ملائكة ضجرة

02 مايو 2017
جدل لا ينتهي (ليون نيل/ Getty)
+ الخط -
كثير هو الجدل الذي لا يؤدي إلى نتيجة فعالة بل يرسخ الوضع على ما هو عليه. كثير هو الجدل الذي لا يهدف أساساً أبعد من "اللتّ والعجن". هذه العملية التي تتكرر بزيادة الماء إلى الدقيق وقرصه باليدين مرات كثيرة قبل أن يصبح العجين جاهزاً. الأسوأ أنّ لاتّي الكلام وعاجنيه لا يصلون حتى إلى مرحلة الخبز، أي الإنتاج. فكلامهم يتكرر ألف مرة بلا نتيجة.

عالم اليوم يسمح بكثير من اللتّ والعجن. وسائل الاتصال والتواصل الرخيصة والمتوفرة بجميع اللغات والرموز عالم كامل من اللتّ والعجن.

يحصل الأمر على المستوى الفردي بين عاشقين يمضيان أياماً وليالي يتحدثان، أو بلغة هذا النوع من التواصل يدردشان. فمن هو من خارج هذا العالم، وليس ذا خبرة في اللتّ والعجن، لن يتمكن من معرفة عمّا يتحدثان ولمَ يطيلان الكلام إلى هذا الحدّ. فلو قال لها أو قالت له "أحبّك" بكلّ لغات العالم الحيّة والميتة لن يستهلك ذلك أكثر من ساعة أو ساعتين. ماذا بعد؟ هكذا يتساءل.

لكن، من هم داخل هذا العالم فإنّهم معقودون من رقابهم بسلسلة إلكترونية تُغرق أدمغتهم في الشاشات أمامهم. وبذلك، هم ليسوا في حاجة إلى تبرير ما يفعلون، فالمهرب لديهم اجتماعي يستند إلى حس مشترك بين شرائح كبرى: "كلّ الناس كذلك"، هكذا تقول الفتاة والفتى لوالدهما. ماذا بإمكانه أن يقول بعدها؟ "لا تكونا كذلك". ماذا يكونان إذاً؟ هل يكونان على شاكلته وهو "الخارج من ماضٍ سحيق" بالنسبة لهما؟ ومن أين يجلبان النموذج المختلف في عالم يغرقان معه بالنمذجة التلفزيونية من البيت إلى المدرسة إلى وسائل الإعلام وصولاً إلى دور العبادة ودوائر الدولة؟ كلّ شيء يشبه كلّ شيء، والاختلاف انعزال في مثل هذا الوضع، أفلا يُمدَح الانسجام الاجتماعي والاندماج في المحيط؟ ليست مسألة خطيرة إن كان ذلك انسجاماً مع تفاهة أو اندماجاً مع غباء، إذا كانا تفاهة وغباء عامين، فالكلّ يحكم الجزء، وبركات الكلّ تحيط بالجزء، فمن خرج منه فقد تلك البركات.

على المستوى الجماعي لتّ وعجن أكبر بغزارة المشاركين فيه. تشهده في مجموعات المحادثة، إذ يفرغ أفرادها من مواعظهم وتبريكاتهم وتحياتهم ويناقشون موضوعاً ما. "يا علقة السخنة"، هذا القول ينطبق على هؤلاء تماماً، فالنتيجة النهائية لا نتيجة أبداً، بل جدل مفتوح قد يستمر طويلاً جداً إلى أن يتغير موضوعه الأساسي ويكاد يُنسى. عندها يعيد أحدهم طرحه بصيغته الأولى، ويستعاد الجدل بيزنطياً أصيلاً فيؤنّثون الملائكة ويذكّرونها ويصنّفونها مضطربة جنسياً ويوصون بإجراء عمليات تحويل لها، حتى تضجر الملائكة نفسها منهم ومن جدلهم.

المساهمون