، حيث كانت النتائح شبه الرسمية للجولة الأخيرة لك بنسبة 72.71%. ولا أكتمُك أنني كدت أبكي من الإعجاب والفخر، عندما سمعتك في تلك المناظرة الرفيعة، وأنت تتحدّث بلغة عربية سليمة وعصرية وجميلة في آن، بينما تعثّر منافسك بلهجةٍ دارجةٍ مختلطة بلغة جنسيته الثانية.
سيدي الرئيس: لقد تابعت مع كثيرين حملتك الانتخابية، المتميزة ببساطتها وتقشفها الذي بدأ بموقف مبدئي، رفضت فيه الاعتماد على المنحة المالية المخصصة قانونيا من الدولة لتمويل حملة المرشح الرئاسي، وكان لها أن تغطي، على الأقل، وديعة الضمان المطلوبة للتسجيل في الجدول النهائي للمرشحين. وهي لا تتجاوز عشرة آلاف دينار تونسي (ثلاثة آلاف يورو)، لكنك، ولله درك، استدنتها من أقربائك وأصحابك.
أما أقوى وأجمل ما في حملتك، فهو عودتك إلى شعار الثورة التونسية الأول: الشعب يريد، وهو الذي رفعته جميع ثورات الربيع العربي، فأكّدت فيه انتماءك إلى عائلة الثورة، بعد سنوات من
انزياح النخبة السياسية التونسية عنها. وأعطى ذلك الإعلان مزيدا من الثقة والقوة، أضيفت إلى قوة استقلاليتك عن العائلات السياسية التي سيطرت على الحقل السياسي التونسي سنوات ما بعد الثورة. وسرعان ما عافها الشعب التونسي، وفقد ثقته بها، لأسباب عديدة، ليس أقلها الصراعات الشخصية، لتأتي نتائج الجولة الأولى، فتكشف عن ذلك بكل شفافية ووضوح.
قيل عنك إنك محافظ. لكن ما أرفع هذه المحافظة لديك، فأنت خير من يحافظ على الدستور التونسي، ويحميه من أي تلاعب، كونك خبيرا به، وشاركت في إعداده وصياغة مواده. وإذا كنت الأكاديمي والمثقف المعروف في شؤون الدستور والقانون، فقد أثبتّ أنك المثقف العضوي المنتمي إلى شعبه وقضاياه أيضا، وأعلنت انحيازك إلى الشباب وتطلعاتهم. وهم الذين كانوا عماد حملتك، المتواضعة قياسا بحملات الأحزاب وتنظيماتها المختلفة على تعدّد إمكانات تحشيدها وتعبئتها، وحملات رجال الأعمال على عظيم قدراتهم وتمويلها.
ربما قصدوا من وصفك بالمحافظ موقفا ما من قضايا المرأة، وكان أحرى بهم أن ينظروا إلى مشاركة زوجتك الكريمة في الحياة العامة، وتبوئها وظائف عديدة في سلك القضاء، ثم أن يعتبروا بمغزى نسبة 73% التي سجلت لك من بين عدد أصوات النساء اللواتي شاركن في الاقتراع الأخير. أما إذا قصدوا موقفك من قضية التطبيع مع إسرائيل، واعتبارك إياه بمثابة الخيانة العظمى، فأنت بذلك تحافظ حقا على قضية الشعب الفلسطيني العادلة، وتنسجم بذلك مع موقف شعبك ومواقف جميع مناصري العدل في العالم، على الرغم من كل مظالم السياسات والصفقات الخفية والعلنية، والتي ما زالت تتسارع في طريقها.
والأهم من ذلك كله قولك، في مقابلة تلفزيونية معك: "سأحرص على أن يطبق القانون على جميع التونسيين، وأولهم أنا"، ثم توجيهك الشكر، لا لمن انتخبك فحسب، بل لمن لم يفعل أيضا، وذلك، لعمري، صلب الحفاظ على روح الدستور وتطبيقٌ أول أسس المواطنة الذي يتلخص في المساوة أمام القانون، بغض النظر عن أي شيء آخر.
وجاء إيقافك حملتك الانتخابية احتجاجا على حرمان منافسك الموقوف، والمتهم بالفساد وتبييض الأموال، من الإشراف على حملته، أكبر دليل على تطبيقك تلك المساواة، بخلاف لجوء منافسك إلى تبرير خسارته بحجة قصر وقت مشاركته شخصيا لحملته، بعد الإفراج عنه، فيما توقيفه لم يمنع من نشاط حملته الحزبية سابقا، والتي حصل بفضلها على المرتبة الثانية بعدك في الجولة الأولى.
