ما يعيشه المعلمون السوريون في تركيا ليس بالأمر السهل، هم الذين يتقاضون رواتب زهيدة، مقارنةً بارتفاع الأسعار في البلاد، عدا عن القلق من عدم تجديد عقودهم مع "يونيسف"، ما دفعهم إلى المطالبة بأبسط حقوقهم
باتت رواتب المعلمين السوريين في تركيا، بعد زيادة رواتب زملائهم الأتراك مطلع العام الجاري، الأقل حتى من تلك التي يتقاضاها الجندي الأقل رتبة. المعلم السوري الذي يعمل مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" يتقاضى 2020 ليرة تركية (نحو 292 دولاراً) لا غير. ويقول معلمون لـ"العربي الجديد": "المبلغ لا يكفي حتى لتأمين بدل إيجار المنازل بعد غلاء الأسعار في تركيا والتضخم الذي لحق بالليرة التركية، التي خسرت نحو 40 في المائة من قيمتها منذ عام".
إضافة إلى الأجر المنخفض، يبدو مستقبل المعلمين السوريين في تركيا غير واضح، إذ إن تمديد عقودهم سنوي ويرتبط بالمنظمة. وزاد إغلاق آخر مدرسة سورية في تركيا (التعليم المؤقت) من قلق المعلمين، ما دفعهم إلى مناشدة المنظمة في تركيا تحسين أجورهم.
ويطالب معلمون برفع "الدعم المقرر للمدرس السوري والبالغ 2020 ليرة فقط، إذ لم يعد يتناسب مع غلاء المعيشة وارتفاع الأجور". هؤلاء الذين يعملون مع "يونيسف" للعام الخامس على التوالي، تمنوا تحقيق مطالبهم بتحسين الأجر وتثبيتهم، علّ ذلك يريحهم. وأعربوا في كتاب رفعوه إلى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة عن هذا الشعور، قائلين: "ما من رؤية للمستقبل".
في هذا السياق، يقول المعلم السوري خالد الأسعد لـ"العربي الجديد": "قابلنا، كوفد ممثل عن المعلمين السوريين قبل أيام، رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، نصر الحريري، ووضعناه بصورة ما يعانيه المعلمون السوريون لناحية الأجر المنخفض وعدم الاستقرار. وفوجئ رئيس الائتلاف بما يعانيه المعلمون، فنحن من دون أي ضمانات أو تأمين، ولا نعلم متى تنهي يونيسف عقودنا".
وعن سبب لجوء المعلمين إلى الائتلاف بدلاً من يونيسف، يقول: "خاطبنا كفرع لنقابة المعلمين في تركيا المنظمة مراراً، ولم نجنِ سوى التسويف والوعود. لذلك، لجأنا هذه المرة إلى رئيس الائتلاف، وسفير الائتلاف في تركيا نذير الحكيم، وتلقينا وعوداً بالمتابعة مع المنظمة لتحسين ظروفنا". ويتحدّث الأسعد عن تأسيس المعلمين السوريين نقابة في دول المهجر والشتات، قائلاً: "لدينا فروع للنقابة في لبنان والأردن ومعظم الدول الحاضنة للاجئين. لكن هناك توجد مدارس سورية، وربما المخاطر أقل من تركيا التي أعلنت دمج التلاميذ السوريين في المدراس التركية، ما يعني، من منظورهم، أنه لم يعد لنا دور".
وكانت وزارة التعليم التركية قد أصدرت منذ يوليو/ تموز 2017 قراراً إلزامياً يقضي بدمج التلاميذ السوريين في الصف الخامس والتاسع في المدارس التركية"، مؤكدة أن جميع التلاميذ السوريين في تركيا سيندمجون في المدارس التركية بحلول العام الدراسي 2018 ــ 2019، لتغلق بحسب مصادر لـ"العربي الجديد"، آخر مدرستين في إسطنبول تعلمان المنهاج السوري (ضمن مدارس التعليم المؤقت)، هما باغجلر وسلطان غازي.
وكانت مراكز التعليم المؤقتة في تركيا (المدارس السورية) قد شهدت تقليصاً مستمراً، لتنتهي "التجربة" بالمطلق. وبحسب تصريحات تركية رسمية لـ"العربي الجديد"، انخفضت مراكز التعليم المؤقتة السورية من 55 مركزاً إلى 16 مركزاً العام الماضي ثم إلى مركزين، ليُدمَج منذ مطلع العام الدراسي المقبل جميع الطلاب السوريين في المدارس التركية.
وبحسب مصادر رسمية تركية، "يدرس أكثر من 78 ألف تلميذ سوري في المدارس التركية مجاناً، ويعاملون معاملة الأتراك تماماً". وتحوّل المعلمون السوريون من مراكز التعليم المؤقت إلى المدارس التركية، كمشرفين ومترجمين أو مدرسين لمادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية، بدوام لا يزيد على 21 ساعة أسبوعياً.
وتقول المعلمة وفاء عمر لـ"العربي الجديد": "نتمنى كمعلمين سوريين أو حاصلين على الجنسية (معظم المعلمين السوريين حصلوا على الجنسية الاستثنائية) تعييناً ضمن كوادر المدارس التركية. نحن حملة إجازات جامعية، ويمكننا تدريس اللغة العربية والتربية الإسلامية واللغة الإنكليزية، ولكننا نتبع يونيسف ونعمل بعقد سنوي، ما يجعلنا نشعر بالتهديد كل عام". تضيف عمر: "كنت ضمن الوفد الذي قابل رئيس الائتلاف. صراحة، تأخرنا كثيراً بهذه الخطوة. لكننا اليوم، تخلينا عن الكثير من المطالب المحقة، ونريد فقط النظر في تثبيتنا ورفع بدل أجورنا التي لا تكفي لمعيشة أسرة مؤلفة من شخصين. بدل إيجار البيوت ارتفع، إضافة إلى السلع والخدمات. لكن بدل أجر المدرس السوري مثبت عند الحد الأدنى أي 2020 ليرة تركية".
وعن إمكانية تعديل شهادة المعلمين السوريين، وخصوصاً الحاصلين منهم على الجنسية ليعيَّنوا في المدراس التركية، تقول عمر: "يحتاج التعديل إلى عامين وإجراء اختبار باللغة التركية ثم احتمال التعيين في الأرياف، ما يجعل الأمر صعباً على السوريين"، لافتة إلى أنه "يمكن تعييننا في المدارس التركية التي تدرّس العربية والتربية الإسلامية واللغات. إذ إن مدارس الإمام الخطيب مثلاً تتضمن مواد اللغة العربية والتربية الإسلامية والإنكليزية، كحل وسط يبعدنا عن القلق والمخاوف من فسخ عقودنا مع يونيسف".
وتُشير عمر إلى أن نسبة المعلمات السوريات تزيد بنحو 50 في المائة على المعلمين، وهنّ مسؤولات عن أسرهن. لكن الدخل القليل وعدم الاستقرار يؤثران بمصير تلك الأسر ومستوى معيشتها في تركيا.
إلى ذلك، تقول المسؤولة في مديرية تربية الفاتح في إسطنبول، ليلى أحمد، إن تركيا كلفت المعلمين السوريين تدريس بعض المواد في المدارس التركية بعد إغلاق المدارس السورية المؤقتة، وتعيينهم كمترجمين يتولون دور صلة الوصل بين المدارس التركية وأولياء أمور التلاميذ السوريين في تركيا، وهم أكثر من 78 ألف تلميذ.
تضيف أحمد لـ"العربي الجديد" أن المعلمين السوريين الذين سيعملون في مديريات التربية ومراكز التعليم الشعبي ومراكز التعليم المهني ومراكز الإرشاد والبحوث ستكون مهماتهم في الترجمة والمساعدة في التسجيل، وإجراء مسح ميداني للبحث عن الأطفال المتسربين من المدارس، وتحديد الأطفال الذين هم في حاجة إلى عناية خاصة، وأولئك الموهوبين، سواء أكانوا سوريين أم من جنسيات أخرى، وتوجيههم إلى المراكز الخاصة بهم، مبينة أن مسألة أجور المعلمين السوريين تحددها يونيسف، لأن المعلمين متعاقدون معها وغير تابعين لمديريات التربية التركية.