ولا يعرف الأهالي أيّ الوجهات يختارون وإلى أين يفرّون، في ظل وضع إنساني واقتصادي مأسوي. وهو ما عبّر عنه المهجر من دمشق أبو عمر الشامي، والمقيم حالياً في معرة النعمان، لـ"العربي الجديد"، بالقول إن "الأوضاع صعبة والحركة شبه منعدمة، إذ تقتصر صباحاً على تأمين حاجات الناس اليومية الضرورية، وهناك تخوف كبير من تجدد القصف".
ولفت إلى أنّ "ما يزيد من مخاوف الناس هو تدهور الوضع الطبي، بسبب إغلاق المراكز الطبية في المدينة لكونها المستهدف الأول في كل عمليات القصف"، مشيراً إلى خروج مركز إسعافات أولية عن الخدمة بعد غارات الإثنين، ما يجبر الناس على التوجه إلى المراكز الطبية البعيدة بالرغم من خطورة الطريق".
وبيّن أن "الناس تعصف بهم مشاعر مركبة، فتجد معنوياتهم مرتفعة جداً، مع حذر من القصف ومحاولة حماية الأطفال من قاتل غادر يستهدف الأسواق والنساء والأطفال".
وأضاف: "نعاني في معرة النعمان من تدهور الوضع الاقتصادي، فالأعمال توقفت منذ أن اشتدت الحملة العسكرية قبل أسابيع، حتى إننا نعجز عن تأمين جميع حاجاتنا الضرورية".
وتابع: "الخوف تضاعف بعدما أغار الطيران أمس بدون أن يتم التحذير منه، وهذا أسلوب جديد وخاصة في قصف الأسواق والمدنيين حتى لا يتنبه الناس، وهو ما يوقع أكبر خسائر في الأرواح والممتلكات، وربما يتعامل الطيران الروسي المدرب بشيفرة معينة بدل الكلام على أجهزة الاتصال اللاسلكي".
من جانبه، أكد ابن معرة النعمان محمد معراوي لـ"العربي الجديد"، أنّ "واقع أهل المعرة سيئ جداً من الناحية الأمنية، وكذلك الوضع الإنساني متدهور جداً طبياً وحتى خدماتياً".
ولفت إلى أن "أهالي المعرة يتعرضون للقصف من قبل الطيران الحربي كل فترة، فغالباً لا يمضي أسبوع إلا وتقصف على أبعد تقدير، لكن منذ ثلاثة أيام أصبح القصف يومياً، والضربات تستهدف مناطق حيوية، ما جعل الحركة في الشوارع معطلة تماماً، وهناك موجة نزوح كبيرة تحدث بشكل يومي".
وأضاف: "همّي الأول والأخير هو حماية عائلتي، وأعتقد أنه همّ مشترك بين كل المدنيين الذين لا حول لهم ولا قوة، وخاصة أن الهجرة الداخلية تجربة صعبة وقاسية، وهناك عائلات ليست لديها القدرة حتى على تأمين طعامها اليومي، فما بالك بتوفير تكاليف النزوح.. الوضع هو بمثابة حصار إنساني لسكان جنوب إدلب".
من جهته، قال قائد قطاع الدفاع المدني في معرة النعمان عبادة الزكرة لـ"العربي الجديد": "ما زلنا نحاول رفع الأنقاض، بحثاً عن مفقودين، فلدينا طفل عمر عامان مفقود، بالرغم من بحثنا المكثف عنه في جميع الأبنية المدمرة من جراء الغارة الجوية يوم أمس الإثنين، إلا أننا لم نجد له أثراً".
وأضاف: "حالة رعب وخوف شديدان في المعرة، والشوارع خالية والمحالّ التجارية أغلقت أبوابها، والمدنيون متخوفون جداً من القصف، وهناك في السماء طيران حربي يتبع القوات النظامية".
ولفت إلى أن "الدفاع المدني مستنفر في المعرة بشكل كامل، وموزع في كل المناطق بهدف الوصول إلى أي نقطة قصف بأسرع وقت ممكن، في حين تعوقنا الغارات المزدوجة من الطيران الحربي، التي لا تغادر الأجواء أبداً، ما يجبرنا على إخلاء المكان والاحتماء في الملاجئ القريبة، وبعد الغارة نستأنف عملنا".
وتابع: "بعدما استهدف الطيران الروسي المدينة أمس بعدة غارات، توجه فريق الدفاع المدني لمكانها لينفذ الطيران غارة مزدوجة، باستهداف مباشر لعناصر الفريق ما تسبب بسقوط شهيد وعدة جرحى".
بدوره، قال إعلامي المجلس المحلي في معرة النعمان، قتيبة خلوف لـ"العربي الجديد": "يعيش في المعرة 149 ألف شخص بينهم ستة آلاف عائلة نازحة إلى المدينة، وأنا أتحدث معكم نفذ الطيران ثلاث غارات على المدينة، فالحركة ضعيفة جداً، والأسواق شبه مغلقة بالكامل".
Twitter Post
|
ولفت إلى وجود "نقص في الموادّ الطبية وخاصة الإسعافية، عقب زيادة الغارات الجوية، التي يسقط بسببها عشرات الجرحى، في حين يعاني الأطباء من ضغط عمل كبير بسبب قلة عددهم".
وأضاف: "كنا نعاني من نقص مياه الشرب في محطتي بسيدا وخزانات عين الزرقة، لكن الطيران الحربي قصفها مؤخراً ما تسبب في خروجها عن الخدمة، فجعل الناس تلجأ إلى الصهاريج والآبار الخاصة ما يحملهم تكاليف إضافة".
Twitter Post
|
وذكر أن "حالة نزوح واسعة بين الأهالي من جراء القصف، لكن لم يتم إحصاء أعداد النازحين بعد، فجميع سبل الحياة متوقفة، لا كهرباء ولا ماء وإغلاق المشفى وموادّ غذائية قليلة".
وأكد أن "المعاناة كبيرة في معرة النعمان، فالقصف لا يتوقف، والموت منتشر في كل مكان، لا أعتقد أن يتصور إنسان ما نعيشه هنا، يكفي أن يشاهدوا جرحى مجزرة يوم أمس حيث الناس فقدوا أطرافهم وهناك حالات حرجة قد تفارق الحياة".
وبيّن أنه "خلال ثلاثة أشهر الماضية نزح من المعرة نحو ألف و100 عائلة، غالبيتهم كانوا نازحين إلى المعرة من مناطق أخرى".
Twitter Post
|
وكان مصدر من الدفاع المدني السوري قال لـ"العربي الجديد" في وقت سابق، إن حصيلة ضحايا القصف الجوي الروسي على السوق الشعبي ومنازل المدنيين في معرة النعمان بريف إدلب بلغ تسعة وثلاثين مدنياً، فضلاً عن إصابة ستين على الأقل بجروح بينهم حالات خطرة، الأمر الذي يجعل الحصيلة مرشحة للزيادة.
وكان الطيران الحربي الروسي قد قصف المدينة أمس، عبر تسع غارات متتالية بصواريخ شديدة الانفجار مستهدفاً السوق الشعبي ومنازل المدنيين، وأشارت المصادر إلى أن الدمار الذي أحدثه القصف كان هائلاً جداً، لدرجة أنه أحدث حفراً عميقة مكان بعض المنازل.
Twitter Post
|