دخلت واشنطن، ومعها السباق الرئاسي الأميركي، مرحلة مواجهة مصيرية، قد تكون لها ارتدادات تحدد ميزان القوى لأعلى سلطة قضائية في البلاد، وعلى الأكثرية في مجلس الشيوخ، كما على حسابات الديمقراطيين والجمهوريين في ذروة الحملات الرئاسية.
يأتي هذا التحوّل على خلفية خطوة الرئيس الأميركي باراك أوباما، تعيين القاضي في محكمة الاستئناف في واشنطن ميريك غارلاند، في الكرسي التاسع الفارغ في المحكمة الدستورية العليا، بعد أكثر من شهر على وفاة القاضي المحافظ أنتونين سكاليا.
وقد أكد أوباما خلال إعلانه هذا التعيين، بأنه "يمارس حقه الدستوري الطبيعي بملء فراغ المحكمة العليا"، وطلب من الكونغرس "إعطاء غارلاند فرصة الدفاع عن سجله، على الأقلّ، خلال جلسة استماع". لكن القيادات الجمهورية في الكونغرس ترفض تعيين أوباما لأي شخص في هذا المنصب، وتدعو إلى ترك هذا القرار للرئيس الأميركي المقبل، حتى أن زعيم الأكثرية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتشل ماكونيل، أبلغ غارلاند هاتفياً بأنه "لن يجتمع به ولن ينظر في قرار تعيينه".
غير أن هناك بوادر انشقاق في صفوف جمهوريي الكونغرس مع موافقة بعض الأعضاء على الاجتماع بغارلاند، في وقتٍ يحتاج فيه البيت الأبيض الى 14 صوتاً جمهورياً في مجلس الشيوخ لتجاوز عرقلة عقد جلسة استماع للتصويت.
اقرأ أيضاً: اختيار أوباما للقاضي غارلاند ينذر بمعركة مع الجمهوريين
ولم يكن غارلاند بعيداً عن السياق الجمهوري، فقد بدأ غارلاند سلسلة لقاءات في مبنى "الكابيتول هيل"، منها مع السيناتور الجمهوري من ولاية أريزونا جيف فلايك، والسيناتور المحافظ من ولاية أوكلاهوما جيم إينهوف، لا سيما أن غارلاند أدى دوراً بارزاً في التحقيق الفيدرالي لتفجير مدينة أوكلاهوما الشهير عام 1995.
كما كان لافتاً تلميح أصوات جمهورية بارزة في مجلس الشيوخ، إلى أن قبول خيار أوباما قد يكون أفضل من التعامل مع قاضٍ آخر قد تختاره المرشحة الرئاسية الديمقراطية هيلاري كلينتون. بالتالي لا تستبعد قيادات جمهورية معتدلة، تمرير تعيين غارلاند، في حال فازت كلينتون في الانتخابات الرئاسية في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. مع العلم أن أوباما يدرك أن القيادات الجمهورية ستعرقل هذا التعيين في الكونغرس، ما دفعه لاقتراح تسوية تضع الجمهوريين في وضعية دفاعية، وفي موقع المعرقل خلال موسم انتخابي.
كما تظهر مؤشرات على أن البيت الأبيض يستعد لمعركة سياسية قد تطول حتى نهاية العام الحالي، مع إطلاق حساب جديد على موقع "تويتر"، مخصص لمرشح منصب المحكمة العليا، كما ينوي الحزب الديمقراطي جعل هذا الملف من القضايا الرئيسية في الحملات الانتخابية التشريعية، لا سيما في الولايات التي تميل إلى الليبراليين.
وقد بدأ مسؤولون سابقون في فريق عمل أوباما، مثل ستيفاني كانر وأنيتا دان، العمل على تأسيس منظمة غير حكومية جديدة، "مشروع المسؤولية الدستورية"، لتنسيق حركة المجموعات الليبرالية بالتعاون مع المجموعات اليسارية، التي تعقد سلسلة لقاءات عبر الهاتف في الأيام الأخيرة، لإطلاق حملة تحت عنوان "قم بواجبك"، من أجل الضغط على أعضاء مجلس الشيوخ لعقد جلسة تصويت على تعيين غارلاند. كما تخطط المجموعة اليسارية "موفون.أورغ" لأكثر من 50 تظاهرة، الاثنين المقبل، في الولايات المتحدة، تحت عنوان "اليوم الوطني للتحرك".
في المقابل، تستعدّ مجموعات الضغط المحافظة لمعركة شرسة، لا سيما "شبكة الأزمة القضائية"، التي خصصت مبلغ مليوني دولار لبث إعلانات دعائية تعارض تعيين غارلاند، كما أعلنت المجموعة أن غارلاند سينفذ "أولويات ليبرالية متشددة"، مع الإشارة إلى مواقفه من الأسلحة الفردية والإجهاض ودور الحكومة الفيدرالية. كما بدأت دعوات محافظة للتظاهر ولجمع التبرعات الانتخابية لانتخابات الكونغرس من أجل عرقلة تعيين غارلاند، تحت عنوان "لا يمكن أن نسمح بلبرالي آخر في المحكمة العليا".
اقرأ أيضاً: سباق الرئاسة الأميركية:هيلاري في مواجهة ترامب وساندرز مرشح احتياطي