فضلا عن ذلك كله، لاحظ العالم أجمع فرحة الشعب التونسي بفوزك، وخروجه الكبير مبتهجا ليلة إعلان النتائج، وكان مدهشا وشبيها بذلك الخروج الكبير ليلة الثورة التونسية المباركة، كونك جسّدت تجديد الثورة، فبعثت الأمل في نفوس شعبك وفي نفوسنا أيضا.
وأنا أعلم، يا سيدي، أنك ستنزل الآن من برج المثقف النظيف والمتعالي إلى مهاوي السياسة ومجاريها، ومحاولات التيارات المختلفة احتواءك، واستثمار محبّة التونسيين لك، وفق منطق الذرائعية الطبيعية للسياسيين، والتي ستوجه سلطة الحكومة التي يملك البرلمان وكتله حق
تقريرها، بحسب الدستور. وعلى الرغم من أنك وحيد، ولا حزب لك، سوى محبة الشعب المعلنة بوضوح، والتي يرجى أن تحميك، وتصون رؤيتك الواضحة بوقوفك عند تمثيل روح الدستور ومضامينه الديمقراطية، لا بتمثيل أدوار المنقذ والمخلص والأب القائد الشهيرة، وبالتضاد مع فساد الآخرين وشبهاتهم، وتلويحهم بالمشاريع والرؤى الاقتصادية المتلالئة، والراكبة على التطبيع وموجات الليبرالية المتوحشة. وعلى الرغم من أن معركتك لن تكون سهلة، إلا أن ثقافتك وحيوية الشباب الذين التفّوا حولك، وبدء علامات عودة الثقة إلى النشاط الاقتصادي مع مؤشرات انتعاش الدينار التونسي، ذلك كله سيدعم طريقك، بالتعاون مع الأحزاب والرجالات الوطنية المخلصة، من أجل صياغة العقد الاجتماعي التونسي الموعود، وإنجاز المحكمة الدستورية التي طال انتظارها. وكي تتجاوزوا الأزمة الاقتصادية المشهودة إلى تنميةٍ مستدامةٍ تلبي حاجات تونس وشبابها، وهي البلد المهم في مكانته بين العرب والمسلمين، وفي علاقاته مع أوروبا المجاورة وباقي العالم.
وليس ما كتبته أعلاه إليك بقصد المديح الذي ليس من طبعي أبدا، وأنت تستحقه وأكثر، بل هو اعتراف بك وأمل ببداية معك. مع ملاحظة أنني قد أختلف معك في شأن أو آخر، وهذا من طبيعة الديمقراطية ذاتها. ذلك أنني سوري ومعارض سلمي للنظام الأسدي المجرم، وأتفهم تصريحك خلال الحملة الانتخابية، "أنا مع الدولة السورية أما النظام فذلك ما يقرره الشعب السوري"، نظرا إلى ما حاق بثورتنا من تشويه وتلاعب، نتحمل، نحن المعارضون السوريون المسؤولية الأولى عن مسيرته، وتلعب الدول الكبرى والسياسات الاقليمية باقي الأدوار فيه، خصوصا في مسألة الإرهاب التي صارت استثمارا سياسيا معاصراً، وتجلّى عندكم في صورة مجاهدين وسلفيين توانسة، وما أضافته إلى التشويهات المتراكمة في ثورتنا السورية السلمية.
واسمح لي، يا سيادة الرئيس، بأن أصارحك بأن مسيرتك الشخصية، مثقفا وجامعيا، تكاد تماثل مسيرة مثقفين سوريين عديدين، تركوا موقعهم الأكاديمي، والمتعالي ثقافيا ونخبويا، لينحازوا إلى ثورة الشعب والشباب، واستجابوا بإخلاص إلى إلحاح الثورة السلمية وندائها الذي كان أشبه بانتخاب شعبي، طالما مُنع تاريخيا من التحقق، واستبدل باستفتاءاتٍ فاضحة النسب. وسرعان ما أحبطت أولئك المثقفين (العضويين المنخرطين في ثورتنا السلمية) متلازمات المرض السوري، ومركباته الاجتماعية والسياسية، فلم تسمح بتكوين التحالفات السياسية اللازمة للنجاح، ولم يبق أمامهم سوى خيار الانسحاب من ركاكة السياسة وكوارثها. وليس بلدي غير مثال دامٍ على التجربة المريرة المذكورة، وهو الذي يحظى برعاية احتلالاتٍ دوليةٍ وإقليميةٍ مشهودة، تتصارع اليوم على أرضه وتذبح شعبه، على طريق مصالحها، ولإعادة رسم خرائط المنطقة كلها.
لكنني آمل، وبالتأكيد مع سوريين أحرارٍ كثيرين، بأن تونس التي افتتحت ثورة الربيع العربي، وأعطت تجربة الانتخابات الديمقراطية الباهرة، وتونس التي طالما تشابهت مع بلدي، في الجغرافيا والتاريخ على الأقل، ستمضي في مسيرتها الظافرة، وستبني حولك التحالفات السياسية اللازمة. وأثق بأنها لن تتركك وحدك تصارع الأمواج التي غرقنا فيها نحن، فقد تعلمت درس التاريخ الذي لا يتكرّر.
تمنياتي لك، سيدي الرئيس، بالنجاح والتوفيق، ولتونس الحبيبة بالازدهار والتقدم.
يا سيادة الرئيس، أقولها لك، باعتزاز وفخر، وكأنك رئيسي أنا شخصيا، أو الرئيس الذي أحلم بمثله لبلدي، فلقد فزتَ عبر انتخابات ديمقراطية شهدها العالم بأجمعه، بل أشرف على نزاهتها أكثر من ألف مراقب دولي، لا يمكن الشك بمصداقيتهم، وشهدت مناظراتٍ لم تقلّ نجاحا، في عرضها وبراعتها ودقتها وشفافيتها، عن مثيلاتها الغربية، الأمر الذي طالما اشتاقت له شعوبنا ومثقفونا، لأسبابٍ لا تخفى على أحد، ولا ضرورة لحديثٍ مطول عنها. وقد نالت إعجاب العالم قبل إعجابنا، سواء بتقنياتها أم ببراعة إخراجها ومستوى مديريها وصحافييها، الأمر الذي كان مثار فخر واعتزاز متابعيها في مختلف أرجاء العالم العربي وغيره. وأظن، كما أجمع مراقبون كثيرون، أنه كان لها دور كبير لا في فوزك فقط، فهذا كان مرجحا منذ الدورة الأولى للانتخابات، ولكن بترجيح هذا الفوز بفارق كبير وحاسم على منافسكم، حيث كانت النتائح شبه الرسمية للجولة الأخيرة لك بنسبة 72.71%. ولا أكتمُك أنني كدت أبكي من الإعجاب والفخر، عندما سمعتك في تلك المناظرة الرفيعة، وأنت تتحدّث بلغة عربية سليمة وعصرية وجميلة في آن، بينما تعثّر منافسك بلهجةٍ دارجةٍ مختلطة بلغة جنسيته الثانية.
سيدي الرئيس: لقد تابعت مع كثيرين حملتك الانتخابية، المتميزة ببساطتها وتقشفها الذي بدأ بموقف مبدئي، رفضت فيه الاعتماد على المنحة المالية المخصصة قانونيا من الدولة لتمويل حملة المرشح الرئاسي، وكان لها أن تغطي، على الأقل، وديعة الضمان المطلوبة للتسجيل في الجدول النهائي للمرشحين. وهي لا تتجاوز عشرة آلاف دينار تونسي (ثلاثة آلاف يورو)، لكنك، ولله درك، استدنتها من أقربائك وأصحابك.
أما أقوى وأجمل ما في حملتك، فهو عودتك إلى شعار الثورة التونسية الأول: الشعب يريد، وهو الذي رفعته جميع ثورات الربيع العربي، فأكّدت فيه انتماءك إلى عائلة الثورة، بعد سنوات من
قيل عنك إنك محافظ. لكن ما أرفع هذه المحافظة لديك، فأنت خير من يحافظ على الدستور التونسي، ويحميه من أي تلاعب، كونك خبيرا به، وشاركت في إعداده وصياغة مواده. وإذا كنت الأكاديمي والمثقف المعروف في شؤون الدستور والقانون، فقد أثبتّ أنك المثقف العضوي المنتمي إلى شعبه وقضاياه أيضا، وأعلنت انحيازك إلى الشباب وتطلعاتهم. وهم الذين كانوا عماد حملتك، المتواضعة قياسا بحملات الأحزاب وتنظيماتها المختلفة على تعدّد إمكانات تحشيدها وتعبئتها، وحملات رجال الأعمال على عظيم قدراتهم وتمويلها.
ربما قصدوا من وصفك بالمحافظ موقفا ما من قضايا المرأة، وكان أحرى بهم أن ينظروا إلى مشاركة زوجتك الكريمة في الحياة العامة، وتبوئها وظائف عديدة في سلك القضاء، ثم أن يعتبروا بمغزى نسبة 73% التي سجلت لك من بين عدد أصوات النساء اللواتي شاركن في الاقتراع الأخير. أما إذا قصدوا موقفك من قضية التطبيع مع إسرائيل، واعتبارك إياه بمثابة الخيانة العظمى، فأنت بذلك تحافظ حقا على قضية الشعب الفلسطيني العادلة، وتنسجم بذلك مع موقف شعبك ومواقف جميع مناصري العدل في العالم، على الرغم من كل مظالم السياسات والصفقات الخفية والعلنية، والتي ما زالت تتسارع في طريقها.
والأهم من ذلك كله قولك، في مقابلة تلفزيونية معك: "سأحرص على أن يطبق القانون على جميع التونسيين، وأولهم أنا"، ثم توجيهك الشكر، لا لمن انتخبك فحسب، بل لمن لم يفعل أيضا، وذلك، لعمري، صلب الحفاظ على روح الدستور وتطبيقٌ أول أسس المواطنة الذي يتلخص في المساوة أمام القانون، بغض النظر عن أي شيء آخر.
وجاء إيقافك حملتك الانتخابية احتجاجا على حرمان منافسك الموقوف، والمتهم بالفساد وتبييض الأموال، من الإشراف على حملته، أكبر دليل على تطبيقك تلك المساواة، بخلاف لجوء منافسك إلى تبرير خسارته بحجة قصر وقت مشاركته شخصيا لحملته، بعد الإفراج عنه، فيما توقيفه لم يمنع من نشاط حملته الحزبية سابقا، والتي حصل بفضلها على المرتبة الثانية بعدك في الجولة الأولى.
فضلا عن ذلك كله، لاحظ العالم أجمع فرحة الشعب التونسي بفوزك، وخروجه الكبير مبتهجا ليلة إعلان النتائج، وكان مدهشا وشبيها بذلك الخروج الكبير ليلة الثورة التونسية المباركة، كونك جسّدت تجديد الثورة، فبعثت الأمل في نفوس شعبك وفي نفوسنا أيضا.
وأنا أعلم، يا سيدي، أنك ستنزل الآن من برج المثقف النظيف والمتعالي إلى مهاوي السياسة ومجاريها، ومحاولات التيارات المختلفة احتواءك، واستثمار محبّة التونسيين لك، وفق منطق الذرائعية الطبيعية للسياسيين، والتي ستوجه سلطة الحكومة التي يملك البرلمان وكتله حق
وليس ما كتبته أعلاه إليك بقصد المديح الذي ليس من طبعي أبدا، وأنت تستحقه وأكثر، بل هو اعتراف بك وأمل ببداية معك. مع ملاحظة أنني قد أختلف معك في شأن أو آخر، وهذا من طبيعة الديمقراطية ذاتها. ذلك أنني سوري ومعارض سلمي للنظام الأسدي المجرم، وأتفهم تصريحك خلال الحملة الانتخابية، "أنا مع الدولة السورية أما النظام فذلك ما يقرره الشعب السوري"، نظرا إلى ما حاق بثورتنا من تشويه وتلاعب، نتحمل، نحن المعارضون السوريون المسؤولية الأولى عن مسيرته، وتلعب الدول الكبرى والسياسات الاقليمية باقي الأدوار فيه، خصوصا في مسألة الإرهاب التي صارت استثمارا سياسيا معاصراً، وتجلّى عندكم في صورة مجاهدين وسلفيين توانسة، وما أضافته إلى التشويهات المتراكمة في ثورتنا السورية السلمية.
واسمح لي، يا سيادة الرئيس، بأن أصارحك بأن مسيرتك الشخصية، مثقفا وجامعيا، تكاد تماثل مسيرة مثقفين سوريين عديدين، تركوا موقعهم الأكاديمي، والمتعالي ثقافيا ونخبويا، لينحازوا إلى ثورة الشعب والشباب، واستجابوا بإخلاص إلى إلحاح الثورة السلمية وندائها الذي كان أشبه بانتخاب شعبي، طالما مُنع تاريخيا من التحقق، واستبدل باستفتاءاتٍ فاضحة النسب. وسرعان ما أحبطت أولئك المثقفين (العضويين المنخرطين في ثورتنا السلمية) متلازمات المرض السوري، ومركباته الاجتماعية والسياسية، فلم تسمح بتكوين التحالفات السياسية اللازمة للنجاح، ولم يبق أمامهم سوى خيار الانسحاب من ركاكة السياسة وكوارثها. وليس بلدي غير مثال دامٍ على التجربة المريرة المذكورة، وهو الذي يحظى برعاية احتلالاتٍ دوليةٍ وإقليميةٍ مشهودة، تتصارع اليوم على أرضه وتذبح شعبه، على طريق مصالحها، ولإعادة رسم خرائط المنطقة كلها.
لكنني آمل، وبالتأكيد مع سوريين أحرارٍ كثيرين، بأن تونس التي افتتحت ثورة الربيع العربي، وأعطت تجربة الانتخابات الديمقراطية الباهرة، وتونس التي طالما تشابهت مع بلدي، في الجغرافيا والتاريخ على الأقل، ستمضي في مسيرتها الظافرة، وستبني حولك التحالفات السياسية اللازمة. وأثق بأنها لن تتركك وحدك تصارع الأمواج التي غرقنا فيها نحن، فقد تعلمت درس التاريخ الذي لا يتكرّر.
تمنياتي لك، سيدي الرئيس، بالنجاح والتوفيق، ولتونس الحبيبة بالازدهار والتقدم.