معتقلو السلفيّة في المغرب... بين الانفراج والتأزّم

16 مايو 2014
لا يمانع الملك الحوار مع السلفيين (ديدييه بافيريل/Getty)
+ الخط -

بحلول اليوم، الجمعة، تكون قد مرت 11 سنة، بالتمام والكمال، على الأحداث التي ضربت الدار البيضاء المغربية، وذهب ضحيتها العديد من القتلى والجرحى، عندما فجّر بضعة انتحاريين مطاعم وفنادق في المدينة، يوم الجمعة 16 مايو/ أيار 2003.
وأعقبت تلك التفجيرات الدموية موجة اعتقالات في صفوف المئات من المنتسبين لـ"السلفية الجهادية"، فبات المغرب مطوّقاً بملف سياسي وحقوقي ضخم يتعلق بمدى تحقّق انفراج في قضية معتقلي السلفية، خاصة أن العديد منهم أكدوا براءتهم من التطرف.
وتأرجح ملف معتقلي السلفية، طيلة السنوات التي مضت على أحداث الدار البيضاء، بين مسارَيْ الانفراج والتأزّم، حيث كلما ظهرت مؤشرات لحل هذه القضية، تحدث وقائع تؤجل طي هذا الملف الشائك إلى آجال غير محددة.
وشهد ملف معتقلي السلفية أوقات انفراج قليلة، خلال الـ11 سنة الماضية، من بينها على الخصوص عفو الملك محمد السادس، في أبريل/ نيسان 2011، عن مشايخ سلفيين اعتقلوا بموجب قانون الإرهاب، منهم محمد الفزازي، حسن الكتاني، أبو حفص، وعمر الحدوشي.

مؤشرات الانفراج
ومن أبرز مؤشرات الانفراج التي طالت ملف السجناء، حدث ذو دلالات، يرتبط بإمامة الشيخ الفزازي صلاة الجمعة بالعاهل المغربي، نهاية مارس/ آذار الماضي، وهو ما اعتبره كثيرون إيذاناً بحلحلة ملف معتقلي السلفية، الذين يطالبون بالإفراج عنهم.
الفزازي، المحكوم بالسجن، عقب أحداث البيضاء، بـ30 سنة، قبل أن يعفو عنه الملك، قال في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إنه "يطرح اليوم نفسه بقوة كأحد الوجوه التي تسعى إلى طي هذا الملف الشائك المتعلق بمعتقلي السلفية".
وأكد أنه "يشكل نموذجاً يحتذى لكثير من السجناء في باب المراجعات الفكرية والمواقف السياسية الجديدة، التي تقطع الخصومة للدولة والمؤسسات، وتجزم بمحاربة الفساد والاستبداد من داخل الشرعية لا خارجها، ومع الملك ومؤسسات الدولة لا ضدها".
وطرح أن يكون "صلة وصل بين الدولة والسجناء العازمين على الاندماج الكلي في مجتمعهم، مع تبرئة تامة من كل إرهاب أو عنف، أو تكفير للمجتمع"، مشيراً الى أن "أغلبية السجناء قد عبّروا بخط أيديهم عن هذا المسار، مما يؤشر على الانفراج".

مؤشرات الانفراج هذه في ملف معتقلي السلفية كانت تحد من توهّجها وقائع تشكك في قدرة السلفيين على الاندماج في المجتمع والتصالح مع مؤسساته، والقطع مع أفكار التطرف والتشدد، ومنها أحداث في مارس/ آذار وأبريل/ نيسان 2007.

وقائع التأزّم
وليست وحدها وقائع التفجيرات التي نفّذت العائق أمام الحل النهائي لملف معتقلي السلفية الجهادية، الذين تختلف الأرقام حول عددهم الحقيقي بين بضع مئات وبضعة آلاف، بل أيضاً ظهور العديد من الخلايا التي فككتها أجهزة الأمن المغربية.
وتفيد أرقام رسمية أن عدد الخلايا المفككة، في السنوات العشر الأخيرة، منذ 2005 إلى مايو/ أيار 2014، بلغ 64 خلية إرهابية، وأكد الأمن المغربي ارتباطها بصلات وطيدة بتنظيمات دولية، على رأسها تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي".
ووفق الإحصائيات، فإن سنة 2005 عرفت تفكيك 5 خلايا، و8 خلايا في 2006، و9 خلايا في 2007، و8 في 2008، و5 في 2009، و8 في 2010، و4 في 2011، و7 في 2012، و5 في 2013، و5 خلايا في الأشهر الخمسة من العام الجاري.
ومن العوائق التي يرى مراقبون أنها تشكل حاجزاً أمام الطي النهائي لملف معتقلي السلفية في السجون المغربية، توافد العشرات من الشباب السلفي إلى سوريا ل"الجهاد" ضد النظام، حيث لا تنظر السلطات بعين الرضا لهذا التوجه، خشية تداعيات ما بعد عودتهم إلى البلاد.
ولفت الباحث منتصر حمادة، الى أن "هذه الفئة وجدت نفسها أمام خيارات محدودة، تتمثل في القتال هناك موزعين على تنظيمات متعاركة، أو الرجوع للبلاد والتعرض للاعتقال من طرف السلطات الأمنية".

جرح غائر
وسجّل مراقبون أن "عدد المعتقلين السلفيين ضخم مقارنة مع عدد ضحايا أحداث الدار بالبيضاء في 2003، حيث قُتل 45 شخصاً، بينهم 12 انتحارياً، واعتُقل أكثر من 8 آلاف شخص، وصدرت أحكام بالسجن في حق أكثر من ألف معتقل، منها 17 حكماً بالإعدام".
واعتبر الفزازي أن "وجود العدد الكبير للمعتقلين مقارنة مع عدد الضحايا، كون الأجهزة الأمنية والقضائية صدمت من هول تلك الأحداث، فتصرفت بسرعة نتجت عنها تجاوزات شابت الاعتقالات والمحاكمات".
ورأى أن "أحداث 16 مايو/ أيار 2003 حفرت الذاكرة المغربية بخطوط غائرة لا يمكن أن يمحوها الزمن، وكسرت الاستثناء المغربي، و"خرمت" الاستقرار الذي ظل دوما يستثني المملكة مما يجري في دول الجوار".