تواصلت أمس الثلاثاء في فيينا على هامش المنتدى رفيع المستوى بين أفريقيا وأوروبا لتعزيز الشراكة بين القارتين، المباحثات بين المستشار النمساوي، سباستيان كورتس، والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، حول أفكار الأول لتعزيز الشراكة الأوروبية مع مصر، وتحديداً في ملف التصدّي للهجرة غير النظامية واستضافة اللاجئين العرب والأفارقة الذين ينوون الانتقال إلى أوروبا، وتوطينهم في مجتمعات صغيرة في مصر تكون ممولة من الاتحاد الأوروبي، تمهيداً لإعادتهم لبلادهم. وكانت "العربي الجديد" انفردت بنشر تفاصيل هذه الأفكار في شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول الماضيين، فيما بدأت الصحف العالمية ومن بينها "فايننشال تايمز" بمتابعتها أخيراً.
وفي السياق، قالت مصادر دبلوماسية مصرية وأخرى أوروبية في القاهرة، إنّ زيارة السيسي الحالية لفيينا تشهد أطول مفاوضات مع كورتس حول قابلية تنفيذ فكرة إنشاء مراكز على السواحل الشمالية والحدود الجنوبية والغربية والشرقية لمصر مع جيرانها، لاستضافة اللاجئين برعاية وتمويل أوروبا. لكن كما توجد ممانعة أمنية واستخباراتية في مصر تجاه هكذا خطوة خوفاً من حدوث مشاكل أمنية فادحة إذا حدث تواصل فعلي بين اللاجئين المقيمين في تلك المراكز وبين السكان المصريين، فضلاً عن تحذير تقارير أمنية من اندلاع أعمال شغب في المناطق المحيطة بالمراكز نتيجة ضعف البنية التحتية والخدمات بها ومعاناة بعض المناطق النائية من الفقر المدقع، فإنّ هناك خلافاً كبيراً بين تقديرات كورتس والسيسي للأعداد التي يمكن استضافتها في تلك المراكز.
وأوضحت المصادر أنّ كورتس تحدّث إلى السيسي عن وجود 242 ألف لاجئ فقط حالياً في مصر، معظمهم يتركزون في محافظات القاهرة والشرقية والإسكندرية، ونسبة 80 في المائة منهم تقريباً يصنفون كطالبي لجوء، بينما النسبة الباقية يتمتعون بحق اللجوء فعلياً، وأنّ 55 في المائة من العدد الإجمالي حالياً سوريون، والباقي من جنسيات أخرى أهمها جنوب السودان، السودان، إثيوبيا، وإريتريا. كما أن عام 2018 بالكامل شهد تقديم طلبات من 28 ألف لاجئ فقط. وجاء هذا الحديث في إطار تفاوض الطرفين حول المساعدات المالية التي يمكن لأوروبا تقديمها لمصر لدعم بقاء هؤلاء اللاجئين وعدم تحوّل وجهتهم إلى أوروبا. لكن السيسي رفض الاعتراف بتلك الأرقام، وقال في المحادثات المغلقة إنّ مصر تستضيف "ملايين اللاجئين وتعاملهم كالمصريين". ثمّ تحدث في المؤتمر الصحافي بعد لقائه الأول بكورتس، أول أمس الاثنين، بشكل أكثر تحديداً، حين قال إنّ مصر تستضيف 5 ملايين لاجئ وإنها لم تبتز بهم أحداً للحصول على أموال.
لكن المصادر تحدّثت بشكل مختلف عن هذه النقطة تحديداً، فكشفت أنّ وزارة الخارجية جدّدت الشهر الماضي مخاطبة أكبر الدول المانحة للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة، مثل الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك ألمانيا وهولندا، وكذلك كندا، بضرورة الضغط لإعادة تقييم شروط التسجيل لدى المفوضية، والأخذ في الاعتبار ما وصفته بـ"سياسة مصر لدمج اللاجئين في المجتمع وإفادتهم بمزايا صحية وتعليمية تقدمها الدولة لعموم المواطنين". ويهدف ذلك إلى زيادة المخصصات المالية من المفوضية لمصر، والتي كانت تبلغ العام الماضي 72 مليون دولار لرعاية اللاجئين، تم تخصيص 55 مليون دولار منها للرعاية الصحية والتعليم فقط، ثم زادت هذا العام إلى 76 مليون دولار فقط.
ويحاول السيسي بذلك، الضغط لعدم ربط المساعدات الأوروبية التي يحاول المستشار النمساوي الترويج لدفعها، بهذا العدد الهزيل من اللاجئين، والذي يجعل مصر من أقل دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا استضافة للاجئين الذين تعنى الأمم المتحدة برعايتهم، خلف تركيا (أكثر من 3 ملايين) والسودان (أكثر من مليونين) ولبنان (أكثر من مليون) والأردن (700 ألف تقريباً) وليبيا (أكثر من نصف مليون لاجئ). وكانت "العربي الجديد" نشرت تقريراً في فبراير/شباط الماضي عن أنّ "خلافات توصيف اللاجئين" بين مصر والأمم المتحدة، هي ما تسبب هذه المشكلة لنظام السيسي. فمصر بالفعل تحتضن ملايين الأجانب الذين يتخذونها كمعبر وسيط لتسهيل الانتقال لأوروبا أو أميركا أو أستراليا، أو الذين يتخذونها كوجهة نهائية للاستقرار ويرتبطون فيها بالمواطنات أو المواطنين المصريين، ويشرعون في بناء عائلات منفصلة عن بلدانهم الأصلية، وهي ظاهرة منتشرة وخصوصاً مع المهاجرين العرب إلى مصر، سواء من فلسطين أو سورية أو العراق. لكن المفوضية السامية تتبع معايير أخرى تستبعد من خلالها المهاجرين الذين استطاعوا نقل أموالهم لمصر وممارسة أنشطة تجارية واستثمارية.
وأشارت المصادر إلى أنّ الخارجية في مخاطبتها للدول المانحة قدمت تقارير مغايرة، تتضمّن إحصاءً مسحياً حديثاً للعرب والأفارقة المتواجدين في مصر، سواء كانت لهم أنشطة مهنية أو عاطلين عن العمل، طالما كانت بحوزتهم رخصة إقامة بمصر يحصلون بواسطتها على خدمات تعليمية أو صحية أو مرفقية، وكذلك الخدمات المدنية والمساعدات القانونية الحكومية، وذلك لإرسالها بشكل دوري إلى المفوضية السامية.
وبحسب المصادر، فإنّ السيسي تحدّث إلى كورتس في الزيارة الحالية حول اتخاذ الدعم المالي المنتظر أشكالاً متطورة عن المساعدات المالية التقليدية. فمقابل نجاح مصر في السيطرة على سواحلها في العامين الأخيرين، والتي كانت مصدراً لنحو 60 في المائة من رحلات الهجرة غير النظامية لأوروبا بين عامي 2010 و2015 وفق تقديرات أوروبية، يرى السيسي ضرورة تدعيم نظامه بمساعدات لوجستية توجه لدعم قدرات الجيش والشرطة، وتوجيه لرؤوس الأموال للاستثمار في مصر خصوصاً في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، بحجة أنّ هذه الاستثمارات ستتيح فرص عمل أكثر استدامة لرفع مستوى الطبقات الفقيرة، مع تخصيص نسبة من الوظائف للاجئين.
وكانت مصادر دبلوماسية مصرية قد ذكرت قبل 3 أشهر لـ"العربي الجديد"، أن هناك قوى أوروبية، كإيطاليا والنمسا، متحمّسة لمنح مصر تلك الحوافز، التي ربما تتجاوز قيمتها مليار يورو، في حين أنّ هناك قوى أخرى ترى أنّ الحوافز لن تنعكس بالإيجاب على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للاجئين في مصر أو المواطنين المصريين الأكثر فقراً، والذين كانوا يمثلون أكثر من نصف عدد المهاجرين غير الشرعيين إلى إيطاليا تحديداً.
والاتفاق الذي يروج له المستشار النمساوي مع مصر أشبه بالذي أبرمه الاتحاد الأوروبي مع تركيا لرعاية اللاجئين عام 2016، والذي اعتبرت ألمانيا أنه نجح في مكافحة أعمال التهريب المميتة للاجئين عبر بحر إيجة، مع تحسين أوضاع اللاجئين السوريين، وتقليل عدد المتسرّب منهم إلى أوروبا.
وتلزم الاتفاقية تركيا باستقبال كل لاجئ وصل منذ 20 مارس/آذار 2016 إلى اليونان، وفي المقابل يلتزم الاتحاد باستقبال لاجئ سوري مسجل في تركيا بدلاً عن كل لاجئ تتم إعادته إلى تركيا، فضلاً عن تمويل مساعدات للاجئين الذين يعيشون فيها. لكن الاتفاقية لا تزال تتعرض لانتقادات حقوقية على اعتبار أنها تسببت في احتجاز آلاف المهاجرين في الجزر اليونانية في ظروف سيئة ومتوترة، ناهيك عن تهديد تركيا مراراً بإلغائها بسبب عدم تلقيها مبلغاً قدره 6 مليارات دولار من الاتحاد الأوروبي. وتقول أوروبا إنها سدّدت نصف المبلغ، وتقول أنقرة إنها لم تتلق أكثر من ملياري دولار